إزالة الغراء الارتزاقي.. بين التفكير السلفي والتكفير الداعشي!
هوية بريس – ذ. طارق الحمودي
حُركت الآلات الإعلامية منذ زمن قريب، بعد أحداث البرجين، تحت نظر وتمويل أصحاب الأغراض داخلا وخارجا لاستغلال ما يجري وفق خطة مدروسة للنيل من الدعوة السلفية التي أطارت النوم من أجفانهم، وأبعدتهم عن بيوتهم، بسبب قلقهم من نتائجها المبهرة في نشر الإسلام في الخارج، ورد المسلمين إلى أصولهم، وإفساد مخططات الاحتلال الجديد، كما أفسدته في البلدان التي نالتها الإمبريالية العالمية في القرن العشرين كالمغرب والجزائر وغيرها.
وأقصد بالدعوة السلفية الدعوة إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الدعوة إلى إسلام صافٍ من كل الشركيات والخرافات والبدع، فاجتهدوا في التدليس والتزوير، وكان من أشهر محاولاتهم إلى الآن، ربط الجماعات ذات الأسس الفكرية الخارجية بالدعوة السلفية، زاعمين أن الأولى فرع عن الثانية.
وتتابعت الأقلام المأجورة والمقلدة والجاهلة في نشر هذا التدليس والتزوير، فسودت صحفا ومجلات بمقالات ودراسات سطحية موجهة، كان الهدف منها تحقيق التهمة ومحاكمة الدعوة السلفية على الهواء أمام الناس، لخلق رأي عام نابذ لها متخوف منها، وصناعة سلفوبيا في العالم، على طريقة الغرب في صناعة الإسلاموفوبيا.
لماذا يصر كل هؤلاء على هجر المصطلحات القرآنية والنبوية، واستعمال المصطلحات الواردة علينا من الكتابات الاستشراقية الغربية؟
لماذا يحرص هؤلاء على إحداث تشويش على أذهان الناس بهذا الكم الكبير من الكتابات؟
هل يصح أن ينسب الفكر (الداعشي) كما يصفونه إلى الدعوة السلفية ومنهجها؟
نبدأ من الأحاديث النبوية، خلاف هؤلاء الذين يتجنبون الاستعانة بها والتأسيس عليها، نبدأ من حديث نبوي عجيب في وصفه لمعالم الفكر والممارسة الخارجية، وهو قوله عليه الصلاة والسلام بعد أن اتهمه ذو الخويصرة رأسهم بعدم العدل: «يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إذن فإيمانهم حناجرهم».
إذن يقوم الفكر الخارجي على أشخاص يتميزون بـ:
1- صغر السن، وهو مظنة الطيش والعجلة.
2- قلة العقل وسفاهته وهو مظنة الغلو وسوء الفهم.
3- المشاغبة بالمعلومة، فتراهم يشاغبون بالآيات على غير وجهها، وبالأحاديث، وبأقوال العلماء يخرجونها عن سياقاتها.
4- سطحية التدين، وهو ما يفسر كونهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.. سريعا.
وبالنظر إلى تاريخهم، كان هؤلاء خليطا من الناس، يبين هذا قوله عليه الصلاة والسلام: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين»، ففي الحديث إشارة إلى أن أمثال هؤلاء لا يخرجون عن ثلاثة أنواع من الناس:
– المبطل المندس، وغالبهم زنادقة.
– الغالي المحرف للدين وقواعده وشرائعه
– الجاهل الذي يصدر عن تأويلات وأفهام فاسدة للنصوص.
ولذلك ترى اليوم أن من يسمونهم أتباع “داعش” لا يخرجون عن هذا النوع، ففيهم مندسون من حزب البعث وربما من غيره، غلاة انضموا إليهم باعتبارهم شرعيين في القضاء والفتوى، وشباب جاهل ينضم إليهم من كل العالم.
لعل أحسن من تتبع هذا الفكر وحققه، وكشف عن خصائصه ومحدداته هو واحد من أكبر منظري الفكر السلفي، وهو شيخ الإسلام ابن تيمية السلفي، فهو القائل: «أصل ضلالهم اعتقادهم في أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل وأنهم ضالون… ثم يعدون ما يرون أنه ظلم عندهم كفرا ثم يرتكبون على الكفر أحكاما ابتدعوها»، فأول أصولهم كما فعل سيدهم ذو الخويصرة مع النبي صلى الله عليه وسلم تضليلهم لعلماء المسلمين واتهامهم بالظلم وتكفيرهم لذلك.
ويقول ابن تيمية السلفي: «وهم أول من كفر أهل القبلة بالذنوب، بما يرونه هم من الذنوب، واستحلوا دماء أهل القبلة بذلك»، فهم إذن يكفرون الناس بما يرونه كفرا عندهم لا عند المسلمين، فهم يخالفون المسلمين وعلماءهم في قواعد وضوابط التكفير،ثم يصدرون منه إلى القتل وسفك الدماء بطرق بشعة، كما يحكي عنهم ابن جرير الطبري المؤرخ والمفسر السلفي أنهم لما خرجوا من العراق في حوادث سنة 68، «عدلوا إلى المدائن فجعلوا يقتلون الولدان والنساء والرجال ويبقرون الحبالى»! وكان هذا كما قال ابن تيمية السلفي اجتهادا «في قتل كل مسلم لم يوافقهم مستحلين لدماء المسلمين»، فأصولهم تعود إلى الطعن في العلماء وحمل السيف على مخالفيهم، وقد اعترف أحد كبارهم قديما بذلك كما في تاريخ الطبري، فقد قال أحد أتباع شبيب الخارجي له: «أليس من ديننا قتل من كان على غير رأينا منا كان أو من غيرنا قال: بلى!»، وهو أمر دفع المؤرخ والمفسر السلفي عماد الدين ابن كثير إلى أن يقول فيهم في كتابه البداية والنهاية: «وهذا الضرب من الناس من أغرب أشكال بني آدم».
إذن، كل من ناله شيء من معالم الفكر الخارجي ففيه شائبة خارجية، وليس المَشوب أصلا لشوائبه، بل الشوائب أجسام غريبة على الأصل المَشوب كما هو معروف، ولكن أصحاب الأغراض لا يعقلون!
سؤالي الآن، لماذا يصر كثير من الباحثين الجهلة أو المقلدين أو المرتزقة على الربط بين الفكر الخارجي (الداعشي) المنتقّد، وبين الفكر السلفي المنتقِد؟ أظن أن الصورة صارت واضحة الآن.