أطفالنا.. ومواجهة عالم مجنون مرعب
هوية بريس – ذة. وصال تقة
ما أجمل تلك الإشراقة في عين طفل وهو يتابع في شغف نهاية حكاية ما قبل النوم، وما أعذب بسمته وهو يتلقى خبر إنقاذ الأمير الوسيم؛ الأميرةَ من الموت وقد سممتها زوجة أبيها الشريرة، أو بنجاة الخرفان من ذئب مكار جعل من مغيب أمهم فرصته لملء بطنه الجائعة، أو لانتفاض الصياد لإنقاذ ليلى ذات الرداء الأحمر من براثن الذئب الذي أوهمها أنه جدتها. وما أتعسه وهو تتملكه الحيرة والدهشة والهلع وهو يرى السنن التي اعتادها في الحكايا قد انتقضت، ولم يتغلب الخير على الشر، ولم تنته الحكاية بما يملأ الفؤاد الصغير سعادة وأمانا، في واقع دمرته الحروب، وصارت عملته العنف والشر والقبح والدماء والأشلاء.
ترانا باستطاعتنا أن نموه ونراوغ ونحلل له الأحداث وفق ما يشعره بالراحة والطمأنينة، وبنهاية سعيدة كنهاية الخرفان الستة الذين ابتلعهم الذئب في غياب أمهم، ثم عند عودتها استطاعت القضاء على الشر بضربة قرن واستعادة أطفالها من بطنه؟ أو أن نخبره بأن الوحش المخيف الذي قتل الأبرياء بدم بارد يثلجه الحقد والكراهية والضغينة هو على الحقيقة أمير مسحور سرعان ما سيسترجع جماله ووسامته بضربة حظ من قلب جميلة رقيقة امتزجت في قلبها معاني الشفقة بالحب لتكون مشاعرها تلك خلاصه من البشاعة والقبح والشر؟
لم يعودوا في مأمن من الاطلاع على أحداث العنف والقتل والإرهاب، ولم نعد في حل من الحديث والشرح والرد على تساؤلاتهم الحائرة، فمواقع التواصل ونشرات الأخبار والحديث بين الأصدقاء كفيلة بنشر الوقائع بتفاصيلها، بل صاروا هم ذاتهم رشقا مستهدفا لعمليات الإجرام. يستيقظون على فاجعة هنا، ويبيتون على فاجعة هناك، ولربما كانوا شهود العيان والضحايا والحَكم.
نحاول جاهدين منع أعينهم الصغيرة من مشاهدة الدماء والأشلاء، ونحرص عليهم كل الحرص كي يعيشوا طفولة سعيدة آمنة مطوقة بورود وأحلام، لكن الواقع أقوى من أمنياتنا لهم في عيش السعداء. وحجبهم عن الشر صار من المستحيلات، مادام قد أصبح يمارس بآلة العنف والطغيان، وداخل البيوت، وفي المدارس والشوارع، وما عاد الحديث عنه من الأسرار.
ماذا عن أسئلتهم التي تترجم تخوفاتهم وعدم أمانهم في هذا العالم المجنون المضطرب؟ كيف علينا –آباء وأمهات ومربين- أن نتعامل مع أسئلتهم عن العنف وعن الموت وعن الإرهاب؟ هل يسعنا التمويه، أم لابد من قول الحقيقة؟
إن أهم شيء في أسئلة الأطفال أنها، إلى جانب كونها تبحث عن تحقيق رغبتهم في المعرفة، فهي وسيلتهم للثقة فيمن حولهم واكتساب الثقة منهم، فالسؤال وسيلة تواصل، ومناسبة جيدة للتقارب مع المربي. فإن كانت موجهة لفهم بعض القضايا الوجودية، فالواجب التعامل معها بحرص شديد باعتبارأنها مترجم مشاعرهم المتقلبة، وحزنهم الحقيقي، وبحثهم عن شفاء لما يجدونه، وعن الأمان. ولا وسيلة للوصول إلى ذلك إلا بالأجوبة الشافية، والردود الكافية التي تؤمنهم وتجعلهم يستردون عافيتهم والثقة في العالم حولهم، وتمدهم بالوسائل التي تمكنهم من فهم الحياة.
فكيف نرد على أسئلتهم المباشرة المحبة للاستطلاع بشكل يشبع نهمهم المعرفي دون الزج بهم في الخوف وفقدان الأمان؟
الطفل والسؤال عما يقع من حروب وإرهاب
لعل أول ما يجب التنبيه عليه، أن الرد على أسئلة الطفل عن هذه الموضوعات لا يبيح لنا تركه يشاهد الأخبار والمقاطع المصورة للقتل والإبادة والعنف، لما لذلك من تأثير على نفسيته. وإنما المسموح به؛ السؤال، والواجب؛ الرد من غير ألغاز، وبشكل واضح يشرح الموقف في عمومياته دون دخول في الجزئيات. مع الحرص على التأكيد على الطفل ألا يطلق سمعه لكل ما يقال وما يشرح في هذا النطاق، لأن الكثير مما يشاع خاطئ مبالغ فيه.
تكييف الخطاب مع سن الطفل مهم جدا، فالخطاب الموجه للطفل ذي العشر سنوات ليس هو نفسه الذي يجب أن يوجه لذي الأربع.
كبداية، يفترض أن يطرح المربي أسئلته لمعرفة إحساس الطفل بالضبط، ومساعدته على التعبير عما يخيفه أو ما يقلقه، وما يخزنه من معلومات على الموضوع، قد يكون التقطها من التلفاز أو من مواقع التواصل، أو من خلال حديث الأسرة، أو من أصدقائه بالمدرسة. واجبه حينها أن يكمل غير المكتمل منها، وأن يصحح الخاطئ أو الشائع، وأن يشرح ما قد يكون الطفل قد فهمه بالخطأ. تسفيه خوف الطفل والاستهتار به قد يولد لديه مزيد خوف وعدم شعور بالأمان، ومشاركته هلعه والاعتراف له بأن خوفه طبيعي مشروع؛ يجعله أكثر إحساسا بأنه في مبعد عن الخطر؛ باعتبار وجود والديه بالقرب يستمعان ويشرحان ويطمئنان.
تحديثه عن أن هذه الحياة مبنية على تزاحم الخير والشر، فهناك الطيبون وهناك أيضا الأشرار، وبأن أفعال الأشرار أحيانا غير مفهومة.
توجيه اهتمامه إلى الحديث عن جوانب اللطف الإلهي التي صاحبت الجريمة تعينه على فهم سنن الحياة : التدخل السريع مثلا للمنقذين، وتكافل الناس بينهم لأجل إنقاذ ومواساة الضحايا، والشجاعة والإقدام لبعض من كانوا حاضرين وقت الحدث وغيرها من التفاصيل التي توجه عقله الصغير نحو فهم الأمور من خلال منظار الأمل؛ تلعب دورا كبيرا في تحويل إحساسه من الخوف إلى الشعور بالأمان. كما أن العروج على الحديث عن القضاء والقدر بشكل مبسط يجعله يفهم طبيعة هذه الحياة.
الطفل والسؤال عن الموت
الحديث مع طفل عن الموت من بين أصعب ما يتحدث عنه، خاصة إن كان نتيجة واقع فقد فيه الطفل عزيزا. إن كان الأمر يصعب علينا نحن الكبارويشق علينا تفسيره واستيعابه، فكيف بطفل بالكاد يتفتح على الحياة في دهشة وذعر؟
هل يفترض أن نخفي عنه الحقائق وأن نزيفها بتشبيه الموت مثلا بالسفر أو النوم كما يفعل البعض ظنا منهم بذلك بأنهم يحمون الطفل من أوجاع الحياة ومن تلبس سنواته الصغيرة بالألم؟
هل الحل في التمويه أم في المواجهة؟
أليس هذا الطفل الذي شبه له الموت بالنوم؛ معرضا لنوبات هلع وخوف كلما جن الليل واقتربت ساعة نومه خوفا من ألا يستيقظ مثلما حصل للميت؟ أليس معرضا لانتظار ما لايأتي في حالة شوق لا متناه يشتعل بالذكرى وتذكيه رؤية الصور والمناسبات؟
صحيح أننا لا نستطيع دائما أن نرد على كل تساؤلاتهم لأننا في الغالب نفاجأ بها ونكون غير مستعدين قبلا لمواجهتها، فنرجئ الرد بتصبير ذكي إلى أن نمتلك ما يقنعهم ويهدئ ثورة استفساراتهم، لكن لا مجال للتمويه أوالتزييف والردود الكاذبة.
هو يحتاج ردا منطقيا وواضحا يستوعبه ذهنه الصغير، وهذا يضطرنا إلى أن نكون واضحين أولا مع أنفسنا ومن ثم معه. فهل الوضوح يعني أنه علينا أن نقوم بمحاضرة لهم عن جدلية الحياة والموت؟
ليس بالتمويه والتزييف، ولا بالمحاضرات نستطيع فعل ذلك، وإنما بحوارات تماشي عقولهم وتعلمهم التفكير والتأمل . وهكذا، بعبارات واضحة بسيطة، نتمكن من مجابهة الأمر:
“الموت كما الحياة، شيء طبيعي . ”
“خلقنا الله وجعل لنا موعدا للموت لا نعلمه بالضبط، لكن كل الخلائق هكذا تحيا وتموت بأمر من ربها.”
ثم نترك له حرية السؤال بعدها، مؤكدين على أن الموت لا يختار الكبير دون الصغير، وليس له ارتباط بالخيرية أوالشر في الميت.
ماذا بعد الشرح؟
بالموازاة مع الشرح والتوضيح وإشباع نهمه المعرفي؛ يحتاج إلى الدعم والمواساة والقرب الوجداني .
أن نتشارك الحزن، أفضل من أن نتفرق كل في عالمه يواجه وحده وجعه. الاحتواء والتعبيرعن الحب والمساندة ودفعه في رفق إلى أن يعبر عما يخالجه دون تسفيه لمشاعره أو أن نفرض عليه أن يتجاوزها بكتمانها؛ أهم مرحلة بعد الشرح.
دعوا عنكم كل هذا الكلام النظري جانبا، فلرب واقع أبلغ من ألف مقال، واهرعوا إلى أم فلسطينية تعلمكم كيف جعلت طفلها لا يهاب الموت، ويفهم فهم الفلاسفة الحكماء معادلات الخير والشر ومعاني الإرهاب، ويجابه باليقين وبالحجارة جنون عدوه وآلته المرعبة.
الأستاذة وصال مشكورة على طرح هذا الموضوع المهم والحساس في آن واحد .
تختلف أساليب التربية للاطفال فنجد كل مربية او مفكر او معلم يحاول
معالجة هذا الأمر ما استطاع ولربما استجمع نظريات وأساليب تختلف مشاربها و غاياتها وآلياتها وقد تكتسي تلك النظريات طابع الصحة من جهة وقد تخطئ من جهة واحدة او من جهات أو تكون تلك النظرية التربوية أو الأسلوب لا يمكن تطبيقه في مجتمع ما او لا يمكن تصور تنزيله أصالة …..
ونحن كمسلمين لنا الحل المثالي والتصور السليم و معان عليه بإذن رب العالمين وهو تعليم وتطبيق سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع الأطفال واتباع سنته في تربيتهم كما قال سعد ابن وقاص رضي الله عنه لأبناءه وهو يحكي لهم غزواته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذه مآثر آباءكم فلا تضيعوا ذكرها*
ونحن كم ضيعنا من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لا تعلما ولا تطبيقا ولا تعليما فجنينا عاجل تخلفنا عن الهدى والنور نسأل الله الهداية للقدوات والمعلمين والمعلمات والمربين والمربيات ان يتأسوا بالجيل الاول الذي صحب إمام المرسلين رجالا ونساء وأطفالا فسادوا وقادوا وأصلحوا *والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا* *أو الكذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى إئتنا ألا إن هدى الله هو الهدى*
ادعوا الأستاذ إبراهيم الطالب وكل غيور على تربية الأبناء بإتخاف معاشر القراء والمربين والمربيات على الخصوص بمقالات تستقي من هدي النبوة المعصوم ومنهج الصحابة الكرام أساليب التربية والتعليم وكيفية تنزيلها في مجتمعنا المسلم المغربي الشريف .
والدلالة على الكتب والمرئيات النافعة والما لما إقامة دورات تكوينية تعنى بهذه المسؤولية العظمى التي لايعذر أحد في التفريط فيها نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة.