أشياء وأناس على الحدود المغربية 1907م (2/3)

22 يوليو 2025 23:10

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

** ملخص:

يتحدث الموضوع عن مشكلة أمنية واجهتها فرنسا على الحدود المغربية البالغ طولها 1.100 كلم بعد اتفاقية لالة مغنية 1845 التي تركت جنوب وهران خارج التحديد مكتفية بـ100كلم من البحر إلى ثنية الساسي، مما عرقل عملية توسعها جنوبا حيث قبائل الرحل المغربية التي شنت غارات على قواتها الغازية وبؤرها الاستيطانية، والقبائل الخاضعة لها، مما جعلها تفكر في تجنيد من يريد من القبائل في جيشها ليواجهوا الصدمات الأولى مع قوات اللفيف والمخزن والصباحية، ومجموعة فرنك الذين استخرجوا من قوات اللفيف والترك، وألبسوا زيا أهليا ليقال بأن الأهالي يقاتلون لصاح الاحتلال في الأرض المغربية جنوب وهران.

** كلمات دالة:

جنوب وهران، ليوطي، اليابان، مناطيد، دهون الخنزير أوْرَبة القوات، التلغراف، الكوم، المخزن، القوقاز، نَكير، تمبوكتو، بوعمامة، الصبايحية، مجموعة افْرَنْك.

** النص:

وزير حرب سابق، وهو أيضا واسع الاطلاع على الشؤون الجزائرية، لمَّا سمعنا نخطط لرحلتنا في جنوب وهران، شجعنا عليها بهذه العبارات:

“سأندهش كثيرا، إن لم تكن شغوفا بالعمل الذي تراه في المغرب؛ إنه عمل دقيق على الحدود، كان الأمر يتعلق بتغطية مسار طوله 1.100 كلم، وهو ما يُعادل حدودنا من فُوسْجي، إلى اللتي في جبال الألب مجتمعة وغني عن القول، أن الموارد المتاحة لهذه المهمة، لم تكن بأي حال من الأحوال، ذات أهمية متناسبة.

ومع ذلك، فقد تم إنجاز عمل جيد، وُجِد رجل مثل الجنرال اليوطي، ليكسر عمْدا الروتين القديم هناك، وسرعان ما أدرك أننا كنا نُنَاورُ ضد الرُّحَّل، أو لصالح الرومان، كما في عهد سايلستريوس، الغارقين في المعوقات، أولئك الذين كنا سنعاقبهم أو نمنعهم من ارتكاب أفعالهم السيئة، كانوا متقدمين علينا، بمائتي كلومتر، كانوا يعرفون بُطْأنا، وهو الشيء الوحيد الذي توقعوا أن يفعلوه بقوتهم، لقد تغير كل ذلك، نحن ندافع عن أنفسنا بمرونة استثنائية، لا ينقصها لِتَصير موضع تقدير، إلا أن تكون مصممة من قبل اليابان”.

دعونا نبين بوضوح تام، حقائق المشكلة التي كان لا بد من حلها، إنها تستند كليا إلى فهم دقيق، وعادل للبلاد وشعبها، من جهة؛ منطقةٌ تُفضي إلى غارات مفاجئة، وتُسهل أيضا الهروب السريع، والإختفاء الفوري، ومن جهة أخرى، عدوٌّ تكمن قوته الحقيقية الوحيدة، في حركته المُفْرِطة.

كان من المهم تحليل الحركة، ما هي العوامل؟

كان أحدها جليا، غريزة التضاريس التي تميز الشعوب المُترَحِّلة، والتي بفضلها تُحفر المواقع التي احتضنوها، والآبار التي أرْوَوْا منها عطشهم، المحفورة في ذاكرتهم للأبد؛ والتي بفضلها يجدون فورا في الفضاء الذي يتواجدون فيه، التموجات المناسبة لإخفاء مسارهم، أو أماكن وجودهم، بالإضافة إلى الطرق الإلتفافية، والممرات الجبلية، علاوة على المنعطفات، ومضايق الجبال.

وأيضا ما هي أداة حركتهم؟

فعند ظهورهم المفاجئ على أجنحة قوافلنا، أو قبائلنا المسالمة، ليس لديهم مناطيد قابلة للتوجيه، ولا سيارات، ولا حتى أحذية السَّبْعِ فراسخ -تشير لأحذية تسمح لمرتديها، بالمشي مسافات طويلة، في وقت قصير- بل كان الجمل والحصان، ونعْلُ ابراهيم العتيق، هي من منحهم، بكل بساطة أجنحة، كامنة في سر حركتهم الهائلة وخفتهم الشديدة.

كما لا توجد لديهم قوافل مشكلة بحكمة، وكثافة، بقيادة حكيمة، لتعيقهم وتبطئهم، ومع ذلك، كان عليهم أن يعيشوا، معتمدين على مواردهم الخاصة، لذلك لم يكن بإمكانهم أن يحلموا بإعادة التزود بالمؤن على طول الطريق، كان غطاء برنسهم هو مصدر رزقهم الوحيد، في البداية -قبل امتطاء القافلة- كانوا يحملون بضعة أرطال من الدقيق، وأحيانا بضع حفنات من التمر، كان عندهم جلد مهترئ، مُعلق على ظهر الحصان، كان هذا كافيا، إلى جانب الثرثرة المستمرة، ليُعينهم في السير على الطريق، كانت الأعشاب المتناثرة على جنبات الطريق، تُغذي الجمال والخيول، إلى جانب بضع كيلوغرامات من الشعير، تجعل الحقائب منتفخة.

وإلى الأمام، نحو البعيد.

هذا تفصيل معبر للغاية، عن قوة تحرك العدو، نحن أيضا، كان تحت أيدينا كذلك جمال، أحصنة، أحذية، وحوائج إنسانية أخرى، وكان البرابرة والعرب المجندون تحت رايتنا، يأتون كل يوم ليتجندوا عندنا، وهم لا يقِلُّون أصالة عن البربر والعرب، القادمين من مناطق خارج الحدود.

كانوا يتمتعون بنفس الغريزة الطبغرافية، ونفس الرصانة والتحمل، ولم تختلف حياتهم على مرِّ القرون، في كلمة؛ كنا نحن أيضا، مستعدين بشكل لائق.

فقط، كان من المهم استغلال كل تلك العوامل التي تشكل قوة العدو، على نحو أمثل، وهو ما لم يفكر فيه أحد حتى ذلك الحين، بدلا من ذلك سمحنا لأنفسنا بإضعاف هذه العناصر الثمينة، دعونا نحكم؛ هؤلاء المشاة المدهشون، هؤلاء الفرسان الذين لا يكِلُّون قاموا بإنشاء حامية، متبعين أحسن القواعد والتقاليد، من غير مراعاة للظروف والمواقع، ومهروا الحدود بنظام دفاعي سلبي، قائم على سلسلة من المراكز الصغيرة، قليلة الأعداد، وغير قادرة على الانتشار، بحيث لم تتجاوز قدرة حمايتها على الانتشار، لأكثر من مدى البنادق.

كانت الفرق العسكرية تنتقل ذهابا وإيابا، بين المواقع، وظلت الحاميات الثابتة، عاجزة عن مواجهة محاولات الرُّحل الذين كانوا جريئين، لدرجة أنهم اجتاحوا الحراس وقتلوهم ونهبوهم، كان عقابهم مستحيلا: فالمطاردة تعني إخلاء المكان، وتسليمه للعدو.

من ناحية أخرى، كان هناك مَيْل نحو بذل جهود مبالغ فيها، لأوْرَبَة الجندي الأهلي، فحاولوا عمليا تدمير رصانته، وخلق احتياجات له مفرطة، لا تؤدي إلا إلى إضعافه، سأذكر تفصيلا نموذجيا واحدا فقط؛

نعلم أن أي شيء مصنوع من لحم الخنزير، يكون محرما على المسلمين، حسنا!

إلا أنهم كانوا يضمِّنون حصة طعام الرامي الجزائري، دهون الخنزير، دون مراعاة أمر دينه.

كان السير في النواحي، يتم على الأقدام، فكان الجندي الأهلي قادرا على بذل مجهود لا يضاها، شريطة أن يكون ضمن الحدود الطبيعية لموطنه الأصلي، حاملا بندقيته وذخيرته، وحدا أدنى من المؤن، وبدلا من النَّعْلِ الخفيفة، ارتدى أحذية الكاحل، مع حقيبة أغراض مختلفة فوق ذلك.

في إحدى الأيام، أدركوا أنهم سلكوا الطريق الخطأ، فهل تعلمون ما تخيلوه؟

لقد حوَّلوا هذا الجندي من جندي مشاة رائع، إلى نصف فارس، أعطى لرجلين بغلا يتناوبان على ركوبه، ورغم كفاءة البغل عند استخدام الأوربيين له، إلا أنه عند الأهالي كان دون المستوى، فالبغل الذي كان يتنقل بسلاسة، ظل يفشل في أداء دوره، تحت وطأة الحِمْلِ الذي على ظهره.

لكن الأمر الأكثر إزعاجا، تمثل في العراقل التي سببها 118 بغلا -إسطبلا- تورطت فيه سرية مشاة فجأة!

كانت الميزة الكبرى لقيادة الحدود الجديدة، هي الرد بقوة على كل هذه التكتيكات الخاطئة، للعودة إلى المنطق السليم.

في الدفاع السلبـي، لا بد من إقامة دفاع متحرك، يجب السعى جاهدا كي يحل جنودنا من البربر والعرب في محل متواجه مع أعدائهم، والحدَّ من أوْرَبَتَهم،

سَعْيًا إلى الاستفادة منها -الأوْرَبة- فقط في مزايا الانضباط، والتسليح المتطور، والقيادة العليا، ثم تخصيص الدور الثانوي للعنصر الأوربي لقواتنا الإفريقية في حماية الحدود، والدفع بقوة بالعنصر المحلي الأكثر كفاءة وملاءمة، في كل شيء، لتحمل الصدمة الأولى، والمخاطر الرئيسية.

-3-

كان نظام الدفاع السلبي القديم للحدود، يتألف من سلسلة طويلة من المواقع الصغيرة، تتضمَّن مفهوم الدفاع المتحرك، وإزالة عدد معين منها، وبناء على عناصرها الضعيفة، تم إنشاء معاقل، وهي أقل عددا بكثير، متباعد بعضها عن بعض، بمسافات تتراوح بين 100 و200كلم، سنمتنع عن تسميتها، في هذه الدراسة. يبدو أن الفكرة التوجيهية وحدها تهم أسماء الأماكن التي لا يمكن أن تكون ذات قيمة، إلا لمن لا يحتاج إلى معرفتها.

في الواقع، يعتمد تنظيم الحدود وأمنها بالكامل على هذه الأماكن، أو بالأحرى على النشاط والحياة اللذيْن ينبعان منها، من هذه المعسكرات المحصنة، حيث تتوفر عناصر عديدة، ومتنوعة، الآن انطلقت منها دوريات استطلاعية، ودوريات متواصلة، جابت الريف لتلتقي وتتقاطع، وتضمن اتصالا مستمرا بين نقاط تواجدها المختلفة، التي تتواصل أيضا عبر التلغراف والهاتف.

تبدو هذه العناصر باختصار، كمنارات قوية، تنير أشعة ضوئها المسافة، في الوقت الذي تتقاطع في أضوائها الدوارة.

يتألف معظم هذه المنارات من ثلاث عناصر أساسية: الأول متحرك، والثاني للدعم والمساندة، والأخير ثابت، يشكل الحامية نفسها، ويعمل كقوة احتياطية.

لاشك أن العنصر المتحرك هو الأكثر إثارة للإهتمام بالدراسة، إنه عنصر من بين العناصر الثلاثة التي تمتد إليها المناورة لأبعد مدى، وهو العنصر الذي تستخدمه في أغلب الأحيان، وهو أيضا الأكثر أصالة، وهو مخصص للإستكشاف، وجمع المعلومات الإستخبارية، بالإضافة إلى المطاردة البعيدة، والهجوم المفاجئ، وفقا لأساليب الخصم، لذلك يمكننا التخمين، بأن يتَكوَّن من الأهالي حصريًّا.

ويتصوَّر أنهم سيتعرضون لأولى الصدمات، وأكبر أخطار الدفاع المتحرك.

لكن لتكون أهليا خالصا، يجب أن تكون شديد التنوع مع ذلك، لقد رأينا أن تربة الحدود تتميز باختلافات مميزة حقا: هنا رملية، وهناك صلبة، وفي أماكن أخرى جبلية، ومع ذلك فإن سلاح الفرسان وحده يقوم بكل شيء. كان موزعا بالتساوي، ولكن في الكثبان الرملية رغم تباعد نقط الماء، ستكون فائدة الأحصنة متواضعة في الكتل الصخرية لذلك تقرر، تنويع أدوات الحركة بحكمة.

في المناطق الصحراوية، كان على الجَمَل أن يتفوق على الحصان، وفي الصخور، كان من الضروري أن يكون جندي المشاة الرشيق والمتخصص، أسرع من الفارس.

وهكذا يتكون العنصر المتحرك من:

سرايا صحراوية، بعضها يمتطي الميهاري، والبعض الآخر على الخيول، وأسراب من الصبايحية، وتمثل الأخيرة والأولى القوات النظامية؛ مجموعات من سلاح الفرسان والمشاة غير النظاميين تسمى مخزن، والمحدد اختصاصه تحديدا في خدمة الرؤساء، والإستطلاع، والبريد، أما المشاة النظاميين، وخاصة التي تسمىgroupes francs مجموعة فرنك -هؤلاء الأخيرين، والمخازنية المشاة، متخصصون في العمل بمصلحة الجبال.

ليس هناك جديد يذكر عن الصّْبَايْحية، فقط نلاحظ تأثرهم الشديد بالطابع الأوربي، إن معارضة هذه السمة هي ما يُشكل الإستياء والقوة الملحوظَيْن للعناصر الأخرى: الصحراويون، والمخزن (سلاح الفرسان) ومجموعة فرنك (المشاة).

لنبدأ بالحديث عن سلاح الفرسان، الذي يتفوق بكثير في العنصر المتحرك، لا ينبغي الخلط بين هؤلاء الفرسان الأهالي والكوم، الفرسان المنشقون يستدعون من قبل القبائل في ظروف معينة، وهم تكملة محلية متواضعة لمهمة جادة، لأنهم يفتقرون إلى الإنضباط والقيادة.

على النقيض من ذلك، يُثبت الصحراويون والمخزن، مع ضباطهم وكوادرهم الداخلية، ويؤكدون، بأنهم كقوات مُسيطر عليها جيدا، وفي المقابل، يحافظون على عادات تحمل الأهليين.

بالنسبة لهم، لا ثكنات ولا خيام منتظمة، لا زيا عسكريا، لا معدات، لا نقط تموين معقدة، ما يطالبونه من أوروبا سوى البنادق والذخيرة والراتب، باختصار يكفي القول بأنهم يعيشون كجنود القوزاق، عندما يمتطون جيادهم، يحملون معهم مؤونة أساسية، تكفيهم لستة أيام، لذلك لا تأتي أي قافلة لتثقل مسيرتهم، يمكن وضعهم على الطريق في أي لحظة.

“الاحتجاج دائما” هو شعارهم، يقع حادث، ويعطى إنذار، ويتخذ قرار بالمطاردة! بعد ساعة، كل الرحل الأعداء، تمَّ إسكاتهم من قبل كلُونِنا، ودفعهم بعيدا.

ها هم الآن في العمل، “نَكِير” مركز في الجنوب، بعث برقية تفيد بأن فرقة لبوعمامة، عائدة من غارة حوالي تمبوكتو.

وهي في طريق العودة هذه، محملة بغنائم، لا يعرف لها مسار، تم التخطيط لاتجاه واحد، وهو اتجاه الشمال.

تلقى مركز في هذه المنطقة على الفور، هذه البيانات والأوامر الغامضة، وأنشأ طابورا تتكون عناصره المتحركة من مائة اصبايحي ومخزني، هؤلاء الأخيرون يتولون زمام المبادرة من مسافة بعيدة، ويبقى الصبايحيون على الأجنحة، ليضمنوا الاتصال بعناصر الدعم.

كان من المهم على الفور اكتشاف العدو، وقطع الآثار المختلفة العابرة في السهب، والبحث عن نقط الماء، وذلك لتحديد مسار، ومراحل الأيام التالية، لصالح عناصر الدعم.

في اليوم الأول قطع المخازنية والصبايحية 60 كلم وفي اليوم الثاني قطعوا نفس المسافة، وفي الثالث 95 بسبب نذرة المياه، وأخيرا في اليوم الرابع، أشارت إحدى عربات الفرسان إلى ثلاثة أعمدة دقيقة من الدخان في الأفق، بعد أن تجمع الفرسان، توجهوا في ذلك الاتجاه متسللين خلف تلال وادي نيسلي.

كان العدو على وشك الوصول إلى قاع الوادي، ودخول الجبال، وبالتالي الفرار، كان عليهم التحرك دون اتتظار عناصر الدعم، تحصن الفرسان، وترجلوا، وأطلقوا النار فجأة على جنود بوعمامة، من مسافة 400 متر، ثم عادوا لركوب خيولهم على الفور، وهاجموا محولين المفاجأة إلى هزيمة ساحقة، بعد أن قطعوا 200 كلم خلال الأيام الثلاثة السابقة.

في أقصى الجنوب، قبل بضعة أسابيع، جاءت عصابة واختطفت لنا قطيعا من الإبل السارحة في المرعى من خطوطنا، لم نعرف بالإختطاف إلا بعد 36 ساعة، في حين كان الخاطفون قد ابتعدوا بحوالي 80كلم.

أرسل الصحراويون والصبايحيون -وفي غضون ثمان وأربعين ساعة- بعدما قطعوا مسافة 250 كلم، اضطروا إلى إيقاف المطاردة، لأنها كانت تقود مباشرة إلى تافلالت، التي منعت التعليمات الرسمية الوصول إليها.

بعد اليوم الأول من هذه الرحلة، ضابط أهلي صحراوي ما يزال نشيطا -يسير على قدميه وحيدا ليلا- استطلع حوالي 25 كلم.

مجموعة فرنك، مشاة العنصر المتحرك، لا يقِلُّون بأي حال من الأحوال عن فرسانهم، في حين أن الرماة الجزائريون طلبوا منا متطوعين، تم اختيار الأجود والأكثر احتمالا، والأمهَر رمْيا، تركوا زيهم الجميل، والجوارب الجذابة التي تعانق الكاحل، والشاشية التي كانت علامة جرأتهم. رغم حبهم لكل هذا الذي أغوى النساء المحجبات، ولكن قبل كل شيء، أحبوا حياة الترحال ومغامراتها، ولأجل معشوقتهم العزيزة، ارتدوا البرانس ذات القلانس، وبعض السراويل العربية، والنعال والعمامة، وكل ما يناسبهم من عاداتهم الأصيلة، وكل ما يسمح لهم غريزيا بأن يكونوا مرحين، وهكذا تحولوا ليشكلوا، “مجموعة فرنك”.

لم يحتفظوا من معداتهم العسكرية بشيء، ما عدا البندقية، وأحزمة الذخيرة، وقارورة الماء، وبطانية، يحملونها ملفوفة ومثبتة في قلنسواتهم، يخبئون فيها الدقيق، والسميد، والقهوة والسكر، ويستعدون للإنطلاق إلى الجبال، أو الكثبان الرملية، لستة أو سبعة أيام، من دون تموين، على الطريق، شتاء وصيفا، تسمى خيمتهم “البرنس” والتي يستخدم ركن منها لعجن الدقيق لصنع الخبز، المسطح البسيط، الذي سيشكل أساس غذائهم.

يعيش الضباط الأهالي الذين يتم اختيارهم أيضا على نفس المنوال، الضابط هو الأوروبي الوحيد في هذه الفرقة، يسمح له ببغلين يواكبانه، أحدهما يحمل مؤنه ومعسكره، وربما يكون مخصصا للجرحى، أو العرج، والآخر للركوب، وأخيرا تستكمل مجموعة الفرنك بمخزنيين راكبين حصانين، يعملان كمستطلعيْن أو سُعَاة.

وهكذا ينجز هذا الفيلق حملات استثنائية، تعتبر شائعة في الجنوب.

يبلغ متوسط المسافة التي قطعتها هذه الفرقة من المشاة 50 كلم يوميا، أثناء بحثي هنا، قتل رسول في مكان قريب، انطلقت مجموعة من جنود الفرنك في مطاردة القتلة التي استمرت سبعة أيام، وهذا هو جدول مسيراتهم:

اليوم الأول 45 كلم، الثاني 50 كلم، الثالث 49 كلم، الرابع42 كلم، الخامس 55 كلم، السادس 40 كلم، السابع41 كلم، ما مجموعه 327 كلم، والتي تمثل مع الدوريات 350 كلم على الأقل.

لكن هذا ليس قياسيا، منذ بعض الوقت، كلف كولون إحدى مجموعة فرنك، بالتعرف على بئر ماء، حيث كان من المقرر أن تعسكر به في اليوم التالي، بعد مغادرتها عند الظهر، وصله مشاتها النشطون في الساعة 8.00 صباحا (45) كلم، ولأن نوعية الماء لم تكن جيدة، أحد المخزنيين حمل للكولون لجام بال ناصحا إياه باتخاذ اتجاه آخر، فانطلقت مجموعة الفرنك فورا إلى النقطة الجديدة المتفق عليها، ولما لاحظوا وفرة المياه، هناك “40” كلم أخذوا استراحة قصيرة، ثم توجهوا للبئر حيث كان الكولون سيتوقف في اليوم التالي(38) كلم قطعوا مسافة 123 كلم في ثلثين ساعة دون أن يروا شيئا.

علاوة على ذلك واصل الكولون طريقه في اليوم التالي انطلقت مجموعة فرنك بنشاط.

الإنجاز كبير، ومع ذلك فإن رقمه القياسي هو التالي:

سجل في نونبر لمجموعة فرنك التي رافقت الصحراويين والصبايحيين، في جزء من عملية المطاردة، التي ذكرتها سابقا، والتي توقفت عند مدخل تافلالت، وبينما قطع الفرسان 250كلم، قطعت مجموعة فرنك 166 كلم خلال نفس 48 ساعة، بفضل خفة حركتهم، وقدرتهم الفائقة، على التحمل، فصاروا بذلك يشكلون إلى جانب فرسان العنصر المتحرك، قوة فرسان ثانوية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Felix Dubois

Choses et Gens de la Frontiere Marocaine

Felix Dubois

Pp 56 -53

3/1907في نشرة إفريقيا الفرنسية.

اقرأ أيضا: أشياءُ وأُناسٌ على الحدود المغربية.. بني ونيف يناير 1907 (3/1)

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
8°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة