إشهار القمار بالمغرب وإسلامية الدولة
هوية بريس – عابد عبد المنعم
عند التوقف لدى إشارات المرور أو خلال التجول على الأقدام تصادف المواطنين لوحات إشهارية لشركات قمار.
هذه الإشهارات التي تغري المغاربة بالمشاركة لتحقيق الربح السريع، تصنفها المؤسسة الدينية الرسمية ضمن دائرة كبار الذنوب.
الدكتور رشيد بنكيران اعتبر أن “من الأشياء المصادمة للشرع والمخالفة لأعلى المؤسسات الرسمية في البلاد والمضرة بمصلحة المجتمع وجود لوحات إشهارية كبيرة للقمار وهي تصادف المواطن في الطرقات بعدة مدن مغربية؛ لوحات إشهارية مرخص لها تزين للمشاهد لعب القمار أو الميسر وتغريه بعبارات خادعة تخاطب اللاشعور فيه حتى يقع في فخها”.
وأضاف رئيس مركز غراس للتربية والتكوين في تصريح لـ”هوية بريس” “لك أن تتساءل أيها القارئ كيف يسمح المسؤولون الموقعون على رخصها بإشهار شيء يصادم الشرع؛ فتحريم القمار أو الميسر مجمع عليه في الإسلام، فجميع المذاهب الإسلامية ـ بما فيها المذهب المالكي الذي يتشرف بلدنا باتباعه ـ تحرم تعاطي القمار أو الميسر وتمنع جميع السبل المفضية إليه، والنصوص الشرعية صريحة في ذلك، ومن بينها قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90]، فالآية وصفت الميسر -أي القمار- بأنه رجس، والرجس هو وصف لكل الأعيان الخبيثة خبثا معنويا أو ماديا، والقمار خبثه معنوي، وتأكيدا لخبثه أضافته الآية إلى الشيطان؛ (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ)، مما يدل على تحريمه وأنه من الكبائر. فلا جرم أن تكون تلك اللوحات الإشهارية للقمار حبائل من عمل الشيطان، إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه كيف يتأتى لمسؤول يفترض أنه مسلم ويوقع على رخص حقيقتها أنها حبائل من عمل الشيطان.
كذلك لك أن تتساءل أيها القارئ كيف يسمح هؤلاء المسوؤلون بإشهار شيء يخالف أعلى مؤسسة رسمية في البلاد، التي تتمثل في المجلس العلمي الأعلى الذي يرأسه ملك البلاد بصفته أمير المؤمنين، فقد صدرت عن هذا المجلس فتوى تقضي بتحريم القمار، فوجود لوحات إشهارية في الطرقات تدعو المواطنين إلى لعب القمار تحدي صارخ لهذه المؤسسة الرسمية وتعريضها للاحتقار من طرف المواطنين، فما معنى أن تفتي تلك المؤسسة العليا بتحريم القمار وغيرها من مؤسسات الدولة تدعو إليه وتشجع انتشاره وتوسعه في البلاد.
وأيضا لك أن تتساءل أيها القارئ كيف يسمح هؤلاء المسوؤلون بإشهار شيء ضرره يقيني ومتفق عليه بين الناس، ومفاسده لا تخفى على أحد، فالإسلام لا يحرم شيئا إلا إذا كانت مفاسده ظاهرة وراجحة على مصالحه؛ فكم من الأسر التي شردت بسبب لعب رب الأسرة القمار، وكم من شاب ضاع مستقبله بسبب تعاطي هذا الرجس؛ فالقمار يجعل الإنسان يعتمد على الحظ والأحلام الفارغة لتأمين مستقبله، لا على العمل الجاد واتخاذ الأسباب التي وضعها الله وأمر بسلوكها، فتضيع زهرة عمره في البحث عن السراب. وما ذكر من المفاسد لا يعد إلا القليل أمام المفاسد الموجودة بسبب القمار، فالله المستعان على مصير أبناء هذا الشعب بوجود أمثال هؤلاء مسؤولين الذين يسعون في الأرض فسادا”.
الدكتور يوسف فاوزي أشار بدوره أنه “من نافلة القول أن الشريعة الإسلامية جاءت بمقصد حفظ المال، لأن المال مال الله والإنسان مستخلف فيه، ولتحقيق هذا المقصد الشريف حرم الشرع أكل أموال الناس بالباطل، بتحريم جملة من البيوع كالغرر والغبن الفاحش وتلقي الركبان وغيرها، كل هذا حفظا لأموال الناس ودرء لمفسدة العداوة والبغضاء بين المسلمين.
ومن الأمور المحرمة لقصد حفظ المال الميسر وهو القمار القائم على مشاركة مجموعة من الناس في لعب بالمال على عوض، فمن ربح منهم أخذ مال منافسيه، وكان في الجاهلية معروفا بين العرب بالميسر، فلما جاء الإسلام جاء بتحريمه.
قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة:91-92.
فوصفه سبحانه وتعالى بالرجس، والرجس كما قال ابن عباس: أي: سخطٌ مِن عمل الشيطان، وقال سعيد بن جُبَيْر: إثم، وقال زيد بن أَسْلَم: أي شَرٌّ مِن عمل الشيطان.
والعلة في تحريمه واضحة في الآية الكريمة وهي إرادة الشيطان لـ(أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ).
فجاءت الشريعة الغراء حاسمة في سد باب مفسدة القمار.
وكذلك السنة جاءت مؤكدة على هذا التحريم، فعن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: {من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق} متفق عليه.
وعلى هذا إجماع علماء الملة لا يعرف فيه مخالف.
وحول الحكم القانوني للقمار بالمغرب، كشف أستاذ الشريعة بجامعة ابن زهر، في تصريح لـ”هوية بريس” أن الدستور المغربي ينص على المرجعية الإسلامية للمغاربة، فالإسلام دين يستند إليه في الأحكام الشرعية وغيرها، ومن هنا كان حكم القمار واضحا جليا لا غبار عليه.
وإذا دققنا أكثر في المرجعية القانونية فسنجدها مطابقة للنظر الفقهي، وهذا ما يعبر عنه قانون الالتزامات والعقود المغربي، في الفصول 1092 و1093 و1093 و1094 و1095 و1096 و1097 التي جرمت القمار، واعتبرت كل التزام سببه دين المقامرة أو المراهنة يكون باطلا بقوة القانون وأبطلت كل ما يجري من اعتراف ومصادقة على ديون يرجع سببها إلى المقامرة أو المراهنة في تاريخ لاحق لنشوئها.
غير أن القانون يعتبر الشركات المرخص لها بتنظيم ما سماها بمسابقات اليانصيب لا تدخل في حيز الممنوع قانونيا، لكونه يعتبر مدخلا اقتصاديا وسياحيا، لكون أغلب المشاركين في نوادي القمار أجانب! في حين أن الواقع يشهد بانتشار محلات اليانصيب (القمار) كانتشار البقلات والمحلبات!!
لكن من باب تأويل القانون رخصت الدولة لمؤسسات القمار في مزاولة نشاطها تحت مسميات جديدة لا نملك القول عنها إلا أنها مخالفة للشريعة الإسلامية التي بين حكمها القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع علماء الملة.
فكيف يعتبر القمار محرما شرعا ممنوعا قانونا مسموحا به تحت مسميات أخرى؟؟
وحول مفاسد القمار على الفرد والمجتمع شدد د.فاوزي أن الحديث عن مفاسد القمار على الفرد والمجتمع يطول، لكن ربما نجمل هذه المفاسد في النقاط التالية:
1- القمار سبب أكل أموال الناس بالباطل لأن المشترك يفقد ماله بخسارته.
2- إن مدمن القمار يعرض نفسه للإفلاس بسبب الحاجة للمال قصد طلب الربح.
3- القمار سبب من أسباب التفكك الأسري، فكثير من الأزواج المدمنين على القمار يعرض أسرته للتهميش والتشرد والتجويع مقابل توفير مال للمشاركة في القمار.
4- القمار سبب في انتشار العداوة والبغضاء بين المشاركين فيه، وهي عداوة قد تتطور في بعض الحالات إلى الاعتداء الجسدي.
5- القمار سبب في انتشار جرائم السرقة، نظرا لكون بعض الشباب المدمن على القمار يلجأ للسرقة لتحصيل سيولة نقدية للمشاركة في القمار.
6- القمار سبب في البعد عن الله سبحانه وشعائره كما ورد في الآية الكريمة من سورة المائدة.
7- القمار يسبب أزمة اقتصادية، فالغلاف المالي الهائل الذي يصرف في مسابقات اليانصيب كفيل بتوفير حركية اقتصادية إذا تم تصريفها في الجوانب الإيجابية بدل حصرها في سبيل ربح شركات مخصوصة.
إلى غير ذلك من المفاسد التي لا تخدم الفرد والمجتمع برمته، والواجب على العقلاء في هذا الوطن إعادة النظر في القوانين المنظمة لنشاط شركات اليانصيب، حتى تكون ملائمة لديننا الإسلامي الحنيف، متماشية مع الصالح العام، بدل غض الطرف عنها خدمة لشركات محصورة، وبالله التوفيق.
تجدر الإشارة أنه يوجد في المغرب أكثر من 4000 نقطة بيع لمنتجات شركات القمار، موزعة في جل المدن المغربية، وغالبية من يمرّ بجوار هذه النقاط (أكشاك.. محلات.. مقاهي) يثيره طابور المصطفين الذين يجلسون على الرصيف، أو فوق دراجاتهم الهوائية أو النارية، أو داخل سياراتهم، وهم منهمكون في تعبئة أوراق اليناصيب ولعب الطوطوفوت والكوتي سبور واللوطو والكواترو والتيرسي وغيرها.
فرسميا ومنذ أن أصدر المارشال ليوطي ظهير القمار المؤسس لـ(PMUM)، وحتى سنة 1962 تاريخ إنشاء الشركة المغربية للألعاب والرياضات، وإلى قانون 33 دجنبر 1971 الذي تمت بموجبه مغربة شركات القمار الفرنسية، أصبحت الدولة المغربية هي الحاضنة للقمار عبر ثلاث شركات عمومية وهي:
– الرهان التعاضدي الحضاري؛ التابعة لوزارة الفلاحة والصيد البحري ومن أشهر منتجاتها التيرسي والكوانتي والكوارطي.
– المغربية للألعاب والرياضات؛ وهي شركة تابعة لوزارة الشباب والرياضة ومن أهم منتجاتها الكرونو وتوتوفوت والكوتي سبور.
– اليناصيب الوطني؛ الخاضعة لرقابة صندوق الإيداع والتدبير وهي المكلفة بكل ألعاب الحظ الرقمية أهم منتوجاتها كواترو والكينو واللوطو.
