أصول الهدى من القرآن الكريم ونموذج التحريف العلماني لطبيعة الأسرة
هوية بريس – أحمد الشقيري الديني
الهداية في اللغة : تعني الدلالة والإرشاد.
الهداية في الاصطلاح : هي سلوك الطريق الذي يوصل الإنسان إلى غايته، وهي اتباع شرع الله. وسمي اتباع شرع الله هداية ؛ لأنه يرشد الإنسان إلى الحق، ويبصره به، فيميز بين الخير والشر.
وترجع هداية القرآن للناس إلى أصول أربعة:
أولها: هداية الإنسان إلى حقيقة البداية أو حقيقة أصله:
ـ فأصل خلقه من تراب،
ـ وأصل عنصره التكريم بالعقل والمعرفة، فقد أسجد الله لأبيه آدم ملائكة قدسه تكريما وتشريفا، وسخر له ما في السماوات والأرض جميعا منه سبحانه،
ـ وهدايته لأصل شقائه وصراعه مع عدوه وهو إبليس وذريته (إنه لكم عدو فاتخذوه عدوا).
فالقرآن الكريم يهدي الإنسان لأصل خلقته، وأصل عنصره، وأصل الصراع الذي سيكابده في مسيرة الاستخلاف، ببيان شاف ومسار واضح.
الأصل الثاني: هداية الإنسان إلى حقيقة النهاية، فهو كادح إلى ربه كدحا فملاقيه (وإن إلى ربك المنتهى)، تبدأ قصة نهايته بالموت ثم البعث ليحاسب ويجازى، فيستقر به المقام في دار الكرامة التي أخرج منها إبليس أباه آدم بعدما أغواه، أو يستقر في دار المهانة والعذاب الأليم مع إبليس وجنوده..
الأصل الثالث: هداية الإنسان إلى المهام المنوطة به في هذه الحياة الدنيا، وهي:
ـ أولا مهمة الاستخلاف (إني جاعل في الأرض خليفة) فهو مكلف بعمارة الأرض وإقامة العدل.
ـ ثانيا:مهمة العبادة (وما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون). فقد ميزه الله بعبودية الاختيار، بمعنى أنه يعبد ربه مختارا غير مكره (وهديناه النجدين).
الأصل الرابع: هداية الإنسان إلى المنهج الذي إن هو اقتفاه فحري به أن يحقق مقصد الاستخلاف وغاية العبودية.
وهذه الهداية هي التي من أجلها أرسل الله رسله وأنزل كتبه، كما قال سبحانه مخاطبا الثقلين؛ الجن والإنس: ( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ).
فإذا عرف الإنسان أصله ومنتهاه، واهتدى بالمنهج الذي دعت إليه الرسل، سعد سعادة لا شقاء بعدها..
ـ أما أن يضل عن أصله فيعتقد أنه إحدى سلالة القرود التي تطورت عبر مراحل لتعطينا هذا المخلوق، فإنه يتيه بين مرجعيات وفلسفات تدور جميعها حول إشباع شهواته البهيمية..!
ـ وإن ضل عن حقيقة نهايته، لاحساب ولا عقاب، فإنه يظلم ولابد، وظلمه يسري على سائر المخلوقات التي تناولتها يده، فيفسد في الأرض بتلويث الطبيعة، وبالاعتداء على بني جنسه من الضعفاء، فيضيع أمانة الاستخلاف.
ـ والأخطر من هذا أن يضل عن المنهج الذي جعله له خالقه بيانا شافيا ومسارا موصلا للغاية التي من أجلها خلقه وكرمه..فيستبدل هذا المنهج السديد و الصراط المستقيم بأفكار ونظريات تخالف المنهج الرباني فيشقى ويتعب ويضل ويظلم..!
ومن هنا تكمن خطورة الانحراف العلماني في مسألة الأسرة ولنا أن نتلمس أنواع الاختلالات التي تشكل خطرا على الأسرة والمجتمع إذا طالت يد التحريف مدونة الأسرة، فهذه النواة اهتمت بها الشريعة الإسلامية غاية الاهتمام، بينما تعيش البشرية اليوم سياقا مدمرا للأسرة، وهو نتاج انحراف عن حقيقة البداية والنهاية والمنهج على الصورة التي أشرنا إليها في هذا المقال، وهو انحراف يراد فرضه على الدول الإسلامية في مشروع تفكيك غايته إضعاف مناعة هذه المجتمعات التي استعصت عن الاحتواء الذي يجعلها لقمة سائغة في فم الدول الكبرى تسرق ثرواتها وتنتهك حقوقها..!
نعم مجتمعاتنا تم اختراقها بتيارات علمانية بعضها يعادي الدين وبعضها لا يرى للدين مكانا إلا بين جدران المسجد، لكن اختراق نواة المجتمع وهي الأسرة لازال مستعصيا لأسباب قد نعود إليها في مقال مقبل بحول الله وقوته..
لكن حسبنا هنا أن نثير انتباه المسؤولين أن زعزعة الأسرة من شأنه أن يهدد الاستقرار الذي يشكل أحد مميزات المغرب الذي يسير بخطى ثابتة في طريق التحديث والتطور دون المساس بأركان الاستقرار والأمن ممثلة في الدين والملكية والاعتراف بالتعددية السياسية واللغوية والعرقية..