إرادة التغيير لها منطق
هوية بريس – إبراهيم أقنسوس
يسهل أن نلاحظ، هذا الكم الهائل والمتواتر، من أشكال الانتقاد والتعبير عن عدم الرضا، الذي تصدر عنه جل الشرائح الاجتماعية، ما يستدعي التوقف قليلا، لطرح السؤال حول قيمة هذا النزوع النقدي والرافض، للكثير من أوجه التسيير والتدبير، التي تهم جل قضايانا الحيوية.
هل نفهم من تكاثر هذه الردود، والتعبيرات الغاضبة المختلفة، أن الأمر يتعلق بإرادة واعية للتغيير، على كافة المستويات، ومن طرف جل مكونات المجتمع؟؟
الجواب عن هذا السؤال، رهين بتفكيك وفهم مجموعة من المتناقضات، المرتبطة بكل الطبقات الاجتماعية، التي تبدي تبرمها وعدم رضاها، عن واقع الحال، وهذه بعض تلك المتناقضات:
_ إذا كانت الجهات المعنية مباشرة، بتدبير قضايا المواطنات والموطنين، ترفض واقع الحال، في مجالاتها التي تشرف عليها، وتتحمل دستوريا، مسؤولية تدبيرها، فإن المنتظر من ممثلي هذه الجهات ، بداهة، هو التفكير في البدائل والحلول، وابتكار الآليات الناجعة والسريعة، للنهوض بالمرافق والمجالات التي تم تكليفهم بها، والتواصل مع المواطنين، بغرض إقناعهم وتبصيرهم بالقضايا والوقائع، في صورتها الصحيحة والواقعية، وليس كتابة وتدبيج خطابات النقد والهجاء، وإبداء عدم الرضا ؛ فهؤلاء مسؤولون، دافعوا بشراسة عن حقهم، في ممارسة التدبير، ومنح لهم هذا الحق، دستوريا وانتخابيا، على الأقل، وقدموا وعودا للمواطنات والمواطنين، في قضايا محددة، ( الشغل، الصحة، التعليم، تدبير العيش اليومي للمواطنين، في كل الظروف والأحوال… )، فكيف يعقل أن يتركوا مهامهم الأساس، وينخرطوا في موجة الإنتقاد، والتعبير عن الرفض، كعامة المواطنين، فمن يتولى مهمة التدبير إذن ؟؟. إن هذا يعني ببساطة، التخلي عن مهامهم الأساس، إما عجزا، أو ضعفا، أو لأسباب أخرى، معلومة وغير معلومة، ويعني في النهاية أيضا، عدم إرادة التغيير، بالمعنى السياسي والأخلاقي للكلمة.
_ وإذا كانت الطبقات المتوسطة، أو ما يسمى كذلك، بكل تلويناتها، تريد التغيير حقا، وتعبر عن رفضها للكثير من أوجه التسيير والتدبير، التي يقترفها الكثير من المسؤولين، وهذا حقها، فلا يجب أن تنسى هذه الطبقات، في خضم هذا المد النقدي، أن تقوم بمهامها الأساس، التي كلفت بها ابتداء، والتي تتقاضى مقابلها أجورا، تقل أو تكثر؛ فالتغيير كل لا يتجزأ، على اختلاف مستوياته وتعددها ؛ فلا معنى لرفع الأصوات بالإنتقاد وإبداء التذمر، مقابل التخلي عن القيام بالوظائف والمهام كلية، أو التكاسل في إنجازها، أوممارسة ألوان من الغش والتدليس، أثناء مباشرتها ؛ فقاطرة التغيير، يركبها الجميع، ويقودها الجميع، كل من جهته، ووفق دوره ومهمته، الوزير، والبرلماني، والمستشار الجماعي، والأستاذ، والطبيب والمهندس، والعامل والحرفي، وربة البيت، وصاحب الدكان، وكل رجال ونساء هذا البلد ؛ كلهم معنيون فعليا وواقعيا بواجب التغيير، الذي تنتظره بلادنا، وتستحقه.
_ وإذا كان عامة المواطنات والمواطنين يريدون التغيير حقا، ويبدون تذمرهم ورفضهم، للكثير من أوجه الخلل والتقصير، التي تعم قضاياهم الحيوية، وهذا حقهم، فهم مطالبون في المقابل، أن يكونوا إيجابيين جادين، في أشكال تعاطيهم وتفاعلهم الذاتي والجماعي، مع محيطهم وأوساطهم التي يدرجون فيها، فلا معنى للحديث عن التغيير، وانتقاد المسؤولين، مع إلقاء النفايات وبقايا الأطعمة والمهملات، في الأزقة والطرقات، بلا مبالاة غريبة، ولا معنى للحديث عن ضرورة التغيير، مع التسبب في إتلاف المرافق العمومية ؛ ولا معنى للحديث عن التغيير، مع تقديم الرشوة عند كل مناسبة ؛ فالتغيير مطلب حضاري مشروع، يقتضي سلوكا حضاريا يماثله ويوازيه، هو بالنسبة للمسؤول المباشر عن التدبير، القيام بدوره الدستوري، باقتدار وشجاعة، وهو بالنسبة لعموم الموظفين وأصحاب الأعمال، أو من نسميهم بالطبقة الوسطى، القيام بواجباتهم بكل مسؤولية وإتقان، وهو بالنسبة لعموم المواطنات والمواطنين، إبداء التفاعل الإيجابي، والسلوك المواطن ؛ بهذا المعنى يكون لحديثنا عن التغيير، سياق ومنطق.