إشراقة مكية: الجمع بين الحالين
هوية بريس – د. عبد الله الشارف
إن من بين الأحوال التي يصعب على المسلم التمكن منها والتحقق بها؛ حال الانقطاع إلى الله واﻻستعداد للقائه، ﻷن التحقق بهذا الحال يستلزم إخراج أو طرد حب الدنيا من القلب، والزهد في حظوظ النفس واﻹعراض عن رغباتها وميولاتها وأهوائها، مع الاجتهاد في العبادة واﻹقبال على الله والمسارعة إلى فعل الخيرات.
وهذه الشروط واﻷعمال ثقيلة على النفس لكون التخلص من العادات والمألوفات وكل ما تأنس به النفس وتميل إليه من الدنيا أمر غير يسير بل دونه بيض اﻷنوق. ولذا تجد معظم المسلمين معرضين وغافلين عنه.
بيد أن المسلم الفطن اللبيب التقي النقي الذي يدرك بقلبه الفرق الكبير بين ثمرات ونعيم حال المنقطع إلى الله، وثمرات ونعيم حال المنقطع إلى الدنيا، تجده يسعى ويجتهد دوما في اﻹقبال على الله، وهو في الوقت نفسه يتمتع بما أحل الله له من نعم الدنيا وطيباتها. بل تجده يتنعم بها وهو في حال الانقطاع إلى الله واﻹقبال عليه، تنعما لم يذق منه المنقطع إلى الدنيا عشر معشاره ولا أقل من ذلك.
وهكذا فإن الجمع بين حال اﻻنقطاع إلى الله واﻹقبال عليه وحال الاستخلاف في اﻷرض وممارسة الحياة كما أمر الله، هو النموذج أو الوضع اﻷمثل للحياة النافعة في الدنيا واﻵخرة.
إن المسلم الذي تحقق بالجمع بين ذينك الحالين يجني من الثمرات والمعاني الروحية والمعرفية ما لا يخطر ببال من لم يتحقق بذلك.
منها: أن الله يمن عليه بمنح وعطايا لها علاقة بمقامات رفيعة مثل الرضا والطمأنينة واليقين واﻷنس بالله ومحبته والمسارعة الى مرضاته.
ومنها: أنه يعيش حياة اﻷمن والسكينة في حين يتخطف الغافلون من حوله بسبب بعدهم عن الله.
ومنها: أن الله يتولى شؤونه الدنيوية فييسر أموره وحوائجه. وإذا تعسر عليه أمر ألهمه الصبر ريثما ينعم عليه بالفرج.
ومنها: أن الله يحبب إليه العبادة والذكر وقراءة القرآن وطلب العلم والتفقه في الدين. وهي عطايا ومنح يخص الله بها من يشاء من عباده وأصفيائه. ولذا تجد أكثر المسلمين معرضين عن العلم الصحيح النافع وعن قراءة القرآن وتدبره والعمل به.
ومنها: أن الله يفتح قلبه للدعوة إليه ونشر دينه وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه، وبذل النصيحة للمسلمين، وممارسة وظيفة اﻹصلاح قدر استطاعته.
تلك بعض أهم نتائج وثمرات تحقق المسلم بالجمع بين حال الانقطاع إلى الله والاستعداد للقائه وحال الاستخلا ف في الأرض وممارسة الحياة كما أمر الله سبحانه.