إصرار التونسيين على دحر القهر!

10 ديسمبر 2025 19:14

 إصرار التونسيين على دحر القهر!

هوية بريس – اسماعيل الحلوتي

من المؤسف جدا أن تعود الأقدار لتعبث من جديد بتونس الخضراء، التي تعتبر مهد الثورات العربية وفي مقدمتها ثورة الياسمين التي أشعلت فتيل “الربيع العربي” في منتصف شهر دجنبر 2010 إثر اندلاع انتفاضة شعبية عارمة أطاحت بنظام زين العابدين بنعلي رمز التسلط والاستبداد، الذي فر هاربا إلى المملكة العربية السعودية بمساعدة الجيش، بعد أن ظل جاثما على صدور التونسيين لمدة 23 سنة. وقبل حتى أن يتنفسوا الصعداء، معتقدين أن بلادهم ستنعم بنسائم الحرية والديمقراطية، لكنهم لم يلبثوا أن وجدوا أنفسهم مرة أخرى تحت قبضة رئيس آخر لا يقل استبدادا وتسلطا، وهو الرئيس “قيس سعيد”.

فالوضع السياسي والاقتصادي في تونس بات جد مقلق وغير محتمل على الإطلاق، وقد ازدادت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية سوءا وتفاقما، من حيث غلاء الأسعار، ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتضخم، مما أدى إلى ارتفاع وتيرة الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات الشعبية، ولاسيما أمام ما أقدم ويقدم عليه رئيس الجمهورية من ظلم واستبداد وانتهاك للحقوق، والمتمثل أساسا في التضييق على الحريات، من خلال تكميم الأفواه ومنع الصحافيين وغيرهم من نشطاء المجتمع المدني من التعبير الحر عن آرائهم وقمع الانتفاضات، والاعتقالات التعسفية التي طالت العديد من الحقوقيين والسياسيين، فضلا عن المحاكمات غير العادلة وصدور الأحكام القاسية التي بلغ بعضها أزيد من 40 سنة…

وفي الوقت الذي يحاول فيه الرئيس التونسي جاهدا نفي جميع الاتهامات الموجهة إليه من لدن الجميع، والادعاء بأنه لا يقوم سوى بما يمليه عليه ضميره  وروح المسؤولية الملقاة على عاتقه، سعيا إلى تطهير الدولة من “الخونة والمتآمرين والفاسدين” وأنه لا يرغب أبدا في أن يكون مستبدا ولا ديكتاتورا، يرى معارضوه السياسيون والكثير من المواطنين التونسيين أنه لم يفتأ يعمل عدا على تعزيز سلطته وتقويض الديمقراطية في البلاد، وإلا ما كان ليقوم بالسيطرة على سلطات واسعة منذ عام 2021 والإقدام على إغلاق البرلمان والشروع في الحكم عبر مراسيم بعد حل المجلس الأعلى للقضاء وإقالة عشرات القضاة عام 2022 وتدمير استقلال القضاء في إجراءات وصفت بالانقلاب، ويزج بمعظم قادة المعارضة وعشرات المنتقدين لحكمه والصحافيين المحامين في السجون بتهم مختلفة أبرزها التآمر على أمن الدولة.

وفي محاولة ممارسة الضغوط على الرئيس التونسي، دعت عديد المنظمات الحقوقية والهيئات السياسية والنقابية إلى ضرورة التصدي لهذه الانتهاكات الخطيرة، حيث خرج آلاف التونسيين من مختلف الأعمار إلى الشوارع يوم السبت 6 دجنبر 2025 للأسبوع الثالث على التوالي في مسيرة حاشدة تحت شعار “المعارضة ليست جريمة”، للتعبير عن رفضهم المستمر لتواصل مسلسل التضييق على الحريات والإجراءات القمعية ضد المعارضين السياسيين والصحافيين والنشطاء من المجتمع المدني، والمطالبة برفع القهر والاضطهاد والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين، متهمين رئاسة الجمهورية بتكريس حكم الفرد الاستبدادي عبر استخدام القضاء والأجهزة الأمنية في استهداف خصومه السياسيين.

فمهما حاول الرئيس التونسي الهروب إلى الأمام، لا يمكن لأي ذي عقل سليم أن يقبل بأن تصدر المحاكم التونسية أحكاما قاسية بالسجن تصل عشرات السنوات في حق قادة سياسيين ونقابيين بارزين ورجال أعمال ونساء ورجال قانون من المحامين بتهم مفبركة مثل التآمر على رئيس الدولة ومحاولة الإطاحة بنظامه. لذلك لم يتأخر التونسيون الأحرار من مختلف الأطياف السياسية وغيرهم حتى بدون انتماء سياسي أو نقابي في الانخراط في المظاهرات والاحتجاجات الصاخبة، وخاصة في مسيرة السبت 6 دجنبر الحالي رافعين لافتات يقول بعضها “المعارضة ليست جريمة” و”الحرية لتونس”، وحاملين كذلك صور عشرات القادة والنشطاء الذين شملهم الاعتقال التعسفي، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر شيماء عيسى الشاعرة والناشطة الحقوقية، العياشي الهمامي السياسي والناشط الحقوقي وأحمد نجيب الشابي المحامي والسياسي في نفس الملف، الذي يعد واحدا من أثقل الملفات السياسية في تاريخ تونس المعاصر…

وبما أن الظلم والاستبداد بلغا إلى مستوى لا يطاق، فقد ذهب معظم المحتجين إلى المطالبة بإسقاط النظام، وخاصة أن التونسيين لم يشاهدوا وضعا أسوأ مما هي عليه تونس الخضراء مهد الثروات العربية، حيث اشتداد حرارة القمع، الاستبداد، الظلم والقهر، إذ أصبح كل من عارض النظام وطريقة تدبير الشأن العام، وكيفما كان شأنه سواء كان معارضا أو صحافيا أو ناشطا مدنيا أو حقوقيا، تلفق له تهم خطيرة وينتهي به المصير إلى غياهب السجون التي باتت مملوءة عن آخرها، وهكذا صارت عليه الأوضاع منذ انقلاب 25 يوليوز 2021، حيث تغير كل شيء وانحدرت الأمور نحو الجحيم.

إن التونسيين وهم يستعدون اليوم إلى إحياء الذكرى 15 لثورة الياسمين (17 دجنبر 2010) التي أدت إلى الإطاحة بالدكتاتور زين العابدين بنعلي في (14 يناير 2011)، يؤكدون إصرارهم الشديد على مواصلة النضال من أجل تحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية، لأنهم يرفضون بقوة أن يستمر الوضع على ما هو عليه من قتامة، وأن تتحول بلادهم إلى “سجن كبير” بفعل ما وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية من تدهور لافت وغير مسبوق في ظل حكم الرئيس قيس سعيد منذ توليه السلطة في عام 2019، الذي لا يتوقف عن نهج سياسة القمع الوحشي واحتكار السلطات…

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
13°
17°
الخميس
16°
الجمعة
19°
السبت
20°
أحد

كاريكاتير

حديث الصورة