إصدار كتاب “جمال التواضع وجلال التخشع” للأستاذ حماد القباج
هوية بريس – متابعة
قريبا في الأسواق: كتاب “جمال التواضع وجلال التخشع” للأستاذ حماد القباج، وعدد صفحاته: 188.
كتب المؤلف في موقعه: “ترقبوه في معرض الدار البيضاء الدولي للكتاب المبرمج بين: 7 و17 فبراير القادم، وفي العديد من مكتبات المملكة المغربية”.
ثم نقل مقدمة الكتاب:
“بسم الله الرحمن الرحيم
أحمدُ مَن أمرنا بالتفقه في الدين، وأشكر من شرّفَنا بالسجود له خاضعين، وأصلي وأسلم على خاتم النبيين؛ سيد العابدين وإمام المتقين، وعلى آله الطيبين وصحابته الغُرّ المُحَجّلين.
يحاول هذا الكتابُ أن يقدم أجوبة فقهية ميسرة على الأسئلة التي يطرحها المسلم حول السجود المتعلق بتلاوة القرآن الكريم.
وهو أحد أنواع السجود الخمسة التي شرعها الله تعالى لتكون تعبيرا عميقا عن خضوع الإنسان لخالقه وانقياده لأمره؛ وهي: سجود الصلاة، وسجود القرآن، وسجود الشكر، وسجود الآيات، وسجود السهو في الصلاة.
ولكل واحد من هذه الأنواع أحكامٌ فقهية وآداب شرعية مبسوطة في كتب الفقه.
ومهما كانت تلك الأحكام والآداب هامة؛ فإن أهميتها لا تكتمل إلا بعد وضعها في إطارها الإيماني، وربطها بمقصد تزكية النفس؛ ارتقاءً بها في مدارج الإحسان، وتجسيدا لمفهوم العبودية الواعية في سلوك الإنسان..
إن المسلم حين يبادر إلى السجود ويخر للذقن؛ فإنه يقول بلسان هذا الحال: إنني ملتزم بميثاق العبودية، وَفِيٌّ لعهد الإخلاص لخالقي وولي نعمتي، ومن به معاشي وإليه معادي سبحانه وتعالى ..
وبهذا يكون السجود تجديدا مستمرا لعهد العبودية التي تتأسس على كمال المحبة وكمال التواضع؛ فهو أشبه ما يكون بمفكرة منهجية تساعد الإنسان على التخلص من آفة الغفلة ودوام استحضار ذلك العهد الذي ذكره الله تعالى في قوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172]
إن إدراك هذا المعنى وتذوقه؛ يؤكد للمسلم أهمية المحافظة على ورد القرآن الكريم، والمواظبة على قدر يومي من التلاوة، ووتيرة جيدة من عدد الختمات؛ لأن كل ختمة تشتمل على خمسة عشر موطنا يحصل فيه ذلك التذكير؛ من خلال معانٍ جليلة يبقى بسبب تدبرها ذلكم الميثاقُ حيا في النفس متجددا في قوتها الإدراكية.
ومن الإحسان في سجود القرآن؛ أن تجعل سجدة الآية محطةً لتَدَبُّر معانيها واستكشاف أسرارها وتطلُّب بركاتها، وخلقِ عزيمة قوية تُترجم تلك المعاني إلى سلوك يقرب إلى الحق، ويفيض بالخير على الخلق ..
قد يكون المسلم مدركا لأهمية هذا الأمر؛ غير أنه لا يتوفر على ثقافة فقهية في الموضوع، وقد تكون ثقافته الفقهية جيدة؛ غير أنه لا يستحضر تلك المعاني ولا يحركها في قلبه أثناء ممارسته لهذه العبادة التي لا تَنضُج ثمراتُها ولا يُستوفى حقُّها إلا بالجمع بين معرفة الحُكْم واستحضار الحِكمة، وبين العمل بالآداب والتأمل في الفلسفة ..
من هنا حرصت على خدمة القارئ المسلم بهذا الكتاب؛ الذي يحاول ملامسة البُعدَين، والتذكير بالمَطْلَبَين.
ولما كان موضوع التعبد توقيفيا؛ فقد فصّلتُ القول فيما يتعلق بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية وكذا بالآثار عن الصحابة رضي الله عنهم[1]؛ سواء من جهة ثبوت اللفظ أو من جهة وضوح المعنى وسلامة منهجية الاستدلال والاستنباط.
وهذا التفصيل وإن كان يستلزم مجهودا من الكاتب والقارئ؛ إلا أن كل مجهود يهون في سبيل الوصول إلى معرفةٍ -موثَّقَة المراجع منضبطةِ المنهجية-؛ ترتقي بالإنسان في معارج القرب، وتغمر حياته بنفحات الأنس والسكينة.
وما قيل في حكمة سجود القرآن يقال نحوُه في باقي أنواع السجود؛ فسجود الشكر تعبير عن اعتراف المسلم بفضل الله عليه ورحمته به، وأن ما به من نعمة فمن الله؛ فيرد الفضل إلى صاحبه ولا يسمح للنعمة بأن تكون سببا لطغيان النفس الأمارة بالسوء وتمردها على عهد العبودية لولي النعمة وصاحب المنة سبحانه وتعالى..
وحين ينسى المسلمُ واجبا من واجبات الصلاة؛ فإنه يبادر إلى سجود السهو ولا يقوم من مكان الصلاة حتى يسجده؛ وكأنه يعتذر بذلك لربه، ويؤكد بأن نسيانه لذلك الواجب في ذلك الوقت المحدد؛ ليس نسيانا لعهد العبودية ولا تفريطا في التزام مبادئها؛ وإنما هي هفوة تؤكد ضعف الإنسان الذي به يختلف عن ملائكة الرحمن ..
هذه المخلوقات النورانية التي هي في عبادة مستمرة وسجود متواصل؛ كما وصفها خالقها جل وعلا بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206]
وهذه هي أول آية من آيات سجود التلاوة في ترتيب سور المصحف الشريف؛ وكأن تشريع السجود في هذا الموطن يقول للمسلم: أكثر من السجود ونافس في ذلك أهل السماء؛ الذين أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون؛ أَطَّتِ السماء وحُق لها أن تئط؛ ما فيها موضع أربع أصابع إلا عليه مَلَكٌ ساجد“.
ومن هنا شرع الله تعالى سجود الصلاة؛ الذي يسجد فيه المسلمُ: 34 سجدة في اليوم في صلاة الفريضة، ويضيف إليها: 24 سجدة أخرى إذا كان مواظبا على السنن الرواتب، ويسجد 26 سجدة أخرى إذا كان يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في عدد ركعات قيام الليل، ويزيد على ذلك كله: 16 سجدة إذا كان مواظبا على صلاة الضحى.
فتلك: 100 سجدة يدخل بها في غمار المنافسة للملائكة في باب التعبد بالسجود.
وهكذا سجود الآيات الذي ذكره الله تعالى عن سحرة فرعون حين سجدوا لله تعالى لما رأوا آية من آيات الإيمان: {وألقي السحرة ساجدين} [الأعراف: 120]
وقد أخبر الله تعالى عنه في غير موضع من القرآن؛ تنويها بمبادرتهم إلى الرجوع عن تمردهم على ميثاق العبودية بعد أن رأوا ما يذكرهم بعظيم قدرة الخالق سبحانه.
وبعض أهل العلم يسمي هذا: سجود الإسلام؛ ومنه: سجود قبيلة خثعم لما أرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه.
فهذه الأنواع الخمسة كلها: مذكرةٌ منهجيةٌ بميثاق العبودية بين الإنسان وخالقه.
وبعد؛ فقد عَنْوَنتُ هذه الطبعة من الكتاب بعنوان: “جمال التواضع وجلال التخشع“؛ لأن الخضوع[2] مُكَوّن أساسي من مكونات العبودية للرب سبحانه؛ والتواضع تعبير مظهري عن مفهوم الخضوع، والتخشع[3] تعبير باطني عنه.
إن التواضع من أجلّ الأخلاق وأبهاها منظرا وأكثرها جمالا؛ وأحسنُه وأجملُه السجود لله تعالى؛ وهو قدر من التواضع لا ينبغي إلا لله رب العالمين، كما أن العبادة قدر من الحب لا يجوز إلى لله سبحانه؛ فمن توجه بهما إلى غير الله ذَلّ، ومن أخلصهما لله عَزّ:
وإذا تذلّلَتِ الرقابُ تواضعا منا إليك فعِزُّها في ذُلها
وحين يلتقي جمال ذلك الحب، مع جمال ذلك التواضع؛ يُوَلِّدان: جلال التخشع؛ الذي هو حقيقة الطمأنينة التي تسعد بها النفوس وتسكن بها القلوب.
إن مركزية هذه المعاني في موضوع سجود التلاوة؛ جعلتني أحاول تناوُلَ أحكامه الفقهية بشكل لا يقف عند حدود العبارات والصيغ الفقهية؛ بل يحيطها بتأملات من علم التفسير، ووقائع من علم السير، ونُتَفا من دلالات المقاصد؛ مع الحرص غاية الإمكان على تيسير الصياغة الفقهية وتوضيح مخرجاتها والابتعاد عن التعقيد والإلغاز؛ كي لا يكون ظاهر الموضوع حاجبا عن باطنه، ولا يكون الفقه عقبة في طريق الخشوع.
فما تحقق من هذه الأهداف فهو بفضل الله تعالى وتوفيقه، وما تَخَلّف منها فمرَدُّه إلى قلة البضاعة وكَلال الفكر؛ فخذ أيها القارئ ما نضج وطاب، واعذرني فيما قصّر عن بيانه علمي، وضعُف عن استنباطه فكري، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.
حمّاد القباج
14 جمادى الأولى 1440 / 21 يناير 2019
[1] لقد اجتهدت في توثيق الآثار النبوية والسلفية التي تؤسس لأحكام هذا الموضوع؛ لا سيما ما يتعلق بإثبات آيات السجود المختلف فيها؛ ليطمئن القارئ إلى أن في القرآن خمسة عشرة سجدة كاملة؛ فيحرص على بركاتها.
[2] الخضوع هو حقيقة السجود في الوضع اللغوي.
[3] عبّرت بالتخشع؛ لأنه يتضمن معنى تطلب الخشوع، وليس هو الخشوع نفسه.