إستماتة أهل الباطل
هوية بريس – إبراهيم الناية
” وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ”الآية 41 -42 من سورة غافر
هذا النداء من الرجل المؤمن الصالح من قوم فرعون الذي عرف الحق والتزم به وأراد لقومه ان يسيروا على منهاجه، لكن فرعون من شدة غلظته وزهوه بنفسه استمر في جحوده وكبريائه وقد ألف قومه ان يسمعوا منه ” مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ”.وهكذا دعا هذا الرجل المؤمن قومه بهذه الصرخة لعلها تجد آذاناً صاغية وبين لهم ان الحياة الدنيا هي حياة الاشياء الفانية الزائلة وأن النعيم الحقيقي هو النعيم الأزلي الذي كرم الله به الصالحين من عباده ولكنه رأى منهم الجحود والنكران لأن نفوسهم ألفت التمرغ في فتات الأرض ومن ثم صرخ في وجودهم”وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ” وهذا هو شأن المصلحين الذين يريدون إنقاذ شعوبهم وانتشالها من الشقاء وضنك الحياة ولكن هذه الشعوب التي اعتادت التمرغ في الوحل وألفت العبودية ولم تتذوق حلاوة الحرية وطاعة وعبادة الخالق، تواجه دعوة هؤلاء المصلحين الصادقين بالنكران والجحود، فالمصلحون يواجهون عنتا شديدا لأن نفوس المعارضين لهم انسجمت مع تلك الحياة وكم من جهد يتعين ان يبذل من أجل إنقاذهم من ذلك المستنقع الذي يعيشون فيه ولكنهم يظنون أنه هو السعادة بمنطق الأشياء التي يفكرون من خلالها .،واخو الجهالة في الشقاوة ينعم.
فالمصلح يهدف الى أن يغير أحوال الناس ولكنهم يريدون منه التراجع وترك ما هو عليه والعودة إلى العيش في كنفهم، فهذا الرجل يحب لقومه النجاة ولكنهم يريدون له النار. والنار هنا هي الدعوة الى الكفر والشرك كما تدل على ذلك الاية التي تأتي بعد هذه الآية والمفسرة لها، لأن الشرك هو المقدمة الطبيعية للشقاء. والعذاب ولذلك فالرجل الصالح من قوم فرعون يدعو قومه الى النجاة من الشرك. والشرك هو اختلال توازن الكون “لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ”.
لأن الشرك يسعى فاعله ان يشرك مع الله غيره فيما يستحق وأن ينازعه هذا الغير السلطان على عباده ولذلك يحب الطغاة ان يكونوا بديلا عن الله في تسيير شؤون عباده والخطأ الذي يقع فيه كثير من الناس، اعتقادهم ان مفهوم الشرك يقتصر على شرك الاعتقاد وحده او شرك الاعتقاد وشرك العبادة ولكنهم يغفلون عن شرك الاتباع، والمشكل ان هؤلاء العبيد الذين ألفوا العبودية لغير الله طابت نفوسهم لتلك العبودية لأنهم لم يعرفوا يوما معنى الحرية في ظلال الحق ،ولم يتذوقوا حلاوتها، وإنما عاشوا طيلة حياتهم في العبودية والخنوع واعتقدوا انها هي الحياة المثلى ومن ثم يأبون الاقلاع عنها فالذين جبلت نفوسهم وطبائعهم على الرذيلة والمسخ والنذالة يعتقدون ان الحياة هي ما يعيشون عليه لأنهم لم يعرفوا حالة الصفاء والطهارة ونقاء النفس والبدن ولذلك يدافعون بشدة إلى حدود القتال عن ما هم عليه من حياة، ظنا منهم انه الحق الذي لا مجمجة فيه، وانه عين السعادة والنعيم، ولكنهم قد يستيقظوا من سباتهم متأخرين بعد فوات الاوان. فيا حسرةعلى العباد.!!!