إسلام بلا نسب.. أوهام الخصوصية وحديث القطيعة

26 أبريل 2025 20:15
إبراهيم سهيل

هوية بريس – إبراهيم سهيل

في زمنٍ كثرت فيه الألسن وتقلّص فيه الصدق، نسمع من يرفع راية القطيعة مع المشرق باسم الخصوصية، ويجعل من التاريخ جسراً لتمرير رؤية مزوّرة للدين، فيغدو الإسلام لا كما جاء من الوحي، بل كما ترضى عنه مقاييس اللحظة، ويُفصّل على قدر الكراسي والمناصب لا على هدي النبوة. تُساق إلينا دعوى أنّ المغرب صنع إسلامه بنفسه، كأنّ الوحي تنزّل من جبال الأطلس، وكأنّ مكة والمدينة فصل في جغرافيا أخرى لا تعنينا، وكأنّ القرآن لم يُتلقّ بالسند المتصل من صدور الرجال الذين حملوه من المشرق إلى المغرب دون تحريف ولا تبديل.

هذه ليست قراءة للتاريخ، بل عملية قصّ ولصق، يُنتزع فيها المغرب من جسد الأمة، ويُقدَّم للمغاربة دين بلا دماء الشهداء الذين جاؤوا يحملون النور، بلا الفقهاء الذين نسجوا علماً موصولاً بالعقيدة الصافية، بلا العلماء الذين ربطوا فاس وبغداد، ومراكش بالقاهرة، وسبتة بالشام. أيّ خصوصية يُراد لنا أن نؤمن بها؟ هل هي الخصوصية التي تبدأ من التبجيل وتنتهي إلى التبديل؟ أم الخصوصية التي تُقنع الناس أن انفصالنا عن المشرق كان رحمة، بينما الحقيقة أنه كان نتيجة ظلمٍ سياسي لا خيار فقهي؟ إنّ القطيعة التي يُراد لها أن تُلبّس لباس الهوية، هي في الحقيقة قطيعة مع منابع الطهر، مع الصفاء الأول، مع المصدر الذي لا يُتلقى النور إلا منه.

يريدون إسلاماً محلياً، منزوع النسب، مقطوع الصلة، لا يثير سؤالاً، ولا يوقظ وعياً، ولا يحمل راية. إسلام يُدرَّس في القاعات، ويُتلى على المنابر الرسمية، لكنّه لا يعيش في القلب، ولا ينزل إلى الواقع. يريدونه إسمنتاً يبني السكون، لا ناراً توقظ الحقيقية. يريدونه موروثاً فولكلورياً، لا منهجاً يصدع بالحق، ويقف في وجه الانحراف. لكن الدين ليس تراثاً نخضعه للذوق، وليس طقوساً نكيّفها حسب الظروف، بل هو وحيٌ من عند الله، جاء من المشرق نوراً، وسرى إلى المغرب طهراً، لا يُبتَر إلا إذا رضينا أن نُسلخ من هويتنا كما يُسلَخ الجلد من الجسد.

من أراد للمغرب أن يكون قوياً، فعليه أن يربطه بأصله، لا أن يُقنِعه أنه يتيمٌ لا أب له. ومن أراد لدين الناس أن يبقى حياً، فعليه أن يتركه موصولاً بالسماء، لا أن يختزله في رؤية محلية تضيق عن الحق، وتعجز عن حمل الأمانة. إن الدين لا يُقصّ على مقاس الحدود، ولا يُفصّل على رغبة اللحظة، وإن الهوية لا تُبنى بالقطيعة، بل بالوصال. ومن تنكّر للمشرق اليوم، لا يلبث أن يتنكّر لما فوق المشرق.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
16°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة