أيها العلماء هذا نداء إليكم من عالِم مغربي قد قضى نَحْبه وما بدل تبديلا

12 نوفمبر 2025 18:23

هوية بريس – د.حميد العقرة

أيها العلماء هذا نداء إليكم من عالِم مغربي قد قضى نَحْبه، وما بدل تبديلا.

إنه العلامة الفقيه النوازلي محمد كنوني المذكوري البيضاوي مفتي رابطة علماء المغرب، المتوفى بمدينة الدار البيضاء يوم 26 محرم 1398 موافق 5 يناير 1978م.

رجاء ايها العلماء، يا ملح البلد، تأملوا هذه الكلمة وحللوها، وانظروا أين مكانكم منها، وهل انتم على العهد الذي أخذه الله تعالى عليكم.

ودونكم كلمة هذا الإمام إليكم، النابعة من القلب بصدق ويقين_

قال رحمه الله:

نداء الى كافة السادات العلماء

بسم الله الرحمن الرحيم
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ).

(اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ۚ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ).

أيها الاخوان العلماء، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته تعُمُّكم وترعاكم، هذا نداء من الله جلت قدرته، فهل من مجيب؟

هناك أمرُ رسوله صلى الله عليه وسلم فهل من مستمع؟
وهناك صوت الاسلام مستغيث فهل من مغيث؟
وأجيال شباب الإسلام تتلاطم بها أمواج الكفر والالحاد، فهل من منقذ؟
وهذه عقيدة المسلمين اعتراها الخلل والفساد فهل من مصلح؟
وهذه أحكام القرآن وأحاديث الرسول العظيم قد ابتلعتها القوانين، فهل من ناصر؟
وهذه لغته السامية قد ضايقتها اللغات الاجنبية فهل من مخلص؟

إنكم أيها العلماء الكرام، أنتم المكلفون بحماية الشريعة الاسلامية والدفاع عنها والذب عن جميع ما يمس ديننا الحنيف وعقيدته واخلاقه وعوائده وأعرافه المأخوذة منه، وإلا فمن هم؟

إن الله تعالى جعلكم حملة شريعته واختاركم لتكونوا خلفاء رسله عليهم السلام لتبليغ ذلك الى عباده ، ولا سيما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والايمان بالله وحده، كما قال سبحانه: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ).

فتأملوا رحمكم الله مفهوم الآية الكريمة، فانه تتحقق لكم النتيجة المهولة ، وتأملوا كذلك قوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).

انكم أيها السادات العلماء، رجاء هذه الامة -بعد الله- ونورها الوهاج الذي يزيل الظلمات ويبدد الشكوك والمشكلات ويدفع عنها الضيم ويرد عنها الكائدين ومكر الماكرين، والا فمن هم؟

فلتنفضوا غبار الخمول عن عقولكم النيرة واستيقظوا من هذا النوم الثقيل الذي أضر بكم وبدينكم وبوطنكم وبأخلاقكم التي اكتسحتها هذه الافكار الطفيلية أو كادت. والتي غزت كل مدينة وكل قرية وبادية، بل وانتزعت من بين احضاننا اغلى واعز ما لدينا، وهم أفلاذ أكبادنا الذين قال الله تعالى فيهم: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ) ومنهم طبعا أولاد العلماء أنفسهم.

فاخبروني بحق الله عليكم أي خَلَف يبقى بعدكم إذا ما لبيتم نداء الله بالرحيل إلى الأخرى؟

إن دام هذا ولم يحدث له غير
لم يبك ميت ولم يفرح بمولود

بل هناك ينقطع الاتصال ويقع الانفصال بين السلف والخلف بذهاب الدين بذهابكم وقبضه بقبضكم، كما جاء في حديث الصحيحين مرفوعا عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عنه صلى الله عليه وسلم “إن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعا يتنزعه من العباد، ولكن يقبض العلم العلماء، حتى اذا لم يَبق عالمٌ، وفي رواية: “لم يُبقِ عالمًا اتخذ الناس رؤساء جهالا فَسُئِلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا“.

والمراد كما قال العلماء علم الدين والهداية لا علوم الدنيا والغواية.

أقول: وهناك تكون الفاجعة الكبرى والخسران المبين -لا قدر الله- خسران الدنيا والآخرة حيث لا عذر ولا جواب، اذا سالكم سبحانه عن ما ترتب على سلوككم وسكوتكم بأنكم قد ضيعتم أمانة الله المنوطة بكم في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) أي تعلمون مفاسد الخيانة وما يترتب عليها وتحريمه تعالی اياها وسوء عاقبة ذلك، كما تعلمون أنه تعالى يسأل ثلاثة يوم القيامة – وأنتم منهم كما جاء في الحديث المشهور عن هذا العلِْم وما عملتم به مخلصين.

أما كفاكم شرفا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ وملائِكتَهُ، وأهلَ السمواتِ والأرضِ، حتى النملةَ في جُحْرِها، وحتى الحوتَ، ليُصَلُّونَ على معلِّمِ الناسِ الخيرَ” وهذا إنما هو نموذج من أحاديث كثيرة وآيات كريمة في فضل العلم والعلماء العاملين المخلصين، فما هو سر هذا الجمود أمام هذا الانكار والجحود؟

ولا يُظن بكم أنكم لا تعرفون حديث انس رضي الله عنه عند الامام أحمد وابن حبان في صحيحه الذي قال فيه عليه الصلاة السلام: “لا ايمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له“.

إننا نعرف كثيرا من الاخوان العلماء لا يتحركون ولا يتحرقون بأعمالهم على ما أصاب المسلمين ، ولا سيما شبابهم من الانحلال والانحراف عن تعاليم رب العالمين ، فلماذا تركتم الفراغ للمفسدين في الأرض ، والحاقدين على الاسلام ، والذين يهاجمون كتاب الله الكريم ، وحديث رسوله الصادق الامين ، ورفعوا القناع عن وجوههم القبيحة وفغروا أفواههم الخبيثة بعدما كانوا بالامس يتسترون؟

لقد اتفقت مذاهبهم الهدامة وما أكثرها واتجاهاتهم المنحرفة وما أغزرها مع الاختلافات الواسعة بينهم على مهاجمة الاسلام وفي عقر داره.

ولولا أن الله عز وجل تكفل بحفظ كتابه الكريم في قوله سبحانه : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) لوقع ما لا تحمد عقباه. ولَحَلَّ مثل قوله تعالى: (فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ)، ولكنه تعالى أودع فيه من المنعة والقوة الشديدة والاسرار والحِصن الحصين، ما يَصُد كل عدوان.

وهنا نذكر قوله تعالى في سورة الفرقان: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)، مهجورا في احكامه وفي حُكمه وفي لغته وفي أسراره الباقية ببقائه.

ومع كل هذا فنحن ملتزمون بالدفاع عنه بكل ما نملك اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي دافع عنه بكل ما لديه هو وأصحابه رضي الله عنهم حتى أصيب في جسده الشريف، وحتى وصفوه وهم كاذبون بالسحر وغيره مما كان مألوفا عندهم كما جاء في قوله سبحانه في سورة (ص) :(وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ ۖ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) ، كما وصفوه مع الكتاب العزيز بقولهم : (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) ، وقد رد عليهم بقوله كما في سورة الطور :(فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) وفي قوله سبحانه كما في سورة الفرقان : (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا )، وقد قارعهم صلى الله عليه وسلم وهم اكثر عددا وأغزر مددا بقوة الايمان التي فقدوها وبقوة العزم والعقيدة التي حاربوها حتى هزمهم وأخضعهم وقال لهم حينئذ ما تظنون اني فاعل بكم يا معشر قريش؟ فقالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء)، وبذلك أزالهم عن طريق انتشار الاسلام لا في الجزيرة العربية التي قال: “لا يجتمع فيها دينان”، بل تجاوز ذلك حتى قهر هو وأصحابه بعده الدولتين القويتين في ذلك الوقت، دولتي الفرس والروم وغيرهما مما أنتم على خبرة تامة به.

فأين اختفى ذلك الايمان الخارق للعادة والذي اكتسح من الشعوب ما أذهل الشرق والغرب؟

وأين ذهبت تلك العزيمة القوية، وتلك الشيم والعزة والكرامة التي تحلى بها السلف الصالح على قلة عددهم وقلة ذات يدهم وعدم المامهم بلغات الشعوب التي أدخلوها لحظيرة الاسلام وعاداتهم وأعرافهم، وما الى ذلك، وهضموا جميع ما ذكر كما هو مسطر في التاريخ فأين نحن منهم الآن ؟ ونحن نُعد بنحو سبعمائة مليون مسلم(1) فراجعوا تاريخكم يا علماء الاسلام ليذكركم والذكرى تنفع المومنين ، ولتعلموا بعد ذلك أنه هو المفتاح القويم والصراط المستقيم الذي أمرنا به في قوله : ( وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ).

وكذلك أوصانا به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حديثه : «تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك وقد زغنا عن ذلك كثيرا وكثيرا حتى وقع ما أنتم تشاهدونه وتعيشون فيه فالى متى هذا التقاعس والموت يختطف العلماء اختطافا ويتوعدنا بهذا المصير:

إذا لم يكن من الموت بد
فمن العار أن تموت جبانا

بل مت شجاعا كريم النفس عزيز الجانب طيب القلب طاهر الضمير ، وأنت تدعوا الى كتاب الله وسنة الرسول واصلاح ما استطعت اصلاحه ، وفوق جهدك لا تلام،

كل واحد في دائرة اختصاصه بالدروس الناضجة، والخطب الحية، وبالمحاضرات التي تستنير منها قلوب الشباب، وبالمدافعة عن الاسلام ورفع الشبه عنه، وبالاقلام النيرة وبالعبارات الحلوة اللينة التي تستجيب لها الضمائر وتطمئن اليها القلوب ، كل ذلك في حكمة وتبصر ، كما كان السلف الصالح رضي الله عنهم .

ثم يكون اللقاء والاجتماع بين العلماء لتبادل الآراء ومناقشتها وأخذ الصائب منها وطرح ما لا ينسجم مع عقول أهل العصر ولا يواكب حكمة الاسلام الى غير ذلك مما ترونه مناسبا .

بهذا وغيره تكونون قد استجبتم لنداء الله تعالى ولنداء رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا سيما الشاب منهم الحاضر الحائر العاثر ، فله علينا حقوق يجب أن نؤديها في أمانة ورفق وحسن سلوك حتى تصل الدعوة الاسلامية الى قلب هذا الشباب ويفهمها على حقيقتها نطقا واعتقادا وسلوكا .

واني أعتقد أن كثيرا من الشباب لم تصل الدعوة اليهم ليطمئن اليها حيث أن قلبه وفكره امتلآ بما تلقفه من بعض الاساتذة المنحرفين والحاقدين على الاسلام بالمدارس .
فعلى العالم المرشد أن يكون حكيما في ازالة تلك الاوهام من صدور الشباب الذي يقول لسان حالهم :

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى
فصادف قلبا خاليا فتمكنا

أما اذا تركنا هذا الشباب – وهو الذي يمثل القوة البشرية في حيرته وشكوكه أو تجاوز ذلك الى الجهر بعداوته للاسلام فالمسؤولية على العلماء والاساتذة والمعلمين وسائر المرشدين حيث لم يبينوا لهم البيان الشافي عن الاسلام بل وما هو الاسلام ، مع أن الله تعالى يقول کہا في سورة النساء : (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا).

فتبيين الهدى هو الواجب الملقى على أعناقنا ، فما هو المُخَلِّص من ذلك اذا نحن بقينا سالكين طريق الاهمال؟!

اللهم اهدنا ووفقنا الى اتباع كتابك الكريم وحديث رسولك المستقيم، وأفض علينا من أسرارهما وأنوارهما ما يحركنا الى العمل بهما يا أرحم الراحمين يا رب العالمين.

هذه أيها الاخوان كلمة موجزة ، موجهة اليكم من أخيكم الداخل في عموم المخاطبين ، سائلا منه تعالى أن يحيطكم بالنصر والتأييد في هذه المهمة الجديدة التي سنسلكها جميعا بحول الله تعالى . وقد وعدنا الله تعالى بالنصر في قوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) وفي قوله تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)

والسلام عليكم أولا وأخيرا ورحمة الله تعالى وبركاته، آمين”.

انتهى من (الفتاوي) للعلامة محمد كنوني المذكوري رحمه الله . والتي قدم لها الامين العام لرابطة علماء المغرب العلامة عبد الله كنون رحمه الله (ص 204_211)
نقله محبكم حميد العقرة.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
7°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة