أسس ومرتكزات الأمن الأسري
هوية بريس-ذ.محمد ابراهمي
تعتبر الأسرة الدرع الحصينة في دلالتها اللغوية، وهي دلالة تنعكس في اصطلاحها ووظائفها ومقاصدها، فيه المؤسسة التي تحقق الأمن والاستقرار لأفرادها ولمجتمعها، من خلال ما تقوم به من أدوار وتمارسه من وظائف تربوية واجتماعية واقتصادية.. لذلك حظيت بالاهتمام والعناية البالغة في الإسلام من حيث التأسيس والقيم الناظمة، والحقوق المتعلقة بمكوناتها أفرادا ومؤسسة، ولعل من المقاصد المرجوة من تكوين الأسر وتأسيسها تحقيق الأمن والاستقرار والاطمئنان للأفراد والمؤسسة، وهي من أهم المقاصد التي تسهم في تحقيق الوظائف المرجوة من الأسرة، فما المقصود بالأمن الأسري؟ وما أهم مرتكزاته؟
1: في دلالة الأمن الأسري:
ورد في المعجم الوسيط[1] أن أمن وأمانا و أمانة وأمنا وإمنا.. اطمأن ولم يخف فهو آمن، وأمن وأمين يقال لك الأمان أي قد آمنتك، وفي التنزيل العزيز قوله تعالى “هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل“[2]
وأمن وأمانة كان أمينا، وآمن إيمانا صار ذا أمن و به وثق، وفي التنزيل العزيز “وما أنت بمؤمن لنا“[3]
أما اصطلاحا فقد عرفها الجرجاني بقوله ” عدم توقع مكروه في الزمان الآتي” [4] وفي ذلك دلالة على سلامة التوقع الناتج عن تقديرات تنعكس على الحالة الوجدانية والشعورية للفرد أو المؤسسة والمجتمع.
أما دلالة المفهوم مركبا فيعني استقرار في البناء المؤسسي الناتج عن الارتباط بالقيم المرجعية، والذي يساعد على تفادي الإكراه والاضطراب في أبعاده الوجدانية والمادية في الحال والمآل.
ففي الدلالة محاولة للجمع بين الأبعاد المادية والوجدانية، مع استحضار المنطلقات المرجعية، في أداء المهام والوظائف المنوطة بمؤسسة الأسرة، وذلك لتفادي الاتجاهات الأحادية في النظرة لمفهوم الأمن المؤسسي، فما هي أهم الأسس التي تسهم في تحقيقه؟
2: في الأسس والمرتكزات:
وهي منطلقات لا يمكن تصور وجود واستمرار الأسرة إلا بها، ولا يمكن أداء وظائفها وممارسة رسالتها إلى من خلالها وبتمثل مقتضياتها، ويمكن إجمالها في:
أ: الاختيار السليم لطرفي الزواج:
الأسرة مؤسسة تتشكل من طريفي الزواج ابتداء، ويعتبر الاختيار السليم لطرفي الزواج أحد أهم الأسس في استقرار الأسر واستمرارها، لذلك دعا الإسلام إلى الحرص في عملية الاختيار بناء على قيم التدين السليم والخلق القويم، فعن عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ».[5] وفي اختيار الزوج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض”[6]
ونص الفقهاء في العديد من اجتهاداتهم على عنصر الكفاءة بين الزوجين في التدين والمعرفة والنسب.. وهي عوامل تسعف في الانسجام بين الطرفين والاستعداد للتعاون في تحمل مهام الأسرة ومسؤولياتها، فكلما كانت عناصر التلاقي والتشارك في المرجعية والمواصفات في بعديها المادي والمعنوي كلما كان الانسجام في المهام و والمشاعر والوجدان، وتنعكس على بنية الأسرة وطبيعة العلاقة السائدة بين مكوناتها، فيتحقق الأمن ببعديه المادي والمعنوي.
ب: منظومة القيم المرجعية:
لكل مجتمع منظومة قيم مرجعية مؤطرة وموجهة لأفراده ومؤسساته، وضامنة لاستقراره وأمنه، والأسرة من أهم مؤسسات المجتمع التي تؤطرها قيم تضمن بقاءها واستقرارها واستمرارها في أداء وظائفها ومهامها في التربية والتنشئة، وفي خدمة المجتمع واستقراره، ومن أهم القيم المؤطرة للأسرة مؤسسة وأفرادا قيم المودة والرحمة بين الأزواج، والتي يؤكدها نصوص عدة منها قال تعالى ” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون“[7]
وقول رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِى وَجْهِهَا الْمَاءَ رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِى وَجْهِهِ الْمَاءَ ».[8]
وجاء عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «أَوَّلُ حُبٍّ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ حُبُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا»[9].
وقيم العشرة بالمعروف والتي تؤكدها نصوص عدة منها قوله تعالى ” وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا “[10]
وقوله صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِىَ مِنْهَا آخَرَ ». أَوْ قَالَ « غَيْرَهُ ».[11]
ويؤكد هذا المعنى حديث آخر عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال” خيركم خيركم لأهله . وأنا خيركم لأهلي “[12]
وقيم التسامح والتجاوز والتغافل، فقد جاء عن الحسن البصري رحمه الله “ ما زال التغافل من فعل الكرام”، وقال الإمام أحمد رحمه الله” تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل”
وفي العلاقة بالأبناء تحري اللين والرحمة بهم، وحسن صحبتهم والإحسان إليهم في التربية والتنشئة في أبعادها التصورية والخلقية، وقد ورد من النصوص الكثير مما يؤكد على هذه الوظائف الأسرية، وعلى طبيعة العلاقة التي ينبغي للأسرة أن تمنحها للأبناء، فقد جاء في شأن التربية نصوص عدة يطول المقام لذكرها والتفصيل فيها منها ما يتعلق بالتربية العقدية كقوله تعالى ” وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ“[13]
وقوله تعالى ” يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ“[14]
وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن عباس رضي الله عنه قال : “كنت خلفت رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما فقال يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعواعلى أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف“[15]
وفي التربية التعبدية والأخلاقية قوله تعالى ” يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَامُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الامُورِ“[16]
وفي منهج التواصل اعتماد الحوار واللين في المعاملة، وتعزيز الثقة في النفس، فقد ورد في ذلك آثار عدة منها ما جاء عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ “إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ قَالُوا مَهْ مَهْ فَقَالَ ادْنُهْ فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا قَالَ فَجَلَسَ قَالَ أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ قَالَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ” [17]
ومنها ما جاء عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا “إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ“[18]
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِى عَلَيْهِ مَا لاَ يُعْطِى عَلَى الْعُنْفِ ».[19]
وفي العلاقة بالآباء تحري البر بهم والإحسان إليهم أحياء وأمواتا، وقد ورد في ذلك نصوص وآثار عدة منها قوله تعالى “ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا” الإسراء: 23 – 25.
وجاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَىُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ قَالَ « الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا ». قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَىٌّ قَالَ « بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ». قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَىٌّ قَالَ « الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ »[20]
وفي رواية عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ قَالَ « أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبُوكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ ».[21]
إنها مجموعة قيم مستقاة من عدد من النصوص على سبيل التمثيل لا الحصر، تؤكد طبيعة العلاقة التي ينبغي أن تتأسس عليها مؤسسة الأسرة، علاقة يطبعها التعاون والبر والإحسان والرحمة والحوار واللين .. علاقة تضمن للأسرة استقرارها وتماسكها وأمنها، وأداءها لوظائفها في التنشئة وخدمة المجتمع، وهو ما لا يتحقق بدون هذه المنظومة من القيم المرجعية المؤطرة لمؤسسة الأسرة ومكوناتها.
ج: أداء الوظائف الرسالية:
إن من أهم أسباب استقرار الأسر وتماسكها، وتحقق مقتضيات الأمن فيها أداؤها لوظائفها الرسالية في الوجود، فالتأثير قانون يمنع التأَثُّر أو يحد من آثاره، فسنة الله في الوجود قائمة على التدافع بين قيم الخير والشر، الصلاح والفساد، فإن لم تقم الأسرة بوظيفتها في إعداد الجيل الصالح المصلح، ومدافعة قيم الفساد في المجتمع فستقع ضحية له، وتقدم له جيلا يستهلك ولا ينتج، يتأثر ولا يؤثر، ينفعل ولا يفعل، وينساق وراء كل صيحة وموضة لا قدرة له على التمييز والتأطير والتأثير، والإسهام في خدمة مجتمعه ووطنه، وهي حقيقة تؤكدها عدد من النصوص الشرعية منها قوله تعالى ” وَلَوْلَا دَفْاعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ“[22] وقوله تعالى ” وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ” [23] وجاء في الأثر النبوي عن مآل من لا يقوم بدوره في مدافعة المنكر والفساد قوله صلى الله عليه وسلم “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ“[24]
والتاريخ والواقع يثبت هذه الحقيقة الكونية، والسنة التاريخية والاجتماعية، فقد وجه الله تعالى الإنسان إلى النظر في سيرورة التاريخ ومآل المجتمعات لاستخلاص الدروس والعبر منها، حيث يقول تعالى ” قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ”[25] ومن السنن أن من لا يقوم بالفعل والتأثير يقع ضحية الانفعال والتأثير، قال تعالى ” وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ“[26]
فهي سنة الله التي لا تتغير ولا تتبدل، قال تعالى ” سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا “[27]
د: مساندة باقي المؤسسات للأسرة في وظائفها:
لم تعد الأسرة المؤثر والمؤطر الوحيد للنشأ في المجتمع، بل أضحى يزاحمها في هذه المهام عدد من المؤسسات، وفي مقدمتها المؤسسات التعليمية والإعلامية، فضلا عن باقي المؤسسة المدنية التي لها دور من قريب أو بعيد في عملية التأطير والتنشئة، ومعلوم ما للإعلام الحديث من أثر في التأثير على منظومة قيم الشباب، وما للمؤسسات التعليمية من وظيفة في صقلها وتنميتها وتعديلها، فالتنشئة لم تعد وظيفة للأسرة وحدها بل عملية تسهم فيها مختلف المؤسسات التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالأطفال والشباب، وبالأزواج كذلك، فكل مكونات الأسر على تماس مباشر أو غير مباشر بهذه المؤسسات، وعلى صلة بمخرجاتها وتأثيرها، ولا يمكن الحديث عن استقرار أسري وأمن أسري دون تضافر جهود هذه المؤسسات كلها بشكل متكامل كي تؤدي الأسر وظيفتها.
إن الأمن في مفهومه العام مقصد وغاية، يؤكد ذلك امتنان الله به على قريش في قوله تعالى ” لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ“[28] وله مقومات ومرتكزات لا يتحقق بدونها، تبدأ بالاختيار السليم لأطراف الزواج مرورا بتمثل منظومة القيم المرجعية المؤطرة لمكونات الأسرة وعلاقاتهم، وصولا للوظائف المنوطة بها، وإسهام باقي المؤسسات في تحققها.
[1] ، إبراهيم مصطفى وآخرون، المعجم الوسيط، ج:1/ ص: 59.
[2] : يوسف الآية 64.
[3] : يوسف الآية 17.
[4][4] : الشريف الجرجاني، معجم التعريفات، تحقيق محمد المنشاوي، دار الفضيلة، ص:34.
[5][5] : صحيح مسلم، باب استحباب نكاح ذات البين، ج:4/ ص:175.
[6] : سنن الترمذي، إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه، ج: 3/ ص:394.
[7] : الروم، الآية 21.
[8] : سنن أبي داود، باب قيام الليل، ج:1/ ص:504.
[9] : حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، ج:2/ ص:44.
[10] : النساء 19.
[11] : صحيح مسلم، باب الوصية بالنساء، ج:4/ ص:178.
[12] : سنن النسائي، باب حسن معاشرة النساء، ج:1/ ص:636.
[13] : لقمان 13.
[14] : لقمان 16.
[15] : سنن الترمذي، ج:4/ ص: 667، حديث حسن صحيح.
[16] : لقمان الآية 17.
[17] : مسند الإمام أحمد، ج:36/ ص:545.
[18] : مسند الإمام أحمد، ج: 42/ ص:153.
[19] : سنن أبي داود، باب في الرفق، ج:4/ ص:402.
[20] : صحيح مسلم، باب بيان كون الإيمان بالله تعالى، ج: 1/ ص: 62.
[21] : صحيح مسلم، باب بر الوالدين، ج: 8/ ص: 2.
[22] : البقرة 251.
[23] : الحج الآية 40.
[24] : مسند الإمام أحمد، ج:38/ ص: 332
[25] : الروم الآية 42.
[26] : هود 117.
[27] : الأحزاب، 62.
[28] : سورة قريش.