أين يكمن الأمل في القضية الفلسطينية؟

21 سبتمبر 2025 20:51

هوية بريس – شريف السليماني

رغم ما يجري في غزة من دمار وقتل وإبادة وتجويع، فإنني شخصيًا أرى بصيص أمل يلوح في الأفق. غير أن هذا الأمل -للأسف- لا ينبع من استفاقة الأمة الإسلامية أو من وعي الشعوب المسلمة. فأغلب الشعوب العربية والإسلامية، وربما أكثر من 95% منها، تقف قلبًا وقالبًا مع إخوانها في غزة: تدعو لهم، تتألم لأجلهم، وترغب في نصرتهم. غير أن هذه الأغلبية، على قوة مشاعرها، لم تستطع أن تترجم ذلك إلى فعل واقعي مؤثر. ولهذا، لا أراهن على موقف حاسم قادم من هذه الجهة في المرحلة الراهنة.

الرهان الحقيقي، في تقديري، هو على تغيّر الرؤية في الغرب. فما نشهده اليوم لم يسبق له مثيل منذ نشأة إسرائيل: موجة واسعة من الأصوات المناهضة لسياساتها، وانتقادات علنية، واتهامات مباشرة لها بالجرائم والانتهاكات. هذا التحول في الرأي العام الغربي، داخل الجامعات والشارع وحتى بعض المؤسسات السياسية، لم يحدث بهذا الحجم من قبل.

بل إننا نرى أصواتًا سياسية بارزة داخل البرلمانات الأوروبية، من نواب ووزراء، يدينون إسرائيل بشكل علني، ويدعون إلى مقاطعتها. كما أن الجامعات ومؤسسات المجتمع المدني – على المستويين الثقافي والسياسي – تعكس هذا التحول بوضوح.
ومن ثمار هذا الضغط الشعبي جاء اعتراف عدد من الدول الأوروبية بدولة فلسطين. ولم يكن هذا الاعتراف مجرد موقف أخلاقي، بل استجابة لواقع سياسي: فئات واسعة من الشعوب الغربية باتت تؤيد الفلسطينيين وتقف مع حقوقهم، فاختار الساسة مجاراة هذا المزاج العام وكسب تأييد شعوبهم.

وإلى جانب التحولات السياسية، برز تحول مهم في المجال الإعلامي. فقد بدأت محطات دولية كبرى تمنح مساحة لسرد الرواية الفلسطينية بالأدلة والوقائع، وهو ما لم يكن ممكنًا في الماضي، حيث كان المدافع عن فلسطين يُتهم بمعاداة السامية. أما اليوم، فقد أصبح غربيون بارزون أنفسهم يطرحون وجهة النظر الفلسطينية علنًا، مما يسهم في إقناع مزيد من الناس بعدالة القضية الفلسطينية. وهذا ما نراه فعلاً: المساندون للحق الفلسطيني في ازدياد مستمر.

وأعتقد -بل أرجو- أنه إذا استمر هذا الزخم، فسنصل إلى لحظة يصبح فيها تبنّي الموقف الصهيوني عارًا سياسيًا وأخلاقيًا في أوروبا. وقد يضطر كثير من القادة الغربيين إلى التبرؤ من كل ما يمتّ للصهيونية بصلة، والتنصّل من أي خطاب يُفهم منه تبرير أو تساهل مع جرائمها. بل قد يصل الأمر إلى أن يصبح السياسيون في سباق للتبرؤ والنأي بأنفسهم عن هذا الموقف.

ولا يُستبعد أن يمتد هذا التحول إلى الولايات المتحدة نفسها، حيث تُبنى السياسات على المصالح قبل أي شيء آخر. فإذا شعر الساسة الأمريكيون أن دعم إسرائيل بشكل مطلق يضرّ بمصالح بلادهم، فلن يترددوا في إعادة النظر في هذا الموقف.

وهذا لن يحدث إلا حين تُدرك الولايات المتحدة أن دعمها غير المشروط لإسرائيل أصبح عبئًا يهدد مكانتها ومصالحها الدولية.

وفي هذا السياق، أرى أن من يريد الدفاع عن الحق الفلسطيني اليوم لا بد أن يكون واضحًا وصريحًا، وأن يسمّي الأشياء بمسمياتها: جرائم الاحتلال الإسرائيلي لا يمكن أن تستمر لولا الدعم الأمريكي المباشر. هذا الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي هو الذي يحمي إسرائيل من أي مساءلة دولية. ومن هنا، فإن أي خطاب مناصر للحق الفلسطيني ينبغي أن يتجاوز الاكتفاء بإدانة إسرائيل إلى مساءلة الولايات المتحدة أيضًا، باعتبارها شريكًا رئيسيًا في استمرار هذه المأساة.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
11°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
20°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة