إسقاط حكومة نتنياهو ضرورة وطنية: مَنْ كيف ولماذا؟

06 أغسطس 2024 22:52

بقلم إبراهيم عبدالله صرصور – الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني

 قبل الإجابة على السؤال في عنوان هذه المقالة، اتخيل ان البعض سيسأل فورا: وهل الحكومة البديلة التي ستأتي ستكون خيرا من هذه الحكومة؟!… سؤال مشروع بلا أدني شك، إلا ان الشجاعة في الإجابة عليه ضرورة وطنية وشرعية أيضا… نحن حينما نتحدث عن إسقاط حكومة كحكومة نتنياهو – سموتريتش – بن غفير الحالية، والذي يعني استبدالها بحكومة أخرى، لا نختار بين حكومة سيئة وأخرى جيدة… لا… الخيارات كلها سيئة، لكن بعض الحكومات قد – أقول قد – تكون أقل سوءا من بعض… فهل تستحق هذه الحقيقة ان نجازف بالاجتهاد لإسقاط هذه الحكومة؟ الجواب: نعم، بكل تأكيد… إسقاط هذه الحكومة الأكثر فاشية في تاريخ إسرائيل – انظر الأكثر فاشية، يعني ان غيرها أقل فاشية، والذي يعني ان كليهما تتشاركان في هذ الصفة، أصبح بعدما ارتكبت ما ارتكبت من جرائم في حق شعبنا الفلسطيني وما زالت، وفي حقنا كمجتمع عربي فلسطيني يعيش على ارض وطنه تحت الحكم الإسرائيلي ويحمل جنسيته، أصبح واجبا لا انفكاك عنه، والتقاعس عن تحقيقه – قدر المستطاع – تفريط لا أتصور ان التاريخ سيغفره لنا…

(مَن) سيتصدى لهذه المهمة الوطنية بامتياز؟ … الجواب: العرب الفلسطينيون في إسرائيل: شعبا وقيادة واحزابا وحركات ومؤسسات وطنية!… اما كيف؟ … فبالحشد الواسع النطاق الذي يشمل ليس أقل من 90% من قوة المجتمع العربي الانتخابية من وراء قائمة مشتركة جديدة يمكن ان تُدخل الى البرلمان/الكنيست أكثر من 15 عضوا، تُقام على قاعدة الحد الأدنى مما يمكن الاتفاق عليه، يكون الهدف الأول منها اسقاط حكومة نتنياهو – سموتريتش – بن غفير، والضغط لإقامة حكومة بديلة يكون للنواب العرب تأثيرا عليها بشكل يتم الاتفاق على صورته وكيفيته..  هذا التحدي الكبير في ظل هذا الظرف الخطير الذي نمر به ويمر به شعبنا الفلسطيني، يتطلب من القوى الفاعلة في المجتمع العربي الترفع عن الخلافات التافهة شخصيةً كانت او حزبيةً من أجل تحقيق اختراق للواقع الإسرائيلي يؤسس لمرحلة جديدة ربما توقف حالة التدهور في واقعنا الفلسطيني هنا في إسرائيل، وهناك في فلسطين المحتلة عام 1967، ويهيئ لانفراجة في حال التشرذم التي نعيشها كمجتمع عربي يُطحنُ بين مطرقة السياسات الحكومية العنصرية وسندان الصراعات الداخلية ودموية العنف والجريمة!…

 (1)

اما لماذا؟ فهاكم التفاصيل …

التدهور المستمر الحاصل في العلاقة بين اسرائيل “اليهوديموقراطية” وبين المواطنين العرب الفلسطينيين الاصلانيين أصحاب الأرض الشرعيين، والتي ازدادت ملامحها قتامة في ظل حكومات نتنياهو منذ العام 1996، والتراجع الخطير في مسار القضية الفلسطينية التي يوشك نتنياهو ان يوجه اليها الضربة القاضية في ظل الانهيار العربي والدعم الأمريكي والانقسام الفلسطيني، كلها “تُنذر!” بمرحلة جديدة هي الأكثر خطورة في تاريخ الدولة والمنطقة، هذا التدهور يجب ان يضئ امامنا ضوءا احمرا خطيرا..

من الواضح ان نتنياهو وحلفاءه من اليمين المتطرف و “الكهانيين” (نسبة الى مئير كاهانا مؤسس حزب “كاخ” الأكثر عنصرية وعداء للعرب، قتل في نيويورك عام 1990)، وصلوا الى قناعة ان كل مشاريعهم ل “تطويع” الجماهير العربية الفلسطينية من جهة، وشطب القضية الفلسطينية بكل ملفاتها عن اجندة الاهتمام العالمي من جهة أخرى، قد باءت بالفشل الذريع رغم كل الظروف المحيطة التي تخدم المشروع الصهيوني بشكل غير مسبوق.. لذلك انتقل هذا التحالف اليميني بزعامة نتنياهو الى تنفيذ النسخة الجديد من الخطة “د/دالت” (خطة وضعتها منظمة الهاجاناه الصهيونية في فلسطين بين خريف 1947 وربيع 1948، كان الهدف منها انهاء الوجود الفلسطيني في فلسطين فعليا بكل الطرق، بما في ذلك التدمير والقتل والإرهاب، وهي التي أدت الى النكبة في نهاية المطاف بكل فصولها المأساوية).. خطة “د” الجديدة تهدف الى ذات اهداف الأولى ولكن بطريقة جديدة أكثر عصرية، لكنها مساوية للأولى بشاعةً وعنصريةً وعداءَ وهمجيةً..

حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر  2023 (وقبلها طبعا) والتي ما زالت مستمرة بكل وحشية وبشاعة منذ نحو عشرة أشهر، وحرب الإبادة – وإن بحجم اقل – التي تشنها ضد الضفة الغربية ومدينة القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك، هي عَرَضٌ من اعراض هذه الخطة الجديدة التي تنفذها حكومة إسرائيل فعليا على أرض الواقع غير عابئة ب – 57 دولة عربية وإسلامية، وغير مكترثة بكل المواثيق والقرارات الدولية ذات الصلة، وضاربة بعرض الحائط كل قرارات المحاكم الدولية (محكمة العدل ومحكمة الجرائم) التي اتخذتها هذه المحاكم في الفترة الأخيرة التي تدعو كلها الى: 1. وقف حرب الإبادة، 2. انهاء الاحتلال الإسرائيلي فورا على اعتباره انتهاكا للقانون الدولي، ودعوة حكومات العالم الى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتمكين الشعب الفلسطيني من نيل حريته واستقلاله، 3. اعتقال ومحاكمة القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية على ما ارتكبت من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. هذا بالإضافة الى تحدي نتنياهو ووزرائه السافر للرئيس والإدارة الامريكية (انظر خطاب نتنياهو امام الكونغرس الذي انتقد فيها الشعب الأمريكي الرافض لجرائمه ضد الشعب الفلسطيني، واتهامه لكل المتظاهرين ضده باللاسامية ودعم الإرهاب!  كما اعتبر فيه أمريكا خادمة لإسرائيل لا أكثر)، وَرَفْضٍ مبادرات بايدن ومناشداته لوقف الحرب، ووضعه العراقيل أمام اية فرصة لوقف النزيف وانهاء حالة التدهور الخطيرة، الامر الذي أثار عليه حتى قادة اجهزته الأمنية: وزير الدفاع، رئيس الموساد ورئيس الشاباك…

يرفض نتنياهو عقد أي اتفاق يشمل: وقف الحرب فورا، صفقة تبادل على قاعدة الكل مقابل الكل، انسحاب إسرائيلي كامل من قطاع غزة، عودة النازحين الى مناطق سكناهم في القطاع، فك الحصار، وإعادة الاعمار، وهي مطالب يجمع المجتمع الدولي على مشروعيتها…  نتنياهو مقتنع تماما بأن استمرار الحرب لا علاقة له بأمن إسرائيل ومستقبلها، لكنها تخدم مصالحة السياسية الشخصية (استمرار حكمه، وتأجيل إجراءات انهاء دوره السياسي، وإجراءات محاكمته بتهم الفساد المنظورة حاليا في المحاكم الإسرائيلية)، وتخدم أيضا مصالح شركائه المتطرفين الذين يسعون صراحة لشطب القضية الفلسطينية تماما، وفرض السيادة الإسرائيلية الفعلية على ارض فلسطين المحتلة عام 1967، ووضع العالم أمام واقع جديد لا يملك امامه الا التسليم به والاعتراف بشرعيته وان خالف القانون والقرارات الدولية.

وصل نتنياهو الى قناعة منذ امد بعيد وهو في السلطة منذ العام 1996، أنه مهما ارتكب من جرائم، ومهما هدد الامن والاستقرار الدوليين، ومهما انتهك من حقوق الانسان الفلسطيني، فإن يد العدالة الدولية لن تصل إليه، وسيظل في مأمن من ان يتحمل تبعات جرائمه…

(2)

لا احد يمكنه ان يُنكر ان المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل تقدم كثيرا وفي اكثر من مجال حيوي، رغم انف كل سياسات التمييز العنصري والقهر القومي التي مارستها حكومات اسرائيل من تأسيسها عام 1948 وحتى يومنا هذا، وحقق قفزات نوعية دلَّتْ كلها على ان مجتمعنا الفلسطيني يتمتع بحيوية متميزة استطاع بها – بعد توفيق الله – من الانتصار على خطط إسرائيل المتعلقة بالوجود، وما زالت المعركة مستمرة لانتزاع الحقوق ابتداء بالاعتراف بهويتنا الوطنية، وليس انتهاء بحقوقنا الجماعية القومية.. نجحنا الى حد بعيد نسبيا في المزاوجة بين مشروعنا القومي/الوطني الذي يتمسك بالهوية والمرجعية الدينية والوطنية حتى النخاع، وبين ضرورة الالتفات الى الهَمِّ اليومي من غير تفريط بأي من الثوابت الدينية والقومية.

من هذا المنطلق نجح مجتمعنا العربي الفلسطيني داخل الكيان العبري، خوض معركته على اكثر من مسار بشكل متزامن، بدأها بتعزيز الوعي الشعبي واطلاق الإرادة وتحدي الواقع الصهيوني، وعدم المساومة على الثوابت وتعزيز الكبرياء الديني والقومي، مرورا ببناء المؤسسات الوطنية كلجنة المتابعة العليا للجماهير العربية وهي برلمان جماهيرنا العربية التي تجمع تحت سقفها كل أطياف المجتمع العربي وفعالياته، واللجنة القطرية لرؤساء البلديات والمجالس العربية (الحكم المحلي)، وتشييد منظمات المجتمع الأهلي عالية التخصص في كل المجالات، وبناء حياة حزبية وحراك سياسي/ديني/ثقافي مميز، وليس انتهاء باستثمار كل المسارات النضالية: شعبية وقانونية وإعلامية، محلية ودولية، في سبيل تعزيز حراكنا الداخلي ونضالنا المشروع ضد سياسة حكومات إسرائيل المتعاقبة، ودعما لنضال شعبنا الفلسطيني لنيل الحرية والاستقلال والكنس النهائي للاحتلال..

(3)

كيهودي نشأ في عائلة تحمل فكريا قوميا صهيونيا – يهوديا متطرفا، بدأت ملامح شخصية نتنياهو تتشكل مبكرا على ما يبدو، وبدأت هذه الملامح في اخذ شكلها النهائي مع بدايات دخوله المعترك السياسي ممثلا لبلده في الأمم المتحدة، وكعضو في وفد إسرائيل برئاسة شامير في مؤتمر مدريد للسلام (1991)، وبعدها وزيرا للمالية في حكومة اريئيل شارون.. لم يُخْفِ نتنياهو عبر هذه المحطات آراءه في مسألة إسرائيل وفلسطين في جزئيتها المتعلقة بنا كجماهير عربية ظلت متمسكة بأرض وطنها تحت الحكم الإسرائيلي منذ العام 1948، او في جزئيتها الأخرى المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية في التحرير وتقرير المصير.. ما زلتُ اذكر كلماته في “مؤتمر هرتسليا” السنوي الاستراتيجي قبل سنوات، والتي عبرت عن موقفه المعادي لنا كمجتمع عربي فلسطيني في الداخل، اذ قال: “ان مشكلة اسرائيل الديموقراطية هي عربها وليس عرب فلسطين”، محذرا من ان نسب تكاثرنا ستُفقد إسرائيل هويتها واكثريتها الصهيونية اليهودية خلال عقود قليلة.. لم تقتصر مواقفه عند عتبات التخوفات الاستراتيجية كما يسميها، بل بدأ كوزير للمالية بتنفيذ خطة تهدف الى المس بحقوقنا كعرب كالمَسِّ بمخصصات التأمين الوطني، وفتح ملف ظاهرة كثرة الأولاد في منطقة النقب بالتحديد وأسبابها، وغيرها من الإجراءات المصنفة دوليا “عنصريةً” بلا نزاع..

حدد نتنياهو أهدافه داخليا وإقليميا ودوليا بكل وضوح منذ تسلم منصب رئيس الوزراء ابتداء من العام 2009 وحتى الآن.. من اجل ان يحقق هذه الأهداف دون “منغصات” او “معيقات”، اختار حلفاءه بعناية فكانوا مزيجا من الأحزاب المتدينة الأصولية (الحاريديون) وأحزاب المتدينين الصهاينة القوميين والتي تعتبر النسخة الأخيرة (سموتريتش وبن غفير) أكثرها تطرفا وأشدها عنفا وأعمقها توحشا.

أبدى نتنياهو استعدادا للذهاب بعيدا في التنازلات لحلفائه الأصوليين المتدينين على المستوى الداخلي متجاوزا وضع “الستاتوس كفو” الذي كان الحاكم للعلاقة بين الدولة وبين المتدينين منذ قيام الدولة، بدرجة اثارت عليه حلفاءه العلمانيين السابقين كأفيغدور ليبرمان، وحتى أعضاء في حزبه الذي رأوا في حملة البيع بالجملة التي يقودها نتنياهو تهديدا لحزب الليكود ومصداقيته امام أوساط واسعة من الإسرائيليين العلمانيين المؤيدين.. اما على المستوى الخارجي فقد استسلم نتنياهو تماما – ما عدا اختلافات تكتيكية – لحلفائه المستوطنين الذين دفعوه الى العمل الجاد والمنهجي بهدف اغلاق الملف الفلسطيني.. تأتي تصريحات حلفاء نتنياهو هذا الأسبوع بضرورة بسط السيادة الإسرائيلية على منطقة الضفة الغربية (المناطق ب و ج) وفي قلبها غور الأردن وشمال البحر الميت ومنطقة القدس بكاملها، وكذا الكتل الاستيطانية، إضافة الى خططه بخصوص الخليل التي اقتحمها مؤخرا معلنا “ابدية” السيادة الإسرائيلية على الخليل المقدسة حسب تعبيره، أوضح دليل واصدق شاهد على ما ستؤول اليه الأمور في حال فاز نتنياهو بالمنصب في اية انتخابات مقبلة..

أما بالنسبة الينا كمجتمع عربي فلسطيني في الداخل فقد شهدت السنوات العشر الأخيرة لحكم نتنياهو تصعيدا خطيرا على مستوى التشريعات العنصرية والتي بلغت المئات، من أهمها: أولا، “قانون القومية” الذي يعلن عدم اعتراف إسرائيل بأية صلة دينية ووطنية وقومية بيننا كجماهير عربية فلسطينية وبين وطننا فلسطين، ويعتبرنا مجرد “رعايا” يجب ان “نمتن” لإسرائيل على ما تعطينا من فتات لا يستند الى قانون وإنما يعتمد على “إحسان!!” “السيد الإسرائيلي!!” “صاحب الوطن!” الذي لا يشاركه في هذا الوطن أحد.. قانون القومية قانون فاشي بكل المعايير، فهو ينتقل بالعلاقة بيننا وبين الدولة التي نحمل جنسيتها (كُرها) منذ العام 1948 من مطالبتنا ب – “احترام!!” القوانين مهما كانت عنصرية، إلى مطالبتنا ب “احترام” الأيديولوجية الصهيونية التي تنفي وجودنا ولا تعترف باي حق وطني او قومي لنا في وطننا وعليه.. كما ينتقل بواقع الصراع الشرق اوسطي من صراع حدود الى صراع وجود، لا يعترف بموجبه الجانب الصهيوني بالرواية الفلسطينية بكل تفاصيلها، ولا يعترف أصلا بوطن اسمه فلسطين، وبشعب اسمه الشعب الفلسطيني.. يعترف القانون فقط بالرواية الصهيونية وبشعب واحد وهو “الشعب اليهودي!!”.. ثانيا، قانون “كمينيتس” الذي جاء بدوره ليكمل ما جاء به قانون القومية، من خلال استهدافه لكل مقومات مجتمعنا العربي الفلسطيني من حيث الأرض والمسكن والاقتصاد ومناطق النفوذ ومسطحات البناء والخدمات، والقدرة على التطور الطبيعي أسوة بالمجتمع اليهودي الذي يتطور بسرعة فلكية تترك وراءها مجتمعنا العربي كأحياء فقر ملتصقة بحواضر تسبقنا بسنوات ضوئية تقدما وتطورا وازدهارا..

بات واضحا الان في ظل حكومة نتنياهو – سموتريتش – بن غفير، أن التنفيذ الفعلي والاعمق لتلك القوانين العنصرية على المستويين الفلسطيني الداخلي (المجتمع العربي في الداخل)، والقضية الفلسطينية الكبرى، اخذ منحىً جديدا غير مسبوق يُنذر بمرحلة جديدة ستشهد تصعيدا خطيرا جدا. تستغل هذه الحكومة الصمت الدولي والعربي – الا من بعض بيانات الاستنكار الخجولة – وتجاهل حكومات العالم لفداحة الجرائم التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية، بل ومسارعة العالم لمساعدة إسرائيل ومدها بكل أنواع القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية رغم جرائمها عند أي تهديد وإن نظري لأمنها، تستغل ذلك كله من اجل المضي قدما في انتهاكاتها التي تهدد الأمن والاستقرار الدوليين..

(4)

تشكل القوانين العنصرية، الغطاء الشرعي الذي منح وزارات حكومة نتنياهو المساحة الواسعة بلا حدود للتضييق على مجتمعنا العربي وبالذات في القضايا ذات العلاقة بالمجالات الحيوية لهذا المجتمع وعلى رأس هذه القضايا: أولا، الامن الشخصي والجماعي في مواجهة العنف والجريمة التي تغذيه دوائر إسرائيلية امنية وغيرها دعما مباشرا او غضا للنظر، وتعمد عدم اتخاذ الإجراءات القانونية ضدها اسوة بالمجتمع اليهودي. من المهم هنا الإشارة الى أن وزير الامن الداخلي الحالي (بن غفير) يعتبر بجميع المعايير من أشنع وزراء الامن الداخلي الذين مروا على إسرائيل، واكثرهم تطرفا وحقدا على كل ما هو عربي. ينعكس هذا بوضوح في سياساته المستهترة بمصالح المواطنين العرب وبدمائهم، واستخفافه بكل ما يتعرض له مجتمعنا من تحديات امنية.  ثانيا، الأرض والمسكن وهي واحدة من القضايا الساخنة التي بدأت تشكل عاملا ضاغطا قد يؤدي الى هجرة الأجيال الشابة من البلاد، وهو ما يسعى اليه نتنياهو كما يبدو.. إصرار حكومة نتنياهو على سياسة الهدم والتدمير لمئات البيوت السكنية والمحلات التجارية العربية سنويا، بدل الانخراط في تخطيط ممنهج لتطوير المجتمع العربي والمصادقة على خرائطه الهيكلية التي تستجيب للاحتياجات الحقيقية وليست الوهمية لهذا المجتمع، والإبقاء على بُناه التحتية الخدماتية والصناعية والتجارية متخلفة عن مثيلتها في المجتمع اليهودي، دليل واضح على انحطاط الايدولوجية التي يحملها تجاهنا كعرب.

(5)

أما بالنسبة للقضية الفلسطينية فقد بات واضحا ان نتنياهو وحلفائه اطمانوا تماما الى أن الطريق بات مفتوحا امامهم لتحقيق حلمهم في إقامة دولة “إسرائيل الكبرى” على كامل تراب فلسطين التاريخية من البحر الى النهر، ومنح الفلسطينيين حكما ذاتيا فقط بلا حقوق سياسية او وطنية او سيادية.. ساعد الوضع العربي المنهار، وانحياز إدارة بايدن الكامل، والانقسام الفلسطيني مع تمسك سلطة رام الله بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، ساعد كل ذلك نتنياهو على المضي بشكل غير مسبوق في تحقيق السيطرة الكاملة لإسرائيل على كامل التراب الوطني الفلسطيني وانهاء وَهْمِ حل الدولتين، والنأي عن وَهْمِ حل الدولة الواحدة، الأمر الذي يمهد لقيام نظام ابرتهايد جديد يمارَس فعليا على الأرض، يولد من جديد بعد سقوط نظام الابرتهايد في جنوب افريقيا..

اقنع نتنياهو نسبة ليست بالبسيطة من الإسرائيليين حتى من معارضيه ان إسرائيل ليست بحاجة الى سلام يفرض عليها تنازلات استراتيجية من اجل ان تعيش بسلام. انها بحاحة فقط الى فرض سياسة الامر الواقع بشكل يضطر العالم الى التسليم بهذا الواقع بديلا عن الشرعية والقرارات الدولية ذات الصلة بفلسطين وغيرها كالجولان مثلا..

(6)

وأخيرا، المتابع لتصريحات نتنياهو ضدنا كمجتمع عربي فلسطيني في السنوات الأخيرة والتي تتراوح بين: “بيبي جيد لليهود”، الى “انهم يتدفقون الى صناديق الاقتراع”، ف – “العرب زَيَّفُوا الانتخابات”، و ” العرب يسرقون الانتخابات” وأخيرا وليس آخرا ” العرب يريدون القضاء على الدولة”، يصل الى قناعة تامة بأن المنطقة في ظل حكومة “المجانين” أصبحت تشكل خطرا حقيقيا لا بد من التصدي اليها بكل الوسائل المشروعة….  إن عجز العلام العربي والإسلامية عن هزيمة هذه الحكومة وإخراجها من التاريخ، فلعنا نحن المجتمع العربي ننجح فيما عجزوا هم فيه! هل هذا ممكن؟! الجواب: نعم، ممكن، الا ان الامر يحتاج الى روح دينية – وطنية جديدة تتسبب في ميلاد منظومة سياسية عربية – فلسطينية تَنْظِمُ جماهيرنا العربية في بوتقة وحدوية تقدم المصلحة الوطنية العليا على كل مصلحة، وتدفع بالمصلحة الجماعية إلى ما فوق المصالح الشخصية والفئوية!….

(7)

كيف يمكن لبعضنا بعد هذا وغيره الا يخرج “شاهرا” صوته (وهو سيفه القاطع حاليا)ن دفاعا عن وجوده وعقابا لجلاده؟!!!

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M