إسماعيل ولد باردي.. بطل المقاومة الصحراوية (2/2)

هوية بريس – ذ.إدريس كرم
ملخص:
يتطرق الموضوع للمكانة التي كان يحظى بها إسماعيل ولد باردي، كشيخ لقبيلة الرقيبات، والانقسامات التي عرفتها نتيجة ملاقات بعضها مع المستعمر، الذي ألب الرقيبات على نزع يدهم من يد اسماعيل، واختيار غيره شيخا، لكنه مع ذلك، بقي الرقيبات يعترفون له بالسبق في محاربة الفرنسيين، بالرغم من تبدل حاله، وافتقاره حتى توفي رحمه الله، صابرا محتسبا، ودفن في مدينة السمارة.
كلمات دالة:
اريودورو، واد الذهب، المور، الإسبان، طرفاية، الألمان جزر الكناري، السودان الغربي، أدرار، الرقيبات، اولاد موسى، اتفاقية السلام بين لفرنسيس والرقيبات، مهاريس، عبيد المسيحيين اترارزة، معسكر سانكا، احمد ولد حمادي، ادويدوح، احمد بابا ولد درويش.
النص:
“الأجانب أصدقاء، الأجانب أعداء”
خلال الحرب العالمية الأولى، التقطت المقاومة الصحراوية، التي كانت مستمرة منذ عام 1913 أنفاسها الثانية، المؤيدون الجدد للجهاد (الحرب المقدسة) اجتمعوا في ريودورو، لما أدركوا أن الفرنسيين لن يقدروا على الوصول لهم، وحاولوا تنظيم أنفسهم.
لقد تلقوا مساعدة غير مباشرة من الإسبان، الذين سمحوا لمكتب طرفاية الخاص بهم، أن يصبح مركزا لتزويدهم بالأسلحة والذخيرة، بعض هذه الأسلحة تأتي عن طريق المهربين النشطين على ساحل المغرب الجنوبي، والبعض الآخر ناتج عن استيراد مباشر، ينظمه أساسا الألمان، الذين يستخدمون جزرالكناري كمعبر.
توالت المقاومة الشديدة خلال بعض السنوات على الأراضي الموريطانية المستعمرة، والسودان الفرنسي. المسؤولون الكولونياليون، الذين وضعوا بعض الوسائل لمواجهة تلك الهجمات بلا عقبات، فبدأوا في تغير طريقتهم تدريجيا، لما لم يستطيعوا التغلب عليها باستخدام الأسلحة.
ففكروا في محاولة لـ”ترويض” قبايل الشمال، مصممين لذلك سياسة “ترويضية” انصبت على الرقيبات، والتي دشنت من قبل الكولونيل أوبيسيـي حاكم موريطانيا في سان لوي السنغالية، حيث قرر في 1916 اعتبار الرقيبات من ذلك الوقت “أجانب أصدقاء” ومنحهم كافة التسهيلات في أدرار، وكل الأراضي التي يراقبها الفرنسيون: (حرية الرعي، والاستقلال بالنسبة للأمير التابعين له سابقا، والاعتراف باستقلالية الفخذات؛ واستبعاد فكرة القايد الواحد، التي لم تؤد إلا لتفاقم حركات الانشقاق، ومنع التسْخير، وكذلك تجول البوليس في المضارب الخ).
في المقابل يتعين على الرقيبات أداء حقوق المرور “الحد الأدنى” عندما يكون الترحال في الأرض الفرنسية وكدليل على التحالف، يجب على كل فخدة موقعة على اتفاقية السلام الجديدة، إرسال بعض الجمال سنويا، لكومندار دائرة أدرار، وبالتالي ستستفيد الرقيبات من وجود نظام مُوَّاتٍ، قادر من ناحية على تسريح المؤيدين المحتملين للمقاومة، ومن ناحية أخرى على إثارة الإستياء، في ذهن السكان المغاربة، وخاصة المحاربين الذين خضعوا لنظام إداري مُذل.
مكن الإستيلاء على تزنيت في مارس 1917 من إقناع آخر المترددين في آخر العام، فوافق معظم اولاد موسى (الذين التحقوا بالمقاومة سنة 1916) بقبول توقيع الاتفاقية الجديدة، بالإضافة إلى الأحكام والشروط الفرعية، وكذلك فعلت أيضا الفخذات والفخذات الفرعية المترحلة عادة في أعقابهم، ما عدى طبعا، اولاد لحسن.
وقد أثمرت هذه السياسة لعدة سنوات، بأن شكلت قبيلة الرقيبات (الذين وقعوا اتفاقية السلام عام 1917) حاجزا وقائيا بين الشمال وأدرار، إضافة لرضاهم بعلاقتهم الخاصة مع الإدارة الإستعمارية، وقد ساعدوا هذه الأخيرة على إجراء استطلاع في قلب أراضيهم.
في نهاية عام 1920 اجتمع (لُوزان أوكْييرا) بفصائل مهاريس موريطانيا، وشركة اتوات الجزائرية، في وسط الصحراء، ولم يكن ذلك ممكنا لولا مساعدة الرقيبات، الذين يتمتعون هناك بامتياز (الأجانب الأصدقاء) للحد الذي يصبح فيه الفرنسيون، غير قادرين على السيطرة على أراضيهم، ومع ذلك فهم أنفسهم من يمنح الوسائل (المرشدون والمرافقون) لتنفيذ المراقبة، التي تظهر هنا بذور التناقض الواضح في المصالح بين الرقيبات الخاضعين، وأولئك الذين ظلوا عاصين، ويصبح أكثر حدة داخل القبيلة.
بالنسبة للمقاومة، قسم السكان الـ”مور” المغاربة على الوجه التالي: قبائل المناطق المحتلة في موريطانيا والسودان الفرنسي سموهم عموما: “عبيد المسيحيين”.
“الأجانب الأصدقاء” رقيبات الساحل وأولاد ادليم التي مراعي أراضيهم، موصولة مع دائرتي؛ الترارزا، وأدرار، ويوصفون أحيانا “عبيد المسيحيين” حسب مقدار تعاونهم مع الإدارة الاستعمارية.
المقاومون وهم محاربو؛ “ريودورو” واد الذهب، وواد نون، ملتزمون بالجهاد (الحرب المقدسة) فهم يجمعون كافة الرحل بالأراضي الرعوية، التي لا اتصال لها بقوات الاحتلال، ناهيك عن الأفراد، أو العائلات، من أصول الأراضي المحتلة، الذين يلتحقون بالأراضي الحرة، هؤلاء المقاومين ينعتون “الأجانب الأعداء” من قبل الإدارة الكولونيالية، لذلك يهاجمون بانتظام، المراكز الفرنسية وقوافل التموين، وقوافل الملح، وقطعان جماعات الرحل، والسكان الخاضعين للمستعمر.
اسماعيل ولد باردي قائد الغزو
عملية الغزو، هي رحلة استكشافية حربية، كما كانت تقليدية بين بدو الصحراء العربية، وتتم القوى بتوحيد قبيلتين عربية، إنه التعبير العنيف (الغزو) عن توازن القوى الذي يوحد قبيلتين متجاورتين في حالة حرب.
هناك قاعدة معينة فيما يتعلق بميثاق الشرف، تحدد جزئيا، قدرات المقاتلين على وجه الخصوص، في الامتناع عن مهاجمة العدو ليلا، لأن ذلك غير مشرف للمقاتل، وكذلك المس بالنساء، والأطفال، وكبار السن، أو سرقة البضائع، والفراش، والأغراض الشخصية، والمغادرة، دون ترك جمل سليم على الأقل، تحت تصرف الأسرة، التي تمت مهاجمتها، مع تجنب إراقة الدماء، كلما أمكن ذلك.
فالهدف الرئيسي للغزو، هو اختطاف الماشية، (حرب اقتصادية) أكثر من قتل الخصم: إنها مسألة تخريب من أجل الإثراء، وليس للإبادة، كما يسعى المهاجمون أيضا إلى الاستلاء على السلاح، والذخيرة، وأحينا أخذ العبيد الذين يكونون أسرى من أصل سوداني، يأخذهم الجمَّالة المحتاجون لليد العاملة المتوطنة، فيُستخدَموا في الرعي، والعمل الأسري، ومع مرور الزمن يُدمجون في النسيج العائلي.
خلال السنوات الأولى للمقاومة اتخذ نضال الصحراويين شكل الغزو التقليدي، المعتمد بشكل رئيسي عمليات الاختطاف، وذلك كل خريف، أثناء حرارة الصيف، التي تتباطؤ فيها حركة المرور؛ فيشهد “عبيد المسيحيين” عودة المغيرين، كان العدد القليل من أفراد الجيش الفرنسي، الذين يضطرون إلى استخدام “البدو” للتحرك من أجل توفير الإمدادات، فيصبحون بالطبع هدفا مميزا لمقاتلي المقاومة، الذين اشتد قتالهم، ابتداء من العشرينيات، حيث كثرت هجماتهم، سواء على الجانب الفرنسي، أو الجانب الصحراوي الموالي لهم، مع ميل للتغيير والتنويع.
للرد والحماية، تقوم القوات الفرنسية بتجنيد المزيد والمزيد من المقاتلين المُور “المغاربة”، في وحدات المهاريس المجهزة للقيام بعمليات الاستطلاع المتكررة، ورسم الخرائط، بعدما تراجعت أساليبها في القتال.
الصحراويون أيضا ينظمون، ويفرقون قواتهم، ويركزون جهودهم، على مراكز ومعسكرات فصائل المهاريس، وقد أدى نجاح المسلمين المغاربة في الريف بالشمال إلى منح المقاومة الصحراوية، مرة أخرى أهمية خاصة، فزادت وتيرة الغزوات، التي كان اسماعيل ولد باردي، مشاركا في أهم معاركها الجريئة مثل:
وادان، شنكيطي، اشريريك اطرييفي، والتي بقيت أسماؤها حية في الحوليات الكولونيالية.
كان على الإدارة الفرنسية، أن تواجه الحقائق التي تقول بأن هؤلاء المقاتلين:
“لم يعودوا لصوصا بسطاء، مضطرون للعيش على الكفاف، الذي تتيحه موارد البلد بدون شك، ولكن محاربين حقيقيين، يجب التعامل معهم على هذا النحو من خلال تطبيق قوانين الحرب عليهم، طول الوقت بكل صرامة”.
carde, cjte par brissaux,archeves nationales de la mauritanie ,nouakchott,dossier
a.p.e/2/83,1838
كتب الحاكم العام لغرب إفريقيا الفرنسية في 1925 يجب انتظار بداية سنوات 30 حتى يأتي الجيش الإستعماري، ليتغلب على المقاومة، بفضل رفع عدد قواته المترحلة، وتجهيزها بالآليات والأسلحة الحديثة والطيران، بالتوازي مع تحسين العلاقات الفرنسية الأسبانية، تمَّ إعادة تنظيم مليشيات واد الذهب “ريودورو” ومنع بيع السلاح، في كاب جوبي، حيث شكل ذلك المحاولات الأولى لإسبانيا، في مراقبة حدودها الصحراوية.
صورة اسماعيل ولد باردي في التقاليد الشفهية
“يوم الحفرة” (معركة لخديم 23 أكتوبر 1924) يحكى لنا أن: إسماعيل ولد باردي ورفيقه، أحمد ولد حمَّادي قدم على رأس غزوة، وهاجم الجيش الفرنسي في ناحة وَدَان، ممتطين الخيول، والآخرون كانوا على ظهور الجمال، في شمال القرية يوجد معسكر سانكا، الذي يضم مجموعة البدو، التي تراقب جمال ركوب الكولون وهي ترعى في الأراضي العشبية المحيطة به، تمَّ مهاجمة القطيع، بعد شروق الشمس بقليل، وفقا لتقاليد حرب المغاربة الـ”مور” قتل أحمد رجلا، وأخذ سلاحه، اسماعيل قتل اثنين واستولى على سلاحيهما، وأصاب أحد مرافقيهما بجروح.
عندما امتطى أحمد حصانه، أطلق عليه كوميٌّ النار فأصابه في ساقه، واخترقت الرصاصة الحصان، لتضرب ساقه الأخرى، فسقط الحصان، وسقط معه أحمد، فركض نحوه إسماعيل لمساعدته، أمسكه بكلتا يديه، لكن الدابة، ازْوَرَّت به، فتضرر كثيرا وسقط، نهض إسماعيل من جديد، والبنادق الخمسة معلقة على كتفه، وأحمد بين ذراعيه، وركض تحت نيران الفرنسيين بحمولته، واحتمى خلف الكثبان الرملية، متحديا الخصوم.

تمكن المقاومون من الفرار مع مواشي مجموعة الرحل، ولما وصلوا لبئر المالحة، سقوا حيواناتهم، بينما منعوا الفرنسيين ومُشَايِعُوهم المقربين من الإقتراب من نقطة الماء، وبعد يومين من محاولات الأخيرين للاستلاء على البئر، اضطروا للمغادرة، خوفا من أن يقتلهم العطش.
عندما وضع كل الرقيبات تقريبا السلاح، بين سنوات 1933-1936، بقي إسماعيل ولد باردي في المنطقة الأسبانية، بينما سجلت فخذته في التراب الفرنسي.
واستمر هو يترحل مع أفراد عائلته المقربين، في وادي الذهب “ريودورو”، لغاية 1938.
اغتنم أشبال العائلة فرصة غيابه، في أحد الأيام الحرجة لاكتساب أهمية عدم الاعتماد عليه، فأعلن ادويديح في المقام الأول، توليه قيادة أشبال فخذة اولاد لحسن، حيث أصبح ممثلها الرسمي، لدى سلطات الاستعمار، في حين أن تلك السلطة اعترفت باستقلال مجموعته عن الفخذة الأصلية، كان أحمد بابا ولد درويش أساس عائلة حليفة لإسماعيل، مشهور بسبب رسائله الدينية التي كان يبعثها للمناداة بالجهاد، في غياب الرئيس الشرعي.
في 1940 كان زمن القتال قد ولى، فأراد إسماعيل ولد بردي توحيد فخذته من جديد، تحت سلطته، واستعادة دوره، كشيخ على اولاد لحسن، لكن السمعة السيئة التي كان قد اكتسبها لدى السلطات الفرنسية، شخصيته الكاملة والفخورة، وأخيرا فقره، -ضيع كل ثروته- لم تلعب لصالحه، إذ رفضت فخذته الصغيرة المدعومة من الإدارة الإستعمارية، إعادة الإعتبار له، ومنحه اللقب الذي كان له كشيخ عليها، فما كان منه، مع عشيرته المقربة، إلا أن ابتعد عن مضارب الفخذة، وأرض المرعى المجاورة للمراكز الفرنسية، والمسرح السياسي، والمشاورة في أية تسويات.
بعض التقارير السياسية لدائرة أدرار، التي يترحل بها اولاد لحسن، لاتزال تذكر حضوره في السنوات الأخيرة:
“1942 إسماعيل ولد باردي، متعب، دون تأثير، دائما معارض مع ادويديح… رئيس بلا أهمية، فقير، ويعيش على حساب الأخرين”.
“1943 أهل باردي: فخذة صغيرة دون أهمية، رئيسها مخادع وعنيد”.
“1946 إسماعيل تظاهر بالموت، من أجل المصلحة العليا”.
consultes aux archives nationales nouakchott,mauritanie
ربما لم يكن إسماعيل ولد باردي يتمتع بالذكاء السياسي، الذي يتمتع به محمد ولد خليل، لم يكن يعرف حتى كيفية حشد فصيله لآرائه، كما أنه لم يكن يعرف كيف يتخلى عن مشاجراته الشخصية، ولم يكن لديه بلا شك، أي مهارات دبلوماسية، ومع ذلك، فهو بلا شك، مقاوم مخلص، وهو شيخ الرقيبات الوحيد الذي اختار خسارة مزايا رتبته، لمحاربة الإستعمار الفرنسي، فرغم أن فخذته استسلمت كلها، للحفاظ على مراعيها التي تقع في المنطقة الفرنسية، وحده خاطر بخسارة كل شيء، دفاعا عن دينه، ورفضا للإستعمار المسيحي.
لذك يعتبر إسماعيل بالنسبة للرقيبات، أحد كبار وجوه المقاومة، المناهضة للاستعمار، وقد توفي معزولا في فقر مدقع سنة 1972.
(ودفن رحمه الله بالسمارة، وقبره معروف).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنظره في:
Sophie Caratini:
ismael ould bardi, hero de la resistance saharienne
Revue des mondes musulmans et de la mediterranee /1986/41-42/pp158-166



