أفول الغرب”.. هل استحالت “الأنوار” شذوذا؟
هوية بريس- محمد زاوي
“أفول الغرب”؛ بهذا العنوان عنون حسن أوريد أحد مؤلفاته، حيث سلط الضوء على “الظلام” الذي يتخبط فيه الغرب في جو كثيف من ادعاء “الأنوار”، وحيث أبرز أهم تجليات هذا التخبط: الملكية الاستغلالية والرأسمال المالي، فوضى الجنس، العِلموية، عولمة الإعلام، تحكم الرأسمال في الديمقراطية، إلخ.
الذين ينظرون إلى الغرب نظرة ثبات عليهم مراجعة مواقفهم، فغرب “الأنوار” غير غرب “الشذوذ”، غرب روسو ليس غرب دريدا، غرب فولتير ليس غرب كافكا؛ وقس على هذا مقارانات أخرى بين فترتين، فترة صعود الغرب وفترة أفوله.
انتقلت الليبرالية، كما يقول عبد الله العروي، من ليبرالية ذات أهداف وغايات واضحة في الاقتصاد والسياسة والثقافة (كليبرالية روسو)، إلى أخرى فوضوية مبعثرة الغايات والأهداف (كليبرالية ستيوارت ميل)، وربما أصبحت اليوم أكثر فوضوية وسيولة؛ إلا أن بعض دعاة الحداثوية العرب يخلطون، فيؤاخون بين روسو وميل رغم أنف التاريخ.
انتبهت مدرسة فرانكفورت إلى أزمة الغرب وانحرافه عن “غايات الأنوار”، منذ ثلاثينات القرن الماضي. وسارع عبد الوهاب المسيري، أحد أبرز تلامذتها العرب، إلى ممارسة نفس النقد بنَفَس جديد يمتح من خصوصيته الإسلامية.
تعفّن النظام الاجتماعي الغربي، دخل زمن الاحتضار، ولم يعد يعيش إلا بالخباثات واقتصاد العنف والمخدرات والدعارة (كالضباع تعيش على الجيف). الشذوذ إذن صناعة واقتصاد، استثمار في “الشذوذ عن الوجود الطبيعي” (بتعبير سيد قطب، ولو أن الأخير يوظف العبارة إيديولوجيا) واستهداف للأسر بغرض “تقليل الأفواه”.
لم يعد الاستثمار الرأسمالي الغربي يقتصر على الزراعة والصناعة والعقار والخدمات، بل انتقل إلى الاستثمار في “الخباثة” (بتعبير علي شريعتي)، في نسف الفطرة والذاكرة، في جعل الإنسان نقيضا لذاته مغتربا ليس عن إنتاجه فحسب بل عن حقيقته المميزة بالكامل.
وبهذا انتقل الغرب من “فلسفة الأنوار” إلى “انحراف الشواذ”، بل من “الفلسفة” إلى “الشذوذ”. وليس بالضرورة أن يكون الشذوذ جنسيا، فقد يكون اقتصاديا إذا تعلق الأمر بالشذوذ عن “الملكية الطبيعية والإنتاج الطبيعي”، وقد يكون ثقافيا أو سياسيا أو اجتماعيا كلما خدم مصالح الإمبريالية الجديدة.