أعضاء مركز تكوين.. تشريح معرفي (3)
هوية بريس- محمد زاوي
3-إسلام بحيري
يفكر إسلام بحيري، “الباحث” المصري المحكوم سابقا بتهمة ازدراء الأديان، داخل ثلاث دوائر فكرية، تلك هي غاياته التي أصبحت تمارس عليه نوعا من الوهم في مجتمع لا يقبلها؛ هذه الدوائر هي: الاكتفاء بالقرآن حجة، تجديد هندسة القرآن، قابلية السنة للنقاش.
صحيح أن إسلامي بحيري ينطلق من مقولة “القرآن مرجعنا الأساسي في الإسلام” (حوار له في برنامج “رأي عام”/ قناة “TEN”)، إلا أنه سرعان ما يدعو إلى تجديد فهمه بتوجيه نقد إيديولوجي شعوري/ نفساني، لا علمي في أغلب الأحيان، لعلومه (“الناسخ والمنسوخ” مثلا، يعتبره بحيري قد “ألغى آيات التسامح في القرآن الكريم، وأطلق آيات الجهاد للزمن”)، وكذا لبعض مضامينه في القصص أو أشراط الساعة أو غيرها في محاولة منه للتشكيك في التفاسير المتواترة، ولنقل في الرواية القرآنية، دون بحث منه عن تفسير أو إيجاد تاريخي لما ورد في القرآن الكريم. إنه بذلك يعيد إنتاج أطروحة محمد أحمد خلف الله في كتابه “الفن القصصي في القرآن الكريم”.
أما علائق السنة بالقرآن، مفسرة أو شارحة أو مخصصة أو مقيدة أو مبينة أو مستقلة بالتشريع؛ فلا يقف عندها بحيري ولا يرى لها حجية كالتي للقرآن، وذلك لأنهما جمعا في نظره بطريقتين مختلفتين “الفرق بينهما كالفرق بين السماوات والأرض”، على حد تعبيره في الحوار الذي أشرنا إليه سابقا. ولا ندري هل يجيز هذا الفرق الشاسع الذي يتحدث عنه بحيري اصطناع تناقض بين القرآن والسنة؟ كما لا ندري كيف أجاز له “منطقه العلمي” التمييز بين عمليتين لجمع نصوص التراث وتوثيقها في ظل اختلافات متعلقة بزمن الجمع ونوعه، ما اقتضى اختلاف المنهجين (العملية التي جمع بها عثمان (ض) المصحف تختلف عن العملية التي جمع بها البخاري الحديث/ فما جمع من الصحائف والمحفوظ ليس كالذي جمع من أفواه الرجال، ولكل جمع منهج ودرجة صحة)؟
يدعو بحيري أيضا إلى تنقيح السنة بالمتن وليس السند، وهذه عملية قديمة مارسها المحدثون أنفسهم. وإذا كان بحيري سيمارسها كما فعل مع حديث “ناقصات عقل دين”، فإنه سيفسد فيها أكثر مما سيصلح. فإذا كان قد فهم من الحديث عنصرية جنسية وتمييزا ضد النساء، ما يتعارض مع غايات القرآن في نظره، فقد أخطأ الفهم وأخطأ النظر وأخطأ الحكم على متن الحديث، وأخطأ إيجاد أصل له في القرآن. عاطفية المرأة وخصوصيتها لا تنفي عنها إنسانية، ولا تعني عنصرية في الموقف منها، فعن أي تنقيح بالمتن يتحدث بحيري في هذا الحديث؟! هذا نموذج ضمن نماذج، تثبت أن التنقيح بالمتن عملية معرفية شاقة وتطلب منهجا مركبا، وليست عملية نفسانية شعورية إيديولوجية يخضع بها الناقد حديث النبي للأهواء (ومن الأهواء ما كان بأقنعة ومداخل معرفية تثير الالتباس)، ودون اعتبار الطرق النقل على أهميتها!
(يتبع)