أكثر من سؤال.. (ماجَريات الأحداث في أفغانستان)
هوية بريس – د.عبد العلي الودغيري
لا شغل للإعلام الغربي، هذين اليومين، وتوابعِه المبثوثة في كل مكان، ومحلّليه ومتابعي ماجَريات الأحداث في أفغانستان، إلا توجيه الأنظار كلها، إلى حركة طالبان بغاية تشويه تاريخها وصورتها، وتخويف الناس في داخل البلاد وخارجها من وصولها للحكم، والتحذير من سلوكياتها تجاه حقوق الإنسان والحريات، وطريقة فرضها للبُرقع أو الخمار، وتطبيقها لأحكام الشريعة، وممارسة كل أنواع الضغط والابتزاز عليها. وينسى الإعلاميون المُجحفون أن يذكّروا الناس بحصيلة عشرين عامًا من الاحتلال الأمريكي لبلد مسلم بعيدٍ عنه بآلاف الكيلومترات، لم يكن له من ذنب سوى أنه اختار لنفسه نظامًا من الحكم خاصّا به، كان يظن في سذاجة تامة، أن لا أحد يحاسبه على ذلك، أو يتدخل في شؤونه الخاصة من قوى الغطرسة والهيمنة العالمية.
لماذا لا ينهمك الإعلاميون عوض ذلك، على استخلاص العبرة من واقعة الزحف الطالباني على البلاد كلها، وسقوطها في أيديهم خلال مدة قصيرة لم يتوقعها أحد، رغم اتساع أرجائها، ووعورة مسالكها وتضاريسها، وكثرة جيوشها النظامية التي لم تُبدِ في وجهها تلك المقاومةَ الشرسةَ التي كانت منتظَرة منها، ومن واقعة الخروج الأمريكي من البلاد التي احتلها بالقوة والعدوان منذ عشرين عامًا، وجيّشَ وراءه تحالفًا من حوالي أربعين دولة أخرى حشَدت قواتها وآلياتها العسكرية بدعوى محاربة الإرهاب والقضاء على القاعدة، كما احتلت العراق بُعيدَ ذلك ودمَّرته تدميرا بدعوى البحث عن أسلحة الدمار الشامل قبل أن يتبيَّن للعالَم المخدَّر بالإعلام الفاسد، حجمُ الخديعة الكبرى التي أوقعه فيها بوشُ والعصابة من مستشاريه؟
لماذا لا يُركَّز السؤال على ما حققه ذلك الاحتلال الأمريكي الغاشم، وقبله الاحتلال السوفياتي، لتلك البلاد من الوعود الخلاّبة التي ظل الجميع يُطلقونها في الهواء، ويتشدَّقون بها طول الوقت، كتحقيق الأمن والاستقرار والعدل والرفاهية والتقدم والازدهار والوحدة والانسجام … لماذا لم يتوقفوا طويلا عند سؤال الجدوى من تبذير أموال الأمريكيّين الطائلة وإزهاق أرواح الآلاف من جنودهم، في معركة بدأت ظالمة وانتهت خاسرة، إلى أن اقتنع الجميع، بما فيهم الأمريكان أنفسُهم، بأن لا طائل منها، ولا خيار لهم سوى الخروج من مستنقعها؟
لماذا لا يستخلصون من حالة أمريكا مع أفغانستان، وحالتها مع الفيتنام، وحالتها مع العراق أيضًا، ذلك الدرس المفيد الذي ينبغي استخلاصه، وهو أن الشعوب الحرة تأبى الضيم، وترفض العدوان، ولا يستريح لها خاطر، ولا يهدأ بال، إلا بعد أن تحقق النصر على كل عدوان وطغيان؟
منذ زمن طويل وأنا أوجه هذا السؤال البسيط لأمريكا: لماذا تختار التحالف ضد العالم الإسلامي، والتآمر عليه وتسخير كل قوى الشر لتمزيقه وتدميره وتقطيع أوصاله، عوض أن تتحالف معه وتستفيد منه برضاه؟ لماذا تمارس عليه ساديَّتها وعدوانها، وتحاول أخذ ما لديه بالغزو والاحتلال والإكراه والقتل والطغيان، وقد كان بإمكانها أن تأخذ أكثر مما تطمح إليه، لو سالمته ووادعته وحالفته وعاشت معه في أمن وأمان؟