أنى لي بجمال هذه الكلمة؟
هوية بريس – إبراهيم شكور
(في نفس الكاتب قوة تفرض عليه جمال ما يأتي به)
هذه القوة هي مداد القلم الذي يعي قيمة الكلمة ووزنها ،ويحمل هم وقعها في قلب القارئ.
إن جمال الكلمة هذه الأيام، وقيمة ما ينشر، يعيش حالة من البؤس المعرفي، والقبح الجمالي، وفترة من الفقر الإبداعي في ساحة الثقافة .
وآية هذا البؤس ،ما تتلاطم أمواجه في مواقع التواصل الاجتماعية، من منشورات تسرح فيها سائمة الرداءة، وكتابات تشكو بؤس الفاقة، فهذا الكم المهلهل ،أو السيل العارم فيها لا يعدو اضطراب التفاهة ،لا يهدأ موجه إلا عن زبد يغيب في مرافئ النسيان، يفتش القارئ فيها عن لقمة لروحه، أو شربة لظمأ ذوقه، فلا يناله منها إلا رغوة ناصعة أو غثاء هشيم، يشرق عليه ربيع الجمال فيذروه في سحيق الاضمحلال.
ليس من مسلمات الذوق السليم، ومبنى قواعد الكلمة الرصين، أن يعد كل ما ينشر هناك من بديع المنطق،وحسن القول.
ما أرخص هذا اليراع، وما أبرده وهو يتلوى بين تلك الأصابع التي لا يسري في شرايينها، إلا مثل ندفة ثلج باردة ،ترسلها صاقعة الشعور، متبلدة الإحساس ،لا تؤثر ولا تلامس أوتار يراعها، كي ينقلب كل وتر فيه معنى يفيض جمالا وبيانا، لا حبرا ومدادا.
إنك لتمر هناك على روض من الكلام مخضر العنوان، بهي المنظر، وبستان من القول مرصوص البنيان، لكن إن تشوفت نفسك لشم أريج ورده، أو للتمعن في دقة تراص لبناته، يستقبلك الروض بِمَحْل جداوله ، وذبول زهره، وتداعي بنيانه، فتمر سريعا تبحث لنفسك عن رذاذ يسقي هذا الجذب في روحك .
إن الكاتب بحق وهو يحبر الكلمة ويبثها، ويوشي اللفظة ويزينها على بياض الصفحة، لا يحبرها ولا يبعثها إلا بعد أن تتغلغل في دخائل نفسه، وتترقى في معاريج عواطفه ،ولا تولد إلا بعد أن وجدت منزلتها من الروح، فتمر على مصفاة العقل لترسلها مشفوعة بأنفاس قلبه، ومذكاة ببنات فكره، حينها يتلقفها يراعه جمرة من اشتعال مشاعره،
هنا يظهر جمال هذه الكلمة، وإبداع كاتبها ،الذي يجرد نفسه من الزمان والمكان، ليسافر في عمق الأسرار، يبحث فيها عن روح الإلهام، يصب كل نبض عروق قلبه، في قالب كلمة نحسبها حروفا، ويؤمن هو أنها دم قلبه.
هذا هو الكاتب الذي يحمل في قلبه قوة وجمال هذه الكلمة، التي تترقى في مراتب الجمال والبيان في فؤاده، قبل أن تتراقص بين أسطر صفحته .
كم من كلمة تقرأها بلسانك، فتأبى عليك إلا أن تقرأها بدفيء وجدانك، تتأملها بجانب من إحساسك، فتجبرك أن تكتمل فيها مشاعرك.
الكلمة أمامك كلمة، ولكن حين تقرأها، تقرأها كحقيقة لدخيلة نفس تتقلب أمامك، أو صورة لكبد حرى تتدلى بين عينيك،
ألا رحم الله حملة القلم ،الذين يحملون في نفوسهم جمال هذه الكلمة ،يطوعونها برشاقة ورقة، يطرزونها بأبهى حرف، ويعزفونها بأعذب لحن، فأنى لي بجمال هذه الكلمة.؟؟؟