إضاءات منهجية في قضايا ملحة (ح2).. لِمَاذَا يَسْكُتُ العُلَمَاءُ؟؟
هوية بريس – نور الدين درواش (عفا الله عنه بمنه وكرمه)
من الأمور التي صارت مثارا للجدل والتشويش والتشغيب على أهل العلم ما يعرف بـ(سكوت العلماء) ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل عُدَّ هذا السكوت علامة على أنهم علماء بلاط وأبواق سلطان وأنهم باعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل، فلا قيمة لهم ولا كرامة لأعراضهم…
فأقول: لقد كتب الله على أهل العلم البيان والبلاغ، وحرم عليهم الكتمان وأخذ عليهم الميثاق “لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ” [آل عمران:187].
وقال:” إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ الله وَيَلْعَنُهُمُ الَّلاعِنُونَ” [البقرة:159].
ولا شك أن سكوت العلماء هو مظنة انتشار الفساد وعموم البلاء، وفُشُوِّ الجهل والبدع والضلالات وتَصَدُّر المتعالمين الجاهلين، فإن العامة يستدلون بسكوت العالم على شرعية ما يرى من الباطل والمنكر وهذا ولا شك يورث الطَوَامّ العظيمة والبلايا التي لا حد لها ولا حصر.
قال محمد الخضر حسين:” ومن البلية في سكوت العلماء: أن العامة يتخذونه حجة على إباحة الأشياء، أو استحسانها:”[الأعمال الكاملة5/2317]
وهذا اللازم لا يقول به من شَمَّ رائحة العلم فإن السكوت على المنكر لا يَقلِبُه معروفا أبدا؛ قال الصنعاني رحمه الله:” ولا يَخفى على أحد يتأهَّل للنظر، ويعرفُ بارِقَةً مِن عِلم الكتاب والسُّنة والأثر، أنَّ سكوتَ العالِم أو العالَم على وقوع مُنكر ليس دليلاً على جواز ذلك المنكر.”[تطهير الاعتقاد، ص:78].
لكن، مع ذلك لابد من الانتباه لأمر غاية في الأهمية -وهو من المُسَلَّمات لدى أهل العلم وطلبته-، أن العالم قد يكتم علما أو يؤخر بَثَّه ونشره لا عجزا ولا خوفا، ولكن لأنه ليس كل علم يُبَثُّ، ولا كل ما يُعْلم يقال في كل حين، وعلى كل حال، وقد فَصَّل في ذلك غير واحد من أهل العلم منهم العَلَّامة الشاطبي جيث قال:
” وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا يُعْلَمُ مِمَّا هُوَ حَقٌّ يُطْلَبُ نَشْرُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ عِلْمِ الشَّرِيعَةِ وَمِمَّا يُفِيدُ عِلْمًا بِالْأَحْكَامِ، بَلْ ذَلِكَ يَنْقَسِمُ، فَمِنْهُ مَا هُوَ مَطْلُوبُ النَّشْرِ، وَهُوَ غَالِبُ عِلْمِ الشَّرِيعَةِ، وَمِنْهُ مَا لَا يُطْلَبُ نَشْرُهُ بِإِطْلَاقٍ، أَوْ لَا يُطْلَبُ نَشْرُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالٍ أَوْ وَقْتٍ أَوْ شَخْصٍ”.
ثم ضرب رحمه الله أمثلة لذلك ثم قال:
” إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ عِلْمٍ يُبَثُّ وَيُنْشَرُ وَإِنْ كَانَ حَقًّا وَقَدْ أَخْبَرَ مَالِكٌ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّ عِنْدَهُ أَحَادِيثَ وَعِلْمًا مَا تَكَلَّمَ فِيهَا وَلَا حَدَّثَ بِهَا، وَكَانَ يَكْرَهُ الْكَلَامَ فِيمَا لَيْسَ تَحْتَهُ عَمَلٌ، وَأُخْبِرَ عَمَّنْ تَقَدَّمَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ، فَتَنَبَّهْ لِهَذَا الْمَعْنَى.
وَضَابِطُهُ أَنَّكَ تَعْرِضُ مَسْأَلَتَكَ عَلَى الشَّرِيعَةِ، فَإِنْ صَحَّتْ فِي مِيزَانِهَا، فَانْظُرْ فِي مَآلِهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالِ الزَّمَانِ وَأَهْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ ذِكْرُهَا إِلَى مَفْسَدَةٍ، فَاعْرِضْهَا فِي ذِهْنِكَ عَلَى الْعُقُولِ، فَإِنْ قَبِلَتْهَا، فَلَكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِيهَا إِمَّا عَلَى الْعُمُومِ إِنْ كَانَتْ مِمَّا تَقْبَلُهَا الْعُقُولُ عَلَى الْعُمُومِ، وَإِمَّا عَلَى الْخُصُوصِ إِنْ كَانَتْ غَيْرَ لَائِقَةٍ بِالْعُمُومِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِمَسْأَلَتِكَ هَذَا الْمَسَاغُ، فَالسُّكُوتُ عَنْهَا هُوَ الْجَارِي عَلَى وَفْقِ الْمَصْلَحَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ”.[الموافقات،5/167-172].
فالحاصل أن العالم ينظر للقضية من أربع زوايا قبل أن يتكلم:
* الأولى: صحتها في نفسها وذلك بِعرضها على الشرع.
* الثانية: صحتها في مآلها بحيث لا يؤدي ذكرها إلى مفسدة.
* الثالثة: ثم ينظر هل هي مما تستسيغه العقول وتقبله أم لا.
* الرابعة: فإذا اجتازت هذه الثلاثة نظر العالم هل يصلح بثها للعامة أم للخاصة أم لا يصلح بثها .
فطالب العلم يستحضر كل هذا في تأمله لموقف العالم سواء تكلم أو سكت، والجاهل والمتحمس والغارق في بحر الهوى والعاطفة؛ لا يعرف إلا التهور والاندفاع ولا يهمه بعدها ماذا يحصل، لأنه ليس لديه دعوة يخاف عليها، ولا مصالح يرعاها ويُنَمِّيها ويحفَظُها.
ولسان حال كثير من الشباب الطيب العاطفي بل لسان قالهم: يجهر العالم بكلامه وقوله الحق ولا يهم ما يحصل بعد ذلك.
إن عزو سكوت العالم في قاعدة مُطَّرِدَة للضعف والعجز والخوف في كل يبدو سكوتا؛ لا يقوله إلا الجهال… لأن السكوت من العالم قول وتعبير عن الموقف بغير كلام؛ ويرحم الله إبراهيم بن أدهم قَالَ: «كَانَ يُقَالُ لَيْسَ شَيْءٌ أَشَدَّ عَلَى إِبْلِيسَ مِنَ الْعَالِمِ الْحَلِيمِ، إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِعِلْمٍ وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ بِحِلْمٍ» [حلية الأولياء8/26].
ومن براهين طغيان العاطفة غير المنضبطة لدى كثير من الشباب؛ ما نلاحظه في المشهد الدعوي من النكير العظيم والاتهام الخطير لنوايا العلماء الصادقين بدعوى سكوتهم عن ظلم السلاطين والحكام ونهب الثروات والاستئثار بالدنيا، وبالمقابل لا يشمئزون ولا يستاؤون ولا يستنكرون سكوت كثير من المحسوبين على العلم عن العظائم من شرك وبدع وضلالات تهدم الإسلام من أصله…
فأين موقف هؤلاء الشباب ممن أقام دعوته على الطعن في الصحابة؟
بل أين براءتهم ممن يدعو نهارًا جهارًا لأخوة اليهود والنصارى والترحم على أمواتهم، وإلغاء الفرق بين النصرانية والإسلام؟
أين موقفهم ممن يثني على من يفضل بعض الأوراد على القرآن الكريم أو يدافعون عن الديمقراطية أو يدعون لحرية الخروج من الإسلام بإلغاء حد الردة؟؟
مالكم كيف تحكمون؟؟
مع أن كثيرا من الساكتين من كبرائكم ومقدميكم لا يمنعهم سلطان ولا درء مفاسد، ولا موانع شرعية بل سبب سكوتهم هو عدم تعظيم السنة والتوحيد والمانع لهم هو هيبة العامة والدهماء وخشية طعنهم ومواجهتهم ، وهيبة العامة والجماهير والأتباع قد تكون أحيانا أعظم من هيبة السلطان، فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيبا فكان فيما قال ألا لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه قال فبكى أبو سعيد وقال قد والله رأينا أشياء فهبنا. [سنن ابن ماجة وصححه الألباني]..
ولماذا يستسيغ الشباب السكوت على الشرك ولا يقبلون السكوت على قضايا سياسية أو شخصية أو محدودة الأثر، مع أن الشرك أعظم وأطَمّ قال محمد البشير الإبراهيمي: “فهذه القِباب المشيدة، وهي أوثان هذه الأمة، أضلت كثيرًا من الناس، وأكثر من الكثير، وافتتنوا بها، وبأسماء أصحابها حتى ألهتْهم عن دنياهم وأفسدت عليهم أخراهم، وغلوا في تعظيمها حتى أصبحت معبودة تُشَدُّ إليها الرحال، وتقرَّبُ لها القرابين والنذور، وتسأل عندها الحاجات التي لا تسْأَلُ إلّا من الله، ويحلف بها من دون الله، ويتألى بها على الله، وما جَرَّ هذا البلاء على الأمة الإسلامية حتى أضاعت الدين والدنيا، إلّا سكوتُ العلماء عن هذه الأباطيل أول نشأتها، وعدمُ سدِّهم لذرائعها حتى طغت هذا الطغيان على عقول الأمة، ولو أنهم فقهوا الأمة في كتابِ ربها، وساسوها بسنة نبيها لكان لها من سيرة إبراهيم ومحمد عاصمٌ أي عاصم من هذا الشر المستطير.”[آثاره: 1/397].
إن الواقع يبين أن مشكلة الشباب في الغالب ليست هي سكوت العلماء، وإنما المشكلة تكمن في كون كلامهم لا يكون على ما يشتهي الشباب ويهوى ويتمنى ويعتقد، ولهذا فكل كلام من هذا القبيل فإنه يُحسب سكوتا بل شرا من السكوت، لأنهم يعتبرونه باطلا وزورا من القول…
ونواصل الحديث عن سكوت العلماء في حلقة قادمة بحول الله.
العيب و الإنكار ليس على ما سكت عنه العلماء فيا ليت بعضهم سكتوا و ما تكلموا و اكتفوا بتعليم الناس مسائل فقهية… لكن المشكلة و المصيبة ما يقوله و يتفوه به بعض من ينتسب الى العلم حتى و لو كان له حظ وفير من العلم و بكلماهم دخلت الفتنة… كشيخهم ربيع ليته سكت و رسلانهم ليته سكت.. و الريس ليته سكت… نحن لا نقول ان هاؤلاء جهال لكن نقول هاؤلاء نقمة هلى الأمة… فسكوت ربيع خير مم كلامه… فليس اللوم على مشايخ كالشيخ ابو اسحاق الحويني او ابو خبزة و ما شابههما فهما رجال خير ما داموا يعلمون الناس الكثير من المسائل لكن المصيبة كل المصيبة و أكرر هو كلام رسلان.مثلا عن حاكم متغلب لا يطبق الشرع و وجوب طاعته مع العيش مذلولا.. و أتباعه لا يحسنون حتى قراءة الفاتحة و يلقبون انفسهم بطلبة علم… هذه مشكلتنا ببساطة