إبادة الفلسطينيين في زمن العولمة
هوية بريس – المصطفى سالمي
أصبحت مشاهد جثت النساء والأطفال الفلسطينيين وهي متناثرة وسط حطام الركام أمرا عاديا لا يحرك مشاعر المشاهدين عبر بقاع العالم، خاصة وأننا في زمن الصورة الحية المباشرة، وكأنما تعود الناس مشاهد الأشلاء والدمار والغبار الذي يعلو الوجوه والدماء التي تلطخ الرؤوس والأطراف، والبنايات التي تنهار بكل ثقل الحديد والإسمنت والحجارة على أجساد بشر مثلنا، مجازر يتلو بعضها بعضا لتتحول الأحياء التي كانت مفعمة بالحياة إلى مجرد أرقام وإلى أكوام بائسة، فهل تحجرت قلوب البشر في عالمنا التعيس الذي ينفعل فقط لأسرى دولة باغية محتلة ولا يأبه لمقدسات أمة تعدادها مليار ونصف المليار، وآلاف المدنيين الذين يقصفون بأحدث الأسلحة الفتاكة التي تحطم العمارات والأبراج السكنية وتجعلها كفتات الكعك تحت السكين، أو كقطع السكر تحت ضربات المطرقة، على إيقاعات صرخات الأطفال والنساء والعجائز، ويستمر أنينهم لا يحرك ساكنا في هذه الإنسانية الجافة عديمة الضمير، فأين حكام العرب والمسلمين، أين المثقفون ورجال الدين؟ أين أنتم من حكايات التاريخ حين حرك المعتصم الجيوش من أجل كرامة امرأة مسلمة لطمها علج على وجهها ؟ فهل وصل الوهن بالمسلمين أن أصبحوا متفرجين على المشاهد القاسية حتى أصبح الماء والغذاء والدواء أمرا عزيز المنال وصعب التقديم لهؤلاء الذين يُطاردون من شمال قطاع غزة إلى وسطه إلى جنوبه، في شريط ضيق محاصر من البحر ومن العدو ومن الشقيق العربي المسلم، بينما طائرات الكيان الغاشم ومسيراته تلاحق المهجرين من ديارهم نحو الخيام أو المدارس وعلى الشوارع وتقصفهم أينما حلوا وارتحلوا، أية حقبة زمنية بئيسة نعيشها اليوم وبعض العربان يتآمر مع العدو ويشد من عضده ويضع يده في يده ويزوده بالدعم والمؤونة، وهذا يذكرنا ببعض المنافقين في زمن صدر الدعوة مثل عبد الله بن سلول، فما أشبه اليوم بالأمس. عزاؤنا الوحيد هم هؤلاء الأبطال الأشداء الذين يقاومون على الأرض ومن تحتها، الشرفاء الصامدون في وجه العدوان يوجهون له الضربات بوسائلهم البسيطة المبدعة الخلاقة، يوثقون مشاهد الفخر التي تجعلنا نرفع رؤوسنا وهاماتنا باعتزاز، لم يؤثر فيهم تكالب ضباع الأرض من أمريكان وأوربيين يمدونهم بمخزوناتهم من السلاح الفتاك، يسطر مقاومو فلسطين البطولات والملاحم التي تدهش العدو وتثلج صدر الصديق، وحدهم هؤلاء يبثون فينا الأمل والفخر ويخففون عنا الأسى والحسرة على تآمر القريب قبل الغريب، فرحم الله الشهداء والشفاء للجرحى، والمجد والخلود للشرفاء الأحرار المنافحين عن مقدسات الأمة، في زمن الأقزام وفقهاء السلاطين، وفي زمن الرقص والطبل وثقافة البروج العاجية، وعذرا فلسطين أننا عاجزون خانعون لا نملك إلا الدعاء بالنصر والتمكين وهذه الكلمات التي لا تساوي شيئا أمام ما تقدمونه من تضحيات جسام نيابة عن أمة نائمة غائبة مغيبة، والخزي لمن ينتقص منكم وأنتم شعاع الشمس الساطع في ظلام وسكون يخيم علينا من المحيط إلى الخليج إلا من استثناءات قليلة كاليمن السعيد وبعض الشاشات الإعلامية الشامخة رغم التضييق والتعسف.