أما آن للمساجد أن تتعايش مع الوباء؟
هوية بريس – سعد الورياني
راجت في الأيام الأخيرة بيانات وبلاغات ونداءات لمجالس علمية تحاول فيها إيجاد أعذار لما قامت به وزارة الأوقاف من إغلاق المساجد، وجاءت هذه الخرجات المجالسية مستغربة في الحقيقة لأنه لم يكن لها أي رأي أثناء الإفتاء بإغلاق المساجد بل كانت مثلها مثل العديد من الإدارات التي لازمت الصمت وقبلت بحكم لجنة الإفتاء التابعة للمجلس العلمي، والآن نرى نشاطا لافتا للنظر على غير معهود المجالس في بادئ الجائحة فصارت تعلل وتجوز استمرار إغلاق المساجد، فتصدر بلاغات ونداءات هي أصلا غير مطلوبة منها لأن أمر الإغلاق أو الفتح بيد لجنة الإفتاء وليس بيد لا المجالس ولا الوزارة الوصية على القطاع، لذلك تعتبر نداءات وبلاغات المجالس خارج دائرة النقاش ولا يلتفت إليها ولذلك لا تجد عند المواطنين تلك الثقة المطلوبة فغالبية الناس تشكك في قرارات هذه المجالس.
ثم الأمر الثاني الملفت للنظر هو كون هذه القرارات مبنية على أدلة عامة لا يؤصل بها حكم عادي فما بالك بحكم يعتبر مانعا لشعائر الله من الرفع والقيام، لذلك كان الأولى من المجالس احترام عقليات الناس وتدينهم ومحاولة دراسة النازلة بشيء من الأمانة العلمية واستحضار النصوص والأدلة من أجل الخروج بحكم على الأقل يكون مقنعا للطرف المخالف، لا أن تكون الأدلة واهية لا يقام عليها أساس مثل جواب الدكتور توفيق الغلبزوري الذي جوز استمرار إغلاق المساجد بعلة تعذر إدخال نصف المصلين وعدم التأكد من أن كل مصل أحضر سجادته الخاصة، الأمر الذي سيفتح فوضى واضطرابات وصدامات.
وهل هذه أعذار يتمسك بها أمثال الدكتور الذي عرف بالأمانة واستحضار خطورة الفتوى؟ لأنه باعتبار ما ذكره الدكتور فإن المساجد يستحيل فتحها ما دامت حالات الإصابة تسجل بشكل يومي والخوف واقع حتى ولو سجلت في اليوم عشر حالات فقط لإمكانية وقوع العدوى في المساجد من واحد من أولئك العشرة، الأمر الذي يدفع إلى ضرورة تعايش المساجد مع الفيروس بإيجاد حلول لهذه النازلة لا التخندق خلف الإغلاق بعلة حماية الشريعة للبدن ورحمتها بالإنسان، وإلا فهذا تعطيل لشعائر الله، وأهل العلمنة والإلحاد يطيرون فرحا بقرارات المجالس بل أصبحت الصلاة عندهم لا تكاد تصل لقنينة خمر (بيرة) يؤدي المواطن عنها ضرائبه أثناء شربها.
والغريب في الأمر هو سكوت أهل العلم وعدم بيان تعدد الآراء في المسألة على الأقل نسمع من أهل العلم من يقول بإمكانية فتح المساجد ويطرح أدلته حتى ولو لم تأخذ بها الجهات المسؤولة، ولكن يحس الناس أن هناك حرية في تناول الموضوع وإبداء الآراء ما دام أن النصوص الشرعية مكفولة للجميع والحق مع الأقوى حجة والأنصع برهانا، لكن لا يكاد يسمع لأهل العلم فيفتح المساجد قول وهذا أمر غريب جدا ولا يعني بتاتا اتفاقهم على ما ذهبت إليه لجنة الإفتاء، وكثير من العلماء من اختفوا من الساحة مؤخرا بعدما كانوا يملؤون شاشات التلفاز صباح مساء في الاخباريات والنشرات والحوارات، فلم يعد المواطن يسمعهم درسا ولا موعظة ولا رأيا في المسألة، وكأنهم غيروا ما كانوا عليه في بادئ الأمر لكن لظروف معينة آثروا الاختفاء على إبداء الرأي المخالف.
وأمر آخر يفهم من بلاغات المجالس العلمية هو حدتهم في الرد واتهامهم لمن يخالفهم وكأنهم أخشى وأتقى القوم، فلابد من احترام شعور الناس وتفهم موقفهم لأنه يستحيل إفهام المواطن أن فتح الحمام الذي يخلع فيه الإنسان ملابسه وينتظر كياسه ليدلك له ظهره لن تحصل فيه إصابة، بينما المساجد التي تتوفر على إمكانيات كبيرة لتحقيق التباعد وتوعية الإمام للمصلين قبل كل صلاة بعدم المصافحة والتقبيل بعد الصلاة وجعل صف بين كل صفين، مع ما تتوفر عليه المساجد من مساحات شاسعة تسهل عملية التنظيم ولا تحتاج ذلك الجيش الجرار الذي يتخيله المسؤولون، ولا تلك الأموال التي تتخوف منها الوزارة، فأصلا المساجد لا تنفق عليها الوازرة إلا بقدر دفع مكافآت القيمين الدينين الهزيلة جدا فأغنى الأئمة لا يتجاوز راتبه 3000 درهم، وأغنى المؤذنين لا يتجاوز راتبه 1500، وأغنى المنظفين لا يتجاوز راتبه 600 درهم.
فالوازرة تبني المسجد وتلوذ بالفرار أو يبنيه المحسن وتقوم هي بضمه، فإذا احترق مصباح في المسجد ألقى الإمام درسا يستحضر فيه نصوص التصدق والإنفاق لكي يقوم محسن فيدفع خمسة دراهم ليشتري مصباحا جديدا، فما دامت الوزارة تخشى من تكلفة تطهير المساجد فلتدع المحسنين يتكفلون بذلك فهم أقدر منها بالمهمة.
وجوابا عما ذكره الدكتور الغلبزوري الذي خذل الكثير بجوابه المختصر القصير، أصلا المساجد تعاني من قلة العمار ولا يكاد يحضر مع الإمام سوى صف أو صفين فلما الخوف من المساجد والرعب منها؟ حتى إذا امتلأت المساجد فساحاتها كافية بتلبية الطلب، ثم المجالس تتحدث عن الأمر وكأن ما يشغل بال المصلين هو إقامة الصلوات الخمس ونسوا أن الإشكال في صلاة الجمعة التي لم يصليها الناس لقرابة ثلاثة أشهر، فهل السيد الغلبزوري مستعد لأن يتحمل هذه المسؤولية أمام الله يوم القيامة؟؟
لذلك لابد من التفكير في تعايش المساجد مع الوباء على الأقل تنظيم صلاة الجمعة في الأسبوع فإذا استحال على الوزارة توفير المعقم لخمس صلوات يوميا فصلاة واحدة في الأسبوع قابلة للتنفيذ، على أن الخوف لا ينحصر فقط في الوباء فمساجد أوروبا عندها خوف أكبر من كورونا وهو دخول متطرف يردي المصلين في الفور ومع ذلك لم تغلق بعلة حماية الإنسان.
لا حول ولا قوة إلا بالله.
أسأل الله العظيم أن تُفتح أبواب مساجدنا في القريب العاجل.