أول مشروع قانون لتدعيم نشر التعليم العصري بالمغرب سنة 1921
هوية بريس – ذ. إدريس كرم
تذكير
لا يغيب عن ذهن القارئ نمط التعليم وإقامة مؤسساته بالمغرب قبل عهد الحماية، الذي كانت مصاريفه تأتي من إحسان المحسنين، وإعانات الأحباس التي ترجع إلى ما يوقفه المحسنون على أعمال البر والإحسان ومنها التعليم.
فإقامة المدارس والإنفاق على طلبتها لم يكن يلزم روادها من الطلبة بأداء أية مصاريف لا للسكن ولا للتغذية ولا للتعلم، بل كانوا هم أنفسهم يتلقون الإعانات إما نقدا وإما عينا من سكان المدن والبوادي على السواء، تقربا لله واحتسابا لأجر نشر المعرفة المؤسسة على الكتاب والسنة، وما تركه العلماء من تصانيف، يستوي في ذلك الحاكم والمحكوم والغني والفقير كل حسب طاقته ودرجة إيمانه.
مدارس الحماية المريبة
بعد توقيع معاهدة الحماية سنة 1912 برز شكل جديد من أشكال التعليم أدخلته الدولة الحامية، أثار مخاوف الناس منه نتيجة ارتباطه بفرنسا وسياستها الاستعمارية، وما يقال عن خريجيه من معاداتهم للدين الإسلامي وقيمه ومثله الأخلاقية والسلوكية، خاصة وأن الرهبان والمبشرين هم المدرسون والمشرفون عليه.
جاء في الجريدة الرسمية العدد الخامس سنة 1913 “كتب إلينا من مراكش بأن عدد التلاميذ الذين دخلوا المدرسة العربية الفرانسوية الموجودة بزاوية الشناقطة قد زاد جدا في هذه الأسابيع الأخيرة، حتى بلغ 40 طالبا، ويؤخذ من تقرير المجلس البلدي هناك أن الحاجة تدعو بالاستعداد لقبول 500 تلميذ عما قريب.
وسيشرع بالعمل في تهييء زاوية بن صالح المنهدمة لتجعل مدرسة كبرى، ويبنون الآن محلا واسعا كبيرا في الكلاز قرب المعسكر ليجعلوه مدرسة لأبناء الأجانب، وجمعوا أولاد السنغاليين في موضوع خاص حيث يعلمونهم مبادئ اللغة الفرانساوية تحت إدارة أحد خدمة الدين بالجيش، وستبتدئ امرأة من المدرسات بتدريس بنات السنغاليين.
وكذلك نقول عن المدرسة العربية الفرنساوية بمكناس، البالغ عدد طلبتها 37، وسيزيد عددهم عندما تتم المعدات الكافية لترتيب التعليم بتلك المدينة بحسب حاجات السكان، وإجابة لطلب عدد من آباء التلاميذ الوطنيين والأجانب المقيمين بمكناس، أرسلت إدارة المعارف العمومية أستاذا فرنساويا من الدار البيضاء للتدريس بمكناس، وسيشرع بتدريس أبناء الأجانب وأبناء السنغاليين بمساعدة راهبين من خدمة الدين بالجيش المقيمين بالمعسكر”.
لقد كان العزوف عن التعليم الذي أنشأه المستعمر رفضا للمستعمر ولمراميه العنصرية والتدميرية وليس رفضا للتعلم ونشر المعرفة بين السكان.
يقول الأستاذ محمد بن عياد: “في سنة 1908 فتح قنصل فرنسا بالرباط “لاراش”، مدرسة لتعليم اللغة الفرنسية لأبناء المغاربة بالرباط.. وأمدته الدولة الفرنسية بمعلم جزائري يسمى (المعمري)، جهزها بالمقاعد العصرية كما هي موجودة اليوم، وكلف السيد (بوانكلري) بتسيير هذه المدرسة، كما اختار القنصل لمهمة الدعاية وإحضار أولاد المغاربة إليها السيد بن (زاكور)؛ كان يحتم على أصدقائه ومعارفه بدفع ولد للكتاب وولد لمدرسة القنصل..
وفي سلا فتح نفس القنصل مدرسة أخرى كلف بها السيد (باردن) ومع جزائري آخر اسمه (عبد اللطيف)، أنظر كتاب: طريق الحرية ص:101.
وفي محاولة من سلطات الحماية جذب السكان لمدارسها لتوفير ما تحتاجه من يد عاملة قادرة على الوساطة اللغوية بين المحتل والسكان نوعت أشكالها، فأنشأت مدارس أبناء الأعيان، والمدارس الحرفية، والمدارس البربرية الفرنسية، والمدارس الحضرية والقروية والإعداديات الإسلامية. أنظر كتاب “حركة المدارس الحرة بالمغرب” لـ:جون جيمس ديمس؛ ص:23.
(وكان الهدف من المدارس زيادة على الوساطة والخدمات، التحكم في انتشار التعليم وعدم بذله بسخاء لكل من هب ودب.. بل ينبغي تقديمه في جرعات صغيرة، مكافأة وتشريفا للأرستقراطية المحلية، فمن المفهوم في رأي الأمة الغازية أن شباب المدارس المنتقى من بين أبناء الأعيان ينبغي أن يصبح منبتا لإعداد موظفي الإدارة المحلية وصغار الأعوان في إدارتنا) ص:23، جيمس؛ مصدر سابق.
وحتى يحتفظ للدولة الحامية بحق التحكم في نمط التعليم وتقنين انتشاره، أصدرت عدة قوانين خاصة بالتعليم الابتدائي الإسلامي الرسمي سنوات 1919 و1921 و1935.
وفي الظهير الأخير جاء في الفصل الثاني “بأنه يمكن لوزيرنا الصدر الأعظم أن ينزع الرخصة في كل آن (من صاحب المدرسة)… بعد مصادقة الكاتب العام للدولة الحامية” الجريدة الرسمية عدد: 1181؛ 14/06/1935.
وفي دجنبر من نفس السنة نشرت (مجلة المغرب) في سنتها الرابعة عدد دجنبر 1935، دعوة لإقامة مجلس أعلى لجمعيات التعليم ينظم عمل الجمعيات التي تهتم بالمسألة التعليمية على المستوى المادي والأدبي، مثلما هو الأمر بالنسبة للجمعيات الخيرية.
وقد نبه كاتب المقترح إلى أن الفكرة ليست جديدة لأنه في شهر شوال سنة 1339 يونيو 1921 تأسست جمعية بهذا الاسم بطلب من الحكومة نفسها، ووضعت الإدارة مشروع قانون الجمعية المقترحة وأرسلته لأعيان فاس لبحثه في اجتماع تحت رئاسة حاكم الناحية، وبعد المداولة والتنقيح شكلت الجمعية التي كان من مقاصدها:
رعاية كل المدارس، والمؤازرة على تنشيط التعليم وتفقده، فإذا كان هناك نقص تلافته، أو خلل أرشدت الإدارة إلى إصلاحه، ووظيفة الجمعية استشارية إرشادية خيرية، تعين المدارس بما احتاجت إليه من إرشاد، وكذلك بالمال، وإذا كان هناك تلميذ لا يقدر على مواصلة دروسه أعانته، وإذا أكمل طالب دراسته الثانوية وأراد الالتحاق بإحدى المعاهد العليا بفرنسا أو بالقرويين للتخصص في العلوم العربية ساعدته بالمال، وتبذل الإرشادات لأولياء التلاميذ فيما يرجع لنظام دروسهم، ومما يدخل في مهمتها الإرشادية مسألة الأخلاق والتهذيب التي هي مدار الرقي الحقيقي. (ص:6).
وعلق الكاتب بأن (هذه الفترة عرفت تأسيس جمعيات على هذا النمط في كل مدن المغرب عن أمر الحكومة إنجازا لبرنامج عام ربما يوجد في شأنه ظهير شريف، ودامت تلك الجمعيات مدة قصيرة ثم اندثرت، ص:6.
وفي ما يلي نص المشروع:
نص المشروع الذي يقول عنه المقدم “وهو مكتوب في لغة رسمية، وننشره على علاته بالحرف” (ص:4)
الفصل الأول:
أسست بفاس جمعية مهتمة بالعطوف إلى المدرسة الثانوية الإسلامية الفاسية، ويكون مركزها بهذه المدرسة ذاتها.
الفصل الثاني:
قصدها إرشاد أعيان أهالي فاس إلى حسن الالتفات إلى المدرسة المذكورة ومن فوائد هذه الجمعية:
أولا: تسهيل جلب تلاميذ من بين أنجال وجهاء المدينة،
وثانيا: حث والدي التلامذة لمساعدتهم وإعانتهم فيما يتعلق بحضور أولادهم لدروسهم بغاية الاهتمام وبقيامهم بقوانين المدرسة،
وثالثا: الإعانة من أعضاء الجمعية في تزيين بيوت التدريس،
ورابعا: تفريقهم الجوائز للتلامذة الأحق بذلك،
وخامسا: إنعامهم بمعاونة التلامذة الذين يكونون في حاجة وقتية عروضا،
وسادسا: تمهيد منصب الخدمة للتلامذة وقت خروجهم من المدرسة.
الفصل الثالث:
لإتمام هذا العمل الخيري أنشئ صندوق لهذه الجمعية ومداخيله تكون: أولا مما نرجو من مدد لذلك من الدولة الحامية والمخزن الشريف والمجلس البلدي الفاسي، وثانيا: من أحباس ما عسى أن يحبسها لذلك محسن من كرام، وثالثا مما يجمع من الإستعانات الخيرية ومن الإحتفالات الخيرية وما يشاكل ذلك، ورابعا: من الأشياء الموهوبة ككتب وآلات مدرسية وما يشبه ذلك، وخامسا من اكتتابات أعضاء الجمعية.
الفصل الرابع:
والجمعية مركبة من أعضاء مؤسسين وأعضاء مكتتبين، فيكتسب تسميته عضوا مؤسسا من دفع عدد كذا من الفرنك في كذا من المرات، أو عددا أعظم من ذلك، ويكتسب تسميته عضوا مكتتبا من دفع كل شهر عدد كذا من الفرنك أو أكثر.
الفصل الخامس:
والجمعية المهتمة بالعطوف إلى المدرسة الثانوية الإسلامية الفاسية، فإنها جعلت تحت الرئاسة الشرفية من الفضلاء الآتية أسماؤهم وهم: المقيم العام، ومدير المعارف، والجنرال الحاكم على نواحي فاس، وخليفة حضرته الشريفة أيده الله، الخ (فقس على ذلك).
الفصل السادس:
فإن صندوق هذه الجمعية تحت تدبير لجنة مركبة أولا من رئيس ثانيا من كذا من خلفاء له، ومنهم مدير المدرسة الثانوية، وثالثا من كاتب، ورابعا من مكلف بالصندوق، وخامسا من كذا من معينين، فمنهم كذا من الفرنسويين، وكذا من الأهالي.
الفصل السابع:
جميع تكليفات هذه اللجنة مجانيا أصلا.
الفصل الثامن:
فإن الجمعية تجتمع في الأقل مرة في ستة أشهر وتجتمع اجتماعات زائدة على ذلك إن ظن رئيسها أن اجتماعها واجب، وكذلك إن كان كذا من أعضائها أرسلوا طلبات لرئيسها كتابة.
الفصل التاسع:
إن اللجنة توقف كل سنة حساب ميزانية صندوق الجمعية، وتعين استعمال المال الذي يمكن التصرف فيه، وتعين عدد المال الذي يبقى تحت يد المكلف بالصندوق للمصاريف المقدرة لمدة ستة أشهر، وما زاد على ذلك العدد فيجمع أمانة دار من ديار البنك التي بالمدينة الفاسية.
الفصل العاشر:
وفيما بين اجتماعين من اجتماعات اللجنة فيمكن للمكلف بالصندوق أن يعمل عملا إن تعينت الضرورة، ولكن ذلك بعد مساعدة مدير المدرسة، ويمكن بعد ذلك عرض القضية على اللجنة وقت أول اجتماعاتها.
الفصل الحادي عشر:
فلا يمكن للمكلف بالصندوق أن يؤدي مصروفا ما إلا بعد قبض بطاقة فيها علامة مدير المدرسة بصفته خليفة رئيس اللجنة.
الفصل الثاني عشر:
وأما الإكتتابات فيجمع ذلك مستخدم من مستخدمي المخزن الشريف يعينه رئيس اللجنة، ويمكن أن يصاحبه عضو من أعضاء اللجنة، ويعطى لكل مكتتب توصل مأخوذ من كناش توصلات تبقى به أمثالها، ويجعل ذلك الكناش عند المكلف بالصندوق.
الفصل الثالث عشر:
فكلما يقع اجتماع كافة أعضاء الجمعية يخبرون فيه بأشغال اللجنة وبحالة الجمعية من قبل المال.
الفصل الرابع عشر:
ولفلان وفلان الخ قبول دخول الأهالي في الجمعية أعضاء مؤسسين كانوا أو مكتتبين.
الفصل الخامس عشر:
وإن انفسخت هذه الجمعية فإن الموجود في صندوق اللجنة يكون أمره كذا وكذا.
الفصل السادس عشر:
ولا يمكن تغيير ما لهذه الفصول النظامية المسطرة أعلاه إلا بعد مساعدة أغلب أعضاء اللجنة (انتهى بنصه من “مجلة المغرب”).