إصدار جديد: “قضايا أهل الذمة في النوازل السوسية من القرن 9 هـ إلى القرن 14 دراسة تحليلية”
هوية بريس – قدمه: د. يوسف الحزيمري/ أستاذ باحث
صدر عن مركز جزولة للدراسات التراثية بأكادير كتاب للدكتور “عبد الرزاق أعويس” الموسوم بـ: “قضايا أهل الذمة في النوازل السوسية من القرن 9 هـ إلى القرن 14 هـ دراسة تحليلية” في طبعته الأولى لسنة: 1445هـ/2024م هو في أصله رسالة جامعية نال بها درجة الدكتوراه في الشريعة من جامعة ابن زهر كلية الشريعة آيت ملول سنة 2010م.
والكتاب من الحجم المتوسط في حدود 480 صفحة، قدم له الدكتور “إحيا الطالبي” من جامعة ابن زهر بأكادير، تقديما أشاد فيه بالباحث كونه من الطلبة المعروفين بالجد والاجتهاد، والمثابرة في التحصيل والدراسة، كما أشاد فيه بالبحث موضوع الكتاب كونه من المواضيع الهامة التي لا تخفى أهميته التاريخية والعقائدية والاجتماعية إذا علمنا أن فقه النوازل يمثل الوجه المشرق للفقه المالكي.
وقد استطاع الدكتور “عبد الرزاق أعويس” بما واتاه من سعد السعود حسب تعبير المقدم للكتاب أن جمع ثروة نوازلية نفيسة من خزائن سوس الخاصة فأتحف الباحث والقارئ بنوادر النصوص التي تتضمن إشارات تاريخية واجتماعية فيما يخص قضايا أهل الذمة ببلاد سوس.
بعد تقديم “إحيا الطالبي” نجد مقدمة الباحث التي تحدث فيها عن ارتباط المسلم بدينه في جميع شؤونه وعودته إلى الكتاب والسنة في جميع ما يعرض له في حياته من مستجدات، وأن الناس مهما أحدثوا من فجور تحدث لهم قضايا تتطلب إصدار حكم شرعي، وهو ما يسمى علميا “بفقه النوازل” وقد شاع هذا العلم وانتعش في بلاد الإسلام، وكان لهذا القطر المغربي فيه جولات وصولات ومنه البلاد السوسية لما عرفت به لموقعها الجغرافي الذي يمثل صلة وصل بين الجنوب والشمال ولما عرفته من أحداث تاريخية مهمة فاعلة ومؤثرة في تاريخ المغرب، ولما شهدته من تعايش اجتماعي واقتصادي بين المسلمين وغيرهم من أهل الذمة في أمور الحياة والكسب والمواطنة والديانة.
كما أشار فيها إلى منهجه في ترتيب المادة الفقهية في الكتاب وذلك أنه حرص على تحقق
شرطين في النوازل الفقهية المعتمدة
أولهما: أن تكون النازلة تامة المبنى واضحة المعالم مكتملة العناصر بما في ذلك: نصا السؤال والجواب، واسم المفتي وصفته، واسم المستفتي إن وجد، ومكان النازلة، وزمانها، وموضوعها، وأحداثها، وأطرافها.
والثاني: أن تجيب الفتوى إجابة كافية تحيط بجوانب المسألة المستفتى عنها.
وعقب المقدمة بمدخل تمهيدي تحدث فيه عن أن أخطر الحروب التي تخوضها البشرية هي مقارعة الفكر بالفكر، وإن البحث في النوازل الفقهية هو من هذه المقارعة، وأنه كفيل بإظهار الصورة المشرقة للإسلام في تعامله مع الآخر وخصوصا أهل الذمة، وذلك في ظل ما يعرفه العالم من صراعات هي في الأساس دينية، وإن كانت تظهر مغلفة في أساسات أخرى سياسية وغيرها.وأن هذا البحث أيضا هو ترجمة حقيقية لدعوة الإسلام إلى الكلمة السواء، وأنه كفيل أيضا بتحقيق ما عجز عنه النقاش الفلسفي العقيم الذي لا يحترم قواعد التواصل العلمي الجاد ولا ضوابط الحوار السليم وشروطه.
وعموما فالبحث حسب صاحبه هو مساهمة عظيمة الشأن في حوارنا مع الأقليات غير المسلمة في مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة، ولبنة أساس من أجل تحقيق حلم حضاري كبير أضحى يطوق أعناق الغيورين على مستقبل الإسلام.
كما تحدث فيه أيضا عن كون التراث النوازلي الفقهي بالمغرب والأندلس عموما وببلاد سوس خصوصا يعد أنموذجا قيما لعرض القضايا الفقهية المرتبطة بأهل الذمة وذلك لا عتبارات منها حب المغاربة لفقه إمام دار الهجرة، وأنهم تواقون لا كتشاف الجديد الوافد من الثقافات والمعارف المختلفة وطبعها بطابعهم الخاص، وأن موقعهم الجغرافي بين القارات الثلاث بوأ بلادهم مكانة جعلته ملتقى لهجرات أجناس بشرية عديدة على اختلاف الملل والنحل والأجناس والأعراق، وختم هذا التمدخل التمهيدي ببيان الهدف العام من الدراسة وهو ما تثيره هذه الثروة الفقهية الهائلة من تساؤلات وخواطر واستطرادات وقضايا فقهية وفكرية وثقافية في أفق حوارنا مع الذات أولا ومع غير المسلمين ثانيا.
وقد انقسم البحث في موضوع الكتاب إلى بابين، كل باب يشتمل ثلاث فصول، الباب الأول خصه لتناول فقه النوازل في سوس وارتباطه بقضايا أهل الذمة والذي بحثه في فصل أول للتعريف بأهل الذمة لغة واصطلاحا وفي اصطلاح الفقه النوازلي السوسي، وفصل ثان تحدث فيه عن وضعية الذميين في بلاد الإسلام من خلال التكييف الشرعي والقانوني لعقد الذمة وحقوق أهخل الذمة وواجباتهم في دار الإسلام والتصرفات التي تنقض عقد الذمة، وفصل ثالث تحدث فيه عن قضايا أهل الذمة في الفقه النوازلي السوسي من خلال أربع مباحث رام فيها بيان التعريف بإقليم سوس من حيث المجال والمجتمع، ونبذة حول أهم أحياء أهل الذمة في سوس في القرن الرابع، ونبذة عن نشأة الفقه النوازلي السوسي وطبيعة مواضيعه الفقهية، وجرد عام لنماذج القضايا أهل الذمة في الفقه النوازلي السوسي.
أما الباب الثاني فكان دراسة تحليلية لفتاوى أهل الذمة في الفقه النوازلي السوسي تناول في فصله الأول عوامل ازدهار فتاوى أهل الذمة في المجتمع السوسي من خلال العامل الديني والتربوي، والعامل الاقتصادي والاجتماعي والعامل التاريخي والسياسي، وفي فصله الثاني بحث فيه الأصول الاجتهادية لفتاوى أهل الذمة ومصادرها في الفقه النوازلي السوسي وفي الفصل الثالث تحدث عن مميزات فتاوى أهل الذمة في الفقه النوازلي السوسي وقيمتها العلمية.
ثم أعقب البابين بملحق نصوص الفتاوى الفقهية الواردة في مسائل أهل الذمة مرتبة على الأبواب الفقهية وقد بلغت 67 فتوى في مواضيع مختلفة.
وختم بحثه بخاتمة ضمنها نتائج بحثه والمتمثلة في أنه:
-من خلال ما راج من النوازل والأقضية على مر عصور النهضة الفقهية في سوس، وعلى اختلاف الموضوعات والمجالات التي شملتها الفتاوى السوسية موضوع الدراسة، يتضح أنه آن الأوان لأعداء الاسلام كي يتعرفوا تفاصيل الرسالة السماوية الخاتمة، ويسلكوا المناهج العلمية الصحيحة لفهم مثلها العليا وإنصاف شريعتها العادلة، على نحو يؤسس لقراءة نقدية أكثر عمقا وموضوعية، وأبعد ما تكون عن زيف العواطف المحمومة والأحكام الجاهزة.
-أن النوازل السوسية التي تطرقت لموضوعات “أهل الذمة”، لئن كانت قد انفتحت على أهم مصادر التراث النوازلي المالكي في الغرب الاسلامي ورموزه وأعلامه، وارتبطت بها ارتباط الاصل بالفرع في عشرات القضايا الفقهية التي أحالت عليها أجوبة السوسيين بصورة مباشرة نصا وحرفا كما رأيت، ولكن هذا لم يزد هذه الثروة الفقهية إلا ثراء وحيوية وبركة على أهلها من المفتين والقضاة الذين ظلوا أوفياء للمكانة الاجتماعية الرفيعة التي تمسكوا بها حتى في وجه الساسة والحكام، بل في أحلك الفترات التاريخية التي عصفت بالاستقرار السياسي والاجتماعي في المنطقة؛ ولعل سر النبوغ الذي سجله التاريخ للنوازل السوسية في هذا المضمار، هو أنها تركت بصمات سوسية خالصة في هذا التراث، أحيت مصادره، وأغنت محاوره، ونوعت مضامينه، وأغدقت عليه من جزئيات القضايا الفقهية الشائكة أحيانا والطريفة أحيانا أخرى، ما زاد من اشعاعه العلمي والحضاري إلى أبعد الحدود.
-ومما أسفر عنه البحث أيضا أنه كشف الغطاء عن أعلام مرموقين يعدون في تاريخ الفقه المالكي بالمغرب قمما عالية في العلم والدين والوقار والمروءة والتواضع . هم رجال عظام أنجبتهم سوس الفقيهة، فآثر معظمهم العيش في كنفها والاستقرار بجبالها ووهادها إلى أن قضوا نحبهم، عدا من دعاه منهم داعي فراق الأهل والوطن وتجشم أعباء الرحلة إلى أقطار نائية جدا بالمغرب أو خارجه.
كما ضمت الخاتمة توصيات ومقترحات تمثلت في الدعوة إلى العمل على تطوير مناهج التعليم العالي في جامعاتنا الإسلامية وخاصة في شعب علوم الفقه وأصوله لإعداد علماء مبرزين متمكنين من قواعد هذا النوع من الفقه.
وأنه على الجامعات الإسلامية والمعاهد الدينية والجمعيات الثقافية الواعدة في بلاد الإسلام، أن تأخذ على عاتقها رسالة المحافظة على تراث الفقه النوازلي القديم والحديث، وصيانته وفسح المجال للاستفادة منه على أوسع نطاق، ولا سيما منه التراث المخطوط الذي يقبع حاليا بكبريات الخزائن العامة والمكتبات المتخصصة في المتاحف الغربية وغيرها … مع العمل على استثمار وسائل التكنولوجيا الحديثة لتقريب المادة الفقهية من الباحثين وطلبة العلم، واعتماد المصوغات القانونية والبرامج العملية الكفيلة بتحقيق هذه الغاية.
وأيضا العمل على إصدار نشرات أو مجلات دورية متخصصة من الجامعات الإسلامية والمعاهد العليا ومراكز البحوث والإفتاء في العالم الإسلامي، تعنى بنشر الثقافة الفقهية، وتعرف ببعض النوازل المعاصرة وحلولها الفقهية، وخصوصا خصوصا في موضوع الجاليات الكافرة التي تعيش في قلب المجتمعات الإسلامية، وموضوع الأقليات المسلمة في ديار المهجر بين كيانات الكفر، وذلك تحت إشراف ومراقبة لجنة من كبار العلماء والجامعيين المتخصصين تحذو حذو بعض المحاولات الفريدة المتفرقة هنا وهناك في هذا الباب، لأن هذا العمل من شأنه أن يتتبع قضايا الإسلام والمسلمين بشكل مستمر، ويعرف بأنواع النوازل المستجدة في وقتنا المعاصر، وموقف الشريعة الإسلامية منها.
وذيل بحثه بملحق للخرائط والوثائق والإشارات التاريخية. ولائحة للمصادر والمراجع المعتمدة في البحث.
إذن ينتج لنا أن موضوع البحث هو القضايا المستحدثة أي النوازل التي نزلت بأهل سوس من بلد المغرب كما هو محدد جغرافيا بالبحث في نطاق زمني هو ستة قرون من القرن التاسع إلى القرن الرابع عشر الهجري في علاقتهم بأهل الذمة والعهد من النصارى واليهود وغيرهم في العقيدة والمعاملات حيث توسل البحث بمنهج تحليلي رام به اكتشاف عناصر موضوع البحث من أجل غرض خاص هو الهدف من الدراسة.