أنا أحل المشكلة… دعوني أبيت في معرض الكتاب..
هوية بريس – بلال التليدي
في سنة 1987 وتحديدا في رمضان 1408، كانت جمعية الحوار الثقافي بمدينة القنيطرة تتجهز لتنظيم معرض كتاب كبير، وكان يعرف كل سنة اقبالا منقطع النظير… كانت دار الشباب رحال المسكيني، هي الفضاء والمتنفس الوحيد وقتها للفعل الثقافي….وكانت مهترئة البناية، لا يؤمن سقوط جزء من سقوف حجراتها…اتخذ الاخوة جميع الاحتياطات، واحضروا كما هائلا من الكتب، يضم مختلف كتب العلوم الشرعية، وكتب الفكر الاسلامي، وقد كان هناك حرص شديد على إحضار كل كتب الدعاة، والمفكرين الاسلاميين…فما عدا حسن البنا، والكتب التي يظهر على عنوانها اسم الإخوان المسلمون، والتي كان الشيخ والمقدم يأتي خصيصا للبحث عنها وحجزها ان اقتضى الحال، كان المعرض. فرصة لاقتناء كتب القرضاوي والغزالي وسيد قطب ومحمد قطب وعماد الدين خليل ومنير شفيق والغنوشي وجودت سعيد ومنير العكش ومحمد السماك ومحسن عبد الحميد وعبد المجيد النجار وعبد الله النفيسي وغيرهم كثير….
كانت مشكلة الاخوة الوحيدة هو من يبيت في المعرض ويحرس الكتب….فقد كان يتداول على الحراسة في النهار في فترة البيع، اخوان من مختلف أحياء المدينة…لكن، كانت مشكلة الحراسة في الليل عويضة…
شخصيا. كنت في سن 14 سنة أو قريبا من سن 15…وكنت جغرافيا انتمي الى حي الساكنة..وهو بعيد عن الأحياء التي ينحدر منها اغلب الاخوة المسيرين للجمعية..ومع ذلك، وبحكم الروابط الحركية، بادرت إلى لقاء الرئيس. واظنه وقتها كان هو محمد إحسان أو البصري، فقلت له بجرأة انا احل المشكلة….انا اتطوع اسبوعين للمبيت والحراسة في معرض للكتاب…رفض الأخ في البداية وقال لي: هذا كثير عليك…إن تفارق بيتك كل هذه المدة…وأن تكتفي بالقليل من الطعام، فهذا لن تتحمله…
اجبته بإصرار ساقوم بالمهمة، وأن تطوع اخ آخر. يساعدني ويؤنسني فهذا جيد.
كان بتصور انها مجرد مهمة تطوعية، لكن تقديري كان مختلفا….كنت ارى في هذه المهمة فرصة لا تعوض…أن أبيت أقرأ الكتب التي لا تتيسر لي وبالمجان فهذا ما لم أكن اتمناه يوما ولا توقعته…
قضيت اسبوعين اسهر الليل كله في قراءة الكتب. وكان يؤنسني في بعض الأحيان اخ فاضل اظنه محمد حيدا…وهو الذي شد عضدي لما نزل مطر شديد، واخترق سقف الحجرة المهترئ، وكاد يفسد الكتب كلها ويعرضها للاتلاف…كانت تلك الليلة شديدة، وكان حظي من القراءة فيها ضعيفا..
تعرفت في هذا المعرض على سيد قطب بعد ان قرأت كتبه المتوسطة الحجم. واقنعت والدي رحمه الله بشراء الظلال بعد ان سحرني سيد قطب بفكره واسلوبه…وتعرفت على مالك بن نبي، وكان اول لقاء لي بكتب منير شفيق..
الصيد الثمين الذي عثرت عليه، وانا في تلك السن المبكرة، هو اني وجدت كتاب الإخوان المسلمون النقط فوق الحروف، والإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، والبوابة السوداء لأحمد رائف وغيرها من كتب تاريخ الإخوان إلى جانب رسائل حسن البنا، وجدتها في مكان مخفي، فلم تكن معروضة التزاما بتوجيهات السلطة وقتها. وإنما اخفاها احد الاخوة بشكل محكم حتى لا تصل إليها يد السلطة فتقرر منع النشاط.
قرأت في ذلك المعرض ما يزيد عن أربعين كتابا، وبعد انتهاء المعرض، جاء الرئيس ليشكرني، فقلت له لا عليك، انا الذي ينبغي ان اقدم لكم الشكر، لقد ساعدتني هذه المهمة على قراءة عدد من الكتب لو التمستها من مكتبات الاخوان ما تيسر جمعها فضلا عن قراءتها..
قدم لي الرئيس هدية ثمينة، اظنها كانت عبارة عن كتابين لمحمد قطب: معركة التقاليد، وقبسات من الرسول…
افتقدتني امي الحنونة رحمها الله تلك الليالي. وكانت تسأل إخوتي قائلة: ترى على اي فراش يبيت اخوكم..فكانوا يجيبونها: كما هي عادته، يبيت فوق كتاب أو جريدة….ويطلقون قهقهة طويلة، ثم يطمئنونها قائلين: اطمئني عليه، فهو في طريق خير. ابنك يتبع الكتب أينما كانت….