أكادير.. تفويت المخيم الدولي وعبث المنتخبين بالمواقف
هوية بريس – سعيد الغماز
تفويت المخيم الدولي حرام على مجلس المالوكي حلال على مجلس أخنوش. لم أجد أفضل من هذا العنوان لوصف مصادقة الأغلبية المسيرة للمجلس الجماعي لأكادير على نقطة التفويت وللتعبير عن كيفية اتخاذ بعض المنتخبين للقرارات التي تهم الشأن المحلي لمدينة الانبعاث.لكن التصويت الذي قام به المجلس الجماعي يوم الثلاثاء بالمصادقة على تفويت المخيم الدولي يعني شيئا واحدا هو أن كل من عارضه خلال دورة يوليوز 2020 في عهد المجلس السابق كان خاطئا.
بعيدا عن تصريحات الأحزاب المشكلة للأغلبية في المجلس الجماعي، نقول إن تفويت المخيم الدولي قرار صائب اعتبارا لكونه ينصب في اتجاه التزام المجلس الجماعي بتوفير حصته المالية من مشروع التنمية الحضرية الذي سيعمل على ميلاد مدينة جديدة بمواصفات حداثية. إننا أمام الاختيار بين مشروعين اثنين: مشروع كبير اسمه التنمية الحضرية يهم مدينة بكاملها، ومشروع قائم يتعلق بالمخيم الدولي الذي يقع على بقعة أرضية أصبح لها موقعا استراتيجيا في خريطة تطور المدينة. إنه قرار ينبغي أن تُستعمَل فيه أدوات الحكامة الجيدة (La Bonne Gouvernance) والتدبير المتوازن (Gestion d’équilibre). وكل هذه الأدوات تسير في اتجاه إقرار تفويت المخيم الدولي من أجل إنجاح مخطط التنمية الحضرية. هذا الموقف عبَّرتُ عنه في عهد المجلس السابق وأؤكده بكل وضوح في عهد المجلس الحالي. فمثل هذه القرارات لا ينبغي أن تحكمها المواقف الحزبية الضيقة ويجب إبعادها عن صراعات الأحزاب…هذا إن كنا نؤمن حقيقة بمصلحة ومستقبل أكادير.
قرار تفويت المخيم الدولي من أجل إنقاذ مشروع كبير يخص تنمية مدينة أكادير هو عين الصواب، لسبب بسيط هو أنه يصب في مصلحة المدينة بغض النظر عمن يشكل الأغلبية، فمصلحة المدينة فوق الجميع. النقاش الحقيقي ليس في قرار التفويت وإنما في كيفية التفويت. هذه الكيفية ينبغي أن تتم في شفافية تامة لجني أكبر عائد من هذه الصفقة التي يسيل لها لعاب حيتان الزحف الاسمنتي. فالمنطق الذي ينبغي أن يحكم صفقة التفويت هو: أعلى عائد مقابل مشروع منسجم مع الموقع المتميز للمخيم.
دعونا الآن نسترجع الأسباب التي ارتكز عليها كل من عارض التفويت في عهد المجلس السابق وسانده في عهد المجلس الحالي. لكن قبل ذلك نشير إلى أن التناقض الغريب الذي وقعت فيه أغلبية المجلس الحالي، وفي محاولة منها لرفع الحرج أمام ساكنة المدينة التي أصبحت لا تعرف بأي منطق تفكر الأغلبية المسيرة، حاولت تبرير تناقضها بالقول إن مبلغ صفقة التفويت يجب أن يخصص لتهيئة الأحياء الناقصة التجهيز. بالله عليكم هل هذا مستوى لمخاطبة ساكنة مدينة الانبعاث؟
مشروع التنمية الحضرية مكتمل وتم الالتزام به أمام أنظار جلالة الملك مع إسناد الإنجاز لشركة التنمية المحلية. والجماعة الترابية مطالبة بتوفير حصتها المالية فقط. أما تهيئة الأحياء الناقصة التجهيز فعلى المجلس المسير أن يكون واضحا وصادقا على الأقل مع من انتخبوه.
لنعد للحديث عن الأسباب التي اعتمدتها الأغلبية الحالية لرفض تفويت المخيم الدولي في عهد المجلس السابق.
الفاعل المدني المعارض سابقا والموافق لاحقا على التفويت هو فاعل سياسي في جلباب مدني:
نبدأ بمجموعة من الفاعلين المدنيين الذين نظموا وقفة احتجاجية تزامنا مع انعقاد الدورة الاستثنائية ضد المجلس السابق في 14 يوليوز 2020 مطالبين رئيسه صالح المالوكي بالرحيل بسبب ما سموه “بيع الارث الثقافي والحضاري المتمثل في المخيم الدولي والمستودع الجماعي”. غيابهم في دورة 7 فبراير 2023 يعني أن هؤلاء كانوا يمثلون المجتمع السياسي ويقدمون أنفسهم على أساس أنهم مجتمعا مدنيا. لكن في هذا السياق يجب أن ننوه ببعض الفاعلين المدنيين الذين عارضوا التفويت سابقا وعارضوه حاليا، لأنهم فعلا مجتمعا مدنيا يتنفس نفس الهواء سواء في عهد المجلس السابق أو في عهد المجلس الحالي الذي قام بتهميشهم لأنهم الممثلون الحقيقيون للمجتمع المدني ولا تهمهم سوى مصلحة المدينة.
حزب الاتحاد الاشتراكي: تراجع كبير عن مواقف سابقة وتناقض غريب في القرارات:
نُذكِّر المستشارين الاتحاديين بما قالوه خلال مناقشة التفويت في عهد المجلس السابق حيث استمعنا لعبارات من قبيل “امتعاضهم الشديد واستيائهم العميق لما آلت إليه شؤون الجماعة الترابية، وما يتهدد عقاراتها وممتلكاتها من تفويتات مشبوهة”…”على الأغلبية المسيرة للمجلس حماية ممتلكات الجماعة من كل الأطماع التي تعمل ليل نهار من أجل الظفر بهذه العقارات”…”إدراج تفويت معلمة المخيم الدولي ضمن جدول أعمال الدورة الاستثنائية تفريطا في الأمانة التي حافظت عليها المجالس الجماعية الاتحادية المتوالية”….”ولتلك الأسباب يعلن ممثلو حزب الوردة داخل المجلس الجماعي بوضوح أنهم يرفضون، بصوة عال…هذا القرار الخاطئ”. فهل بتصويتهم مؤخرا لفائدة التفويت يكون المستشارون الاتحاديون قد فرَّ طو في الأمانة التي حافظت عليها المجالس الاتحادية المتوالية؟ وإذا كان رفضهم نقطة التفويت تم بصوت عال في المجلس السابق، نتسائل بأي صوت يقبلون نفس النقطة في المجلس الحالي؟
حزب الاستقلال تصويت على التفويت بلغة المغلوب على أمره:
بخصوص مستشاري حزب الاستقلال، نذكر أنهم عارضوا كذلك نقطة التفويت في العهد السابق. لكن تصويتهم يوم الثلاثاء الماضي لصالح التفويت كان بطعم المُكره، وهو ما تبين من لغة بيانهم الذي جاء فيه أن قرار التصويت لصالح التفويت جاء بهدف “الحفاظ على لحمة الأغلبية المسيرة لجماعة أكادير”. كما أن لغة المغلوب على أمره تتضح جليا في الفقرة التالية من بيان الحزب : “حفاظا منه على لحمة الأغلبية يؤكد أعضاء الفريق بالجماعة أنهم سيصوتون لصالح تفويت عقارات الجماعة بما فيها المخيم الدولي”. لكن المثير للانتباه هو هذه العبارة في بيان الحزب ” شريطة تخصيص عائدات هذه العملية لتأهيل الأحياء ناقصة التجهيز على مستوى تراب الجماعة” إنه الضحك على الأذقان الذي يحتقر ذكاء من صوت عليهم، فالكل يعلم أن مبلغ التفويت يخص مساهمة الجماعة في مشروع التنمية الحضرية المعَد سلفا وهو مبلغ لا علاقة له بتأهيل الأحياء ناقصة التجهيز. ويضيف البيان “مع جعل المشاريع المقامة على هذه العقارات في خدمة التنمية الجماعية حفاظا على الإنصاف المجالي للجماعة وتأهيل المستوى الإجتماعي لأبناء المدينة” يكفيني في هذا الصدد أن أقول أن هذه الفقرة هي لغة إنشائية بعيدة عن لغة المنتخب الذي يعمل لصالح المدينة التي يمثلها.
هذه هي طبيعة الأغلبية التي تسير المجلس الجماعي، وهؤلاء هم من أوهمونا سابقا بأنهم يمثلون المجتمع المدني ورفعوا شعار “لن نسلمكم المخيم الدولي”. وهذا هو مستوى المنتخبين الذين يشرفون على تدبير المدينة…وهنا يكمن المشكل وليس في تفويت المخيم الدولي.
لو كان الفيلسوف سقراط بيننا لقال لمجلسنا الموقر جملته الشهيرة “تكلم لأراك”.
“أكادير تستاهل ما حسن”