أقرب طريق لدحر العلمانية وأخواتها

أقرب طريق لدحر العلمانية وأخواتها
هوية بريس – إسماعيل المرغادي
الحمد لله العليم الخبير والصلاة والسلام على البشير النذير صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ذوي الفضل الكبير.
وبعد فإن ما عرفه بلدنا بأخرة من نقاش حول مدونة الأسرة وسعي إلى إزالة أحكام مجمع عليها، وما يلحظه المسلم النبيه من تغييرات في مختلف المجالات، وما يسمعه أو يقرأه من خطابات التحريف والتبديل التي تريد زعزعة الهوية الإسلامية للمغاربة وإضعاف مظاهر التدين وتغييب ما تبقى من أحكام الشرع الحنيف التي فيها الهدى والنور والعدل والرحمة، لَيُبين سطوة العلمانيين ونفوذهم بما يتقوون به من وسائل مادية وقوى شريرة مجهولة العين معلومة الحال والمآرب. هذه القوى التي تقف خلفهم تؤزهم ليعيثوا في أرض البلد وسمائه فسادا، وتمدهم بالعدد والمدد إمدادا، وتؤمّنهم مما يخافون من عواقب أو عقوبات على تجرئهم على أصول الدين وثوابت البلد.
وإن ردود الغيورين والمصلحين عليهم بالاجتهاد في بيان مكائدهم وفضح مساعيهم وبالتحذير من بعض رموزهم ومشاهير سفهائهم لا شك أن لها نفعا في الذود عن حياض الشرع وحمايتها، وذلك عمل مطلوب وأهله مشكورون مأجورون إن شاء الله. لكن مع ذلك فهذه الردود لا تكفي أمام جيشهم الجرار ومكرهم الكبار.
وقد أخبر ربنا عز وجل ووعد أن النصر لأوليائه والعاقبة في الدنيا وفي الآخرة للمؤمنين من عباده. وجعل لذلك النصر طريقا هي أفضل الطرق وأقربها، وهي التي سار عليها رسله وأتباعهم ونبه عليها الراسخون من أهل العلم، لكن غفل عنها اليوم جماهير الناس وحتى كثير من الدعاة، وربما احتقرها بعضهم واستنكفوا عن سلوكها ووصفوا من دعا إليها بالتخلف وقلة الفهم؛ وذلك بسبب استعجالهم النصر وانبهارهم بكثير من الوسائل المستحدثة هنا وهناك، والتي يظنونها هي الموصلة إلى ما يقصدونه؛ لِما حُلِّيت به من بهرج وتزيين، مع سعي أعداء الدين في الصد عن تلك الطريق الصحيحة وتزهيد الناس فيها.
إن الرد على كل ناعق والاجتهاد في بيان مكر أعداء الدين لا يكفي ولن يجدي نفعا كبيرا فاصلا، للأسباب التي سبق ذكرها، ولأن الحماس الذي نثيره في الناس بالصراخ فوق المنابر الخشبية أو من خلال المنابر الإلكترونية في وسائل التواصل ونحوها لا يلبث إلا قليلا حتى تنطفئ جذوته، لعدم قيام الأساس المتين الذي تثبت عليه البشارة والنذارة والتنبيه والتحذير، خاصة مع كثرة الفتن التي تنسي الإنسان المواعظ والدين والآخرة. نسأل الله السلامة والعافية.
وهذا الأساس هو تلك الطريق التي أشرنا إليها، وهي بناء التوحيد والعقيدة الصحيحة في القلوب بناء متينا. فعلى المسلمين عامة والدعاة خاصة أن يتوجهوا إلى ترسيخ التوحيد في قلوبهم وتعلمه واللهج به في كل وقت حتى يرسخ، ثم يعلموه لأولادهم وأقاربهم وجيرانهم وللناس عموما ويرسخوه في القلوب والأذهان. حتى إذا عرف الناس ربهم وعظموه وأجَلُّوه ولم يقدموا على أوامره وشرعه شيئا فحينئذ لن تزحزحهم المكائد مهما كبرت ولن تؤثر فيهم جيوش الباطل مهما عظمت. بل إن سهامها سترجع خاسرة ذليلة حقيرة.
أيها المسلمون إن التوحيد ليرفع الفرد من الأمة ويعظمه حتى يصير هو وحده أمة. وتأملوا التاريخ وسير الأنبياء والرجال المؤثرين من المسلمين تجدوا تصديق ذلك.
فالله الله في التوحيد ارجعوا إليه وداوموا على الاعتناء به وترسيخه في قلوبكم حتى تلقوا ربكم.
أخي المسلم لا تقل: التوحيد سهل وواضح والتوحيد معروف، وإنما كن دائما مجتهدا في ترسيخ التوحيد وتجديده في قلبك وكن على خوف من الشرك على اختلاف أنواعه، وكن محبا للتوحيد وأهله مبغضا للشرك وأهله، واحرص في كل وقت على تجديد التوحيد في قلبك. كثير من الناس يقولون: “لا إله إلا الله” لكنهم لا يعرفون معناها فضلا عن أن يعرفوا شروطها ومقتضياتها، بله أن تكون منهج حياة يعيشون عليها ويبنون عليها كل صغيرة وكبيرة من أعمالهم، ويطهرون هذه الأعمال من الشوائب والنواقض التي تعكر صفاء التوحيد، ليموتوا على هذه الكلمة ويلقوا ربهم بالتوحيد الخالص الذي تحصل معه النجاة.
وكثير من المسلمين لا زالوا يتطيرون ويستمعون للكهان ويصدقونهم وإن صاروا اليوم بأشكال وأسماء جديدة كالخبير والمتخصص وعلى وسائل التواصل، ويعلقون التمائم في البيوت والسيارات ، ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة، وغير ذلك من الأعمال المنافية لتحقيق التوحيد.
فكيف يقال إن التوحيد سهل وواضح وليس فيه إشكال؟
ولنا في إمام الموحدين إبراهيم الخليل عليه السلام أسوة حسنة؛ فإنه دعا ربه قائلا: (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام). يقول هذا وهو خليل الله تعالى، الذي وصفه ربه بأنه (كان حنيفا مسلما). يقول هذا وهو الذي كسر الأصنام بيده وألقي به في النار لأجل ذلك.
ولنا أيضا في رسولنا صلى الله عليه وسلم أعظم أسوة فقد قضى أكثر من عشر سنين من دعوته في مكة لا يأمر قومه إلا بالتوحيد، مع كونهم أهل اللغة وأهل الفهم والذكاء والفطنة والجد في الأمور. وقد ختم صلى الله عليه وسلم أيضا حياته بالحث على التوحيد والتحذير من الشرك وذرائعه فقال قبل موته عليه الصلاة والسلام بلحظات: “لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.” يحذر ما صنعوا.
ومما يدلك على خطر هذا الأمر، الذي هو عند كثير من الناس في زماننا أخف من شعرة، أن أكثر آيات القرآن العظيم جاءت في الأمر بالتوحيد وتقريره وتأكيده والترغيب فيه، والتحذير من الشرك والتنفير منه وضرب الأمثال والقصص وذكر الوعيد الشديد وتكرار ذلك مرارا رحمة بالعباد ولأجل نجاتهم. وتأمل سورة الأنعام مثلا يظهر لك ذلك إن شاء الله.
قال ابن رجب رحمه الله: “فإن كمُلَ توحيدُ العبد وإخلاصُه لله فيه، وقام بشروطه كلِّها بقلبه ولسانه وجوارحه، أو بقلبه ولسانه عندَ الموت، أوجبَ ذلك مغفرة ما سلف من الذُّنوب كلِّها، ومنعه من دخول النَّار بالكلية. فمن تحقَّق بكلمة التوحيد قَلبُه، أخرجت منه كلَّ ما سوى الله محبةً وتعظيمًا وإجلالًا ومهابةً، وخشيةً، ورجاءً وتوكُّلًا، وحينئذ تُحْرَقُ ذنوبه وخطاياه كلُّها ولو كانت مِثلَ زبد البحر، وربما قلبتها حسناتٍ، … فإن هذا التوحيدَ هو الإِكسيرُ الأعظمُ، فلو وضع ذرَّة منه على جبالِ الذُّنوب والخطايا، لقلبها حسناتٍ”.
وكما أن التوحيد تمحى به الذنوب ولا يكون لها أثر على العبد في الآخرة فإنه أيضا يمحو آثار الذنوب والمعاصي في الدنيا وينجي من عقوباتها وتحصل به العافية. وهل تسلَّط الأعداء وأفراخهم وعثوا في الأرض فسادا، وخربت الديار وقلت البركة وكثرت الأمراض وانتشرت الآفات والظلم وضعف الخير وقوي الشر إلا بسبب الذنوب والمعاصي؟
والمقصود أن تحقيق التوحيد والعبودية لله تعالى وحده هو أقرب طريق لمن أراد العزة والتمكين على العلمانيين وسائر أعداء الدين. قال ربنا عز وجل: (وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا).
اللهم أحينا موحدين وتوفنا موحدين وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب يوم الدين.



