إحسان الفقيه: هل تُقطّع مخرجات ورشة المنامة أوصال الأراضي الفلسطينية؟
هوية بريس – إحسان الفقيه
لا يمكن الجزم بأن مسار التسوية “الشاملة” للصراع الفلسطيني الإسرائيلي قد انتقل من الأرض مقابل السلام التي رضي بها الطرفان، إلى المال مقابل تسوية “يُعتقد” أنها تنتقص من الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني التي تمثل المبادرة العربية للسلام سقفها الأعلى.
رعى مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر مؤتمر “السلام من أجل الازدهار”، في المنامة عاصمة البحرين، 25 و26 يونيو، للإعلان عن الشق الاقتصادي من خطة السلام المعروفة باسم صفقة القرن التي فضل كوشنر تسميتها “فرصة القرن”، بمشاركة عربية وأجنبية ووفد إسرائيلي غير حكومي، ومقاطعة فلسطينية.
وتزامنت الورشة مع احتجاجات في الضفة الغربية وغزة وعدد من الدول العربية والأوروبية، وبحضور وفد صحفي إسرائيلي.
وشارك مسؤولون أمريكيون في “ورشة المنامة” بوفد يضم إضافة لكوشنر، وزير الخزانة ستيفن منوشين والممثل الأمريكي الخاص لإيران براين هوك، بالإضافة إلى جيسون غرينبلات مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط.
وفي خطاب له، افتتح كوشنر “ورشة المنامة” بالحديث عن خطة اقتصادية تعدها واشنطن “ستنقذ الشعب الفلسطيني”، مع التأكيد على أن الرئيس الأمريكي “لن يتخلى عن الشعب الفلسطيني وسيسعى إلى تقديم العون له”.
ووجه كوشنر رسالة إلى الشعب الفلسطيني بأن “الخطة الاقتصادية هي شرط مطلوب نحو التوصل إلى حل، وهي الخطة الأكثر شمولية للفلسطينيين وستؤدي إلى نمو الشعب الفلسطيني والشعوب الأخرى في الشرق الأوسط”.
وشارك في الورشة ممثلين عن 39 دولة، بغياب فلسطين وإسرائيل التي قررت الولايات المتحدة عدم مشاركتها في الورشة واقتصار المشاركة على رجال الأعمال ومنسق أعمال الحكومة السابق في الأراضي المحتلة الجنرال يوآف مردخاي لتجنب إضفاء أي صبغة سياسية عليها.
وانطلقت احتجاجات واسعة طيلة يومي انعقاد الورشة في الضفة الغربية وقطاع غزة وعدد من عواصم ومدن الدول العربية والعالم.
وتضمنت الخطة، وفقا لما أعلنه كوشنر، خطوطا عريضة لتحقيق القوة الاقتصادية للفلسطينيين وشعوب المنطقة من خلال تأهيل البنية التحتية المطلوبة في قطاع غزة بتشجيع النمو الاقتصادي للفرد الفلسطيني وتعزيز التطوير والاندماج الإقليمي مع الإسرائيليين والشعوب العربية.
كما تحدث كوشنر عن تمكين الشعب الفلسطيني عن طريق خلق فرص عمل وتحسين أنظمة التعليم والصحة وتحسين الظروف المعيشية بالإضافة إلى دعم السلطة الفلسطينية من خلال توفير بيئة عمل أفضل وتحسين نظام الحوكمة من خلال مساعدة السلطة على القضاء على الفساد المالي والإداري.
وفي تفاصيل الخطة الاقتصادية، فإن الغاية من عقد ورشة المنامة “جمع استثمارات بقيمة خمسين مليار دولار على مدى عشر سنوات” يشرف على إنفاقها “صندوق تنمية دولي” في خطوة يراد منها استبدال الآليات القائمة بتمويل الفلسطينيين عبر منظمات مثل الأونروا بصندوق دولي تشرف عليه الدول المستفيدة من الاستثمارات المكلفة بتنفيذ المشاريع وتقديم المنح.
ولضمان نجاح الخطة الاقتصادية يتعين مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي السنوي الفلسطيني وخلق ما لا يقل عن مليون فرصة عمل لخفض مستويات الفقر بنسبة خمسين في المائة، والبطالة إلى أقل من عشرة في المائة وفق الخطة بتكلفة إجمالية تصل إلى خمسين مليار دولار قال كوشنر إن دولا غنية سيكون عليها المساهمة فيها على مدى عشر سنوات.
وستركز الخطة الاقتصادية “العشرية” على تحسين إنتاج الكهرباء وإمدادات مياه الشرب ومعالجة الخلل في شبكات الصرف الصحي وغير ذلك من الخدمات الأساسية في الضفة الغربية.
كما تنص الخطة على هبات وقروض بفوائد متدنية بقيمة 590 مليون دولار لتحديث محطات الكهرباء وتوفير آلاف فرص العمل للسكان الذين تحاصرهم إسرائيل منذ سنوات طويلة.
وعلى المدى البعيد، تهدف الخطة إلى بذل جهود كبيرة لإدماج الاقتصاد الفلسطيني باقتصاديات الدول العربية المجاورة، لبنان والأردن ومصر، وكذلك مع الاقتصاد الإسرائيلي من خلال هبات تصل 900 مليون دولار تنفق على تحسين محطات شحن البضائع وشق الطرقات داخل الأراضي المحتلة وربطها بدول الجوار لتسهيل التجارة والنقل عبر الضفة الغربية وغزة والأردن ومصر وإسرائيل ولبنان.
وتركز الخطة على تطوير قطاع التعليم الأساسي والتعليم الجامعي والقطاع السياحي الذي تشير الخطة إلى أن الأراضي الفلسطينية تؤوي بعض المواقع الأكثر قدسية للديانة المسيحية باجتذاب عشرات آلاف السياح الإضافيين كل سنة.
وتحاول الخطة الالتفاف على وحدة الأراضي الفلسطينية بإنشاء “ممر بري” يربط الضفة الغربية بقطاع غزة أو ربط المنطقتين الجغرافيتين بخط سكك حديد للإبقاء على الأراضي الفلسطينية مقطعة الأوصال جغرافيا خلافا لمبادرة السلام العربية التي تنص على إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967.
ومن المنامة أعلن كوشنر أن الباب لا يزال مفتوحا أمام الفلسطينيين للالتحاق بخطة السلام الأمريكية، إلا أن الفلسطينيين ينظرون بريبة إلى الإدارة الأمريكية ورئيسها الذي اتخذ سلسلة من الخطوات “العدائية” تجاه الفلسطينيين في مقدمتها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها مع قطع المساعدات بشكل كامل عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2017 أعلنت السلطة الفلسطينية وقف جميع الاتصالات مع الإدارة الأمريكية احتجاجا على قرار الرئيس الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها.
وتنشر إسرائيل قوات عسكرية على جميع منافذ العبور بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية وعلى طول خطوط التماس الجغرافي بينما تتوزع الأراضي الفلسطينية خارج الإدارة الإسرائيلية على منطقتين جغرافيتين مقطعتي الأوصال، هما الضفة الغربية وقطاع غزة لذلك لا يبدو المال هو العقبة الرئيسية إنما السيطرة العسكرية والقبضة الأمنية الإسرائيلية على المنافذ وخطوط التماس وكذلك الحدود مع دول الجوار الفلسطيني.
تجاهل الشق الاقتصادي المعلن من خطة السلام الشامل في “ورشة المنامة” أي إشارة إلى الشق السياسي أو الحديث عن ضرورة الاتفاق السياسي بين طرفي الصراع مع التأكيد بشكل متواصل على أن الكشف عن الشق السياسي سيكون بوقت لاحق من هذا العام، يشير مراقبون إلى أن ذلك مؤجل إلى ما بعد الانتهاء من الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل وتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة.
إن الازدهار الذي تقطع الولايات المتحدة الوعود بتحقيقه للفلسطينيين وشعوب المنطقة سيكون بحاجة إلى استقرار أمني وبيئة جاذبة للمستثمرين في منطقة تشهد صراعات متعددة تضطلع الولايات المتحدة بدور في تأجيجها أو الاستثمار فيها لتحقيق مصالحها العليا.
ستظل مسالة التنقل المريح والآمن من والى الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة مسالة ترتبط بشكل أكيد بالأمن والاستقرار في المنطقة عموما ودول الجوار الفلسطيني خصوصا.