إعادة هندسة الصرح الإسلامي من طرف «الماسون» الغربي
هوية بريس – محمد بوقنطار
عندما نتكلم عن العلمانية ومعها العلمانيين، فنحن لا نتكلم أو لا ولم نكن بصدد الكلام عن ظاهرة وجدانية أو فكر طوباوي مجرد، له انقداح في الأذهان ولا وجود له في عالم المحسوس من الأعيان، كما أن التحليل أو المدافعة أو الرد على جوقة العلمانيين لم يكن من قبيل نصب العداوة أو الخصومة أو الخلاف مع شخصيات هلامية، أو خلق صراع وفتح جبهة مقاومة ومواجهة لأكذوبة وجود زوار من الفضاء، أو دعوى تهديد سكان كوكب من الكواكب المكونة للمجموعة الشمسية.
كما أن هذا الكلام ومعه فرط الاهتمام بجميل المدافعة وكبير المواجهة للفكر العلماني ورواده لم تكن قواعد انطلاقه والتأسيس لتجليات صراعه مبعثها ومردها إلى الخصومة الدينية المحضة، أو حتى الإنكار لحقيقة أنه فكر له قواعده وأن رواده يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، فتلك حقيقة لا نبخس ناسها الحقيقيين أشياءهم، وإنما دائرة الصراع ومنفوخ رماده الساخن كان وسيكون وسيبقى هو ملمح الإعراض عن الآخرة، بل مجاوزته في محاولات مسترسلة تهدف إلى حمل الناس بالعنوة والإكراه على التماهي مع هذا الإقعاد والإعراض، ومطاردة ومجافاة دعوة السير في مناكب الأرض على منهاج الاستقامة.
ولربما حكم المسلمون وقيّد إطلاق تصرفهم في إطار هذه المواجهة منطق الفزع إلى أسلوب المهادنة والمسالمة في غير تحكم ولا بغي سيطرة، بينما بقي الآخر مخلصا لمعهود تعامله، يناور ويهاجم ويستغرب بغزوه الفكري فلا يكاد يبقي أو يذر، أو يوقر قداسة وطهارة ما رضيه الله لنا ورضينا به دينا وشرعة ومنهاجا، غايته ومناه وسنام أمله ومطلق رغبته ومبتغاه صياغة إسلام يرضى عنه الأسياد ويحقق ويقدم مصالحه الإقليمية على حساب مواراة واستدبار مصالح المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، بل وإعادة هندسة الصرح الإسلامي على وفق ما يرضي هؤلاء الأسياد وأذنابهم من السخائم المحلية، ولا شك أنها إعادة وهندسة يستشرف أصحابها من وراء أكمتها إفقاد الأمة وأبنائها أسباب القوة، وتوهين كلها المتراص وتفكيك جهدها حتى تنعدم وتضمحل من أنفاسها آمال المقاومة والمدافعة والوقوف الحذر اليقظ على حمى الخطوط الأمامية المتقدمة، والتي من مهماتها وأولويات أهدافها وقف وعرقلة واستنزاف قوة سيل الغزو الفكري العرم الحاقد الكنود…
ولا شك أننا ونحن نقر بأن ثمة صياغة جديدة وإعادة هيكلة ومستأنف إصلاح -إن سلمت العبارةـ تستهدف ورشته تفكيك قطع غيار إسلام الوحي المغلفة والملفوفة في هالة وسبيكة تراثية تقليدية ثقيلة الوزر عدوانية البأس، تمثل كل حلقة منها تفسيرا أو تأويلا أو قولا أو فعلا أو إقرارا نبويا… يدخل في موروث بديع ما أنتجته يد ونظر السلف الصالح في حياة النبي ومن بعده صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم أجمعين.
ولسنا في حاجة إلى تبني نظرية المؤامرة فنتهم بجريمة التلبس بها، مع إقرارنا باعتقاد متقدم ضارب في عمق اليقين على أن حياة الأمة وسيرورتها التاريخية لم تخل من كيد كادت تزول منه الجبال، ومؤامرات يردف بعضها بعضا في سلسلة متلاحقة الحلقات دائمة الأز والركز، وقد يغني عن هذه الحاجة وذلك التلبس علمنا أنه لم يعد خافيا على أحد تفاصيل عناصر هذه الخطة ولا مآلات حملتها الحامية الوطيس الشديدة الرمي، الرائم اليوم ومن ذي قبل تحويل منظومة ومنهج الإسلام إلى محض طقس تعبدي على شاكلة التحريفات النصرانية، وما يلزم من دخول جحر ضبها من عيش المسلم في مناخ ظلاميته يمارس شعائره ويتنازل عن كل ما له من دينه علاقة مباشرة بإدارة شأنه الدنيوي من النظم والتشريعات إلى الثروات إلى سياسة الحركة الدائبة للنسيج الاجتماعي المسلم…
إنها إذن الصيغة المهجنة التي تكون فيها أو ستكون فيها النسخة الإسلامية المعدلة قد استجابت أدبياتها الفكرية والبشرية للمطلوب الذي مفاده إنتاج وتوجيد إسلام يرضى ويترضى عنه العالم الغربي ومكونه الرسمي من صهاينة وصليبيين، ويرضى هو في المقابل ويترضى عن مدنية الرجل الأبيض وتوجهاته وقهره وجبروته ومكره وتدليسه المستوعب للمكون الحضاري والتاريخي للإسلام والمسلمين، استيعاب لن يكون طبعا إلا على الوفق الذي يصير فيه وتتبدل فيه وجهة الخدمة والحفظ والرعاية والصون الإسلامي من مصالح المسلمين إلى مصالح الغرب المتفوق، وعلى الوفق الذي يتم فيه تشكيل ذهنية وإعادة بناء ذاكرة الأجيال المسلمة المعاصرة، بحيث يكون لهذا التشكيل وإعادة البناء علاقة تناسب مع مرغوب ولادة صيغة منبطحة ومسالمة في ذل وهوان للمنطق الذي يجب أن يحكم الصراع العربي الإسلامي الإسرائيلي، وتلك والله مستشرفات أم المعارك التي لن يجنح روادها ومريدو سياستها الغاشمة النافخون في رماد فتنتها إلى العدل والإنصاف دون سقف تحقيق أمنية القضاء علينا، أو مشيهم وعربدتهم في مناكب الأرض طولا وعرضا دون عار احتمال مصادفتهم لنا، أو إمكانية سماعهم لمبغوض ركز واحد من جنسنا.
ويا ليت قومي يعلمون ويستشرفون ما وراء أكمات هذه الهجمات المترادفة في غير نصب ولا لغوب، وأنها هجمات تتجاوز نهب الثروات الباطنية والظاهرة إلى استعباد العقول واستنبات الجهل والإلحاد وتحويل المجتمعات الإسلامية إلى مواخير تعج بضلالات الأنعام وتسفلات ونقائص من هم أضل من الأنعام، ولا ريب أن هذا التجاوز لم ولن يتم إلا بمؤشرات مرورية يدرك القائمون على حماها أنها تواجه عوائق كبيرة تحول دون تبيئة عبثها، وغرس مضارها في تربة المجتمعات الإسلامية، وليس ثمة عوائق أكبر ولا أوعر ولا أعظم من صدق الانتساب إلى هذا الدين العظيم، وإيثار تحكيم شريعته على الأعناق وفي الأرزاق والأذواق والأسواق، والتسليم لخبره تصديقا في غير هدر ولا تكذيب، ومعانقة الأوامر والنواهي منه فعلا وتركا ومحبة وتوقيرا وتعظيما، ولا جرم أنه انتساب وتحكيم يظل منكورا مطاردا ومحاصرا في مناكب القارات الخمس، بل في الأرض كلها، فكيف للمسلم في ظل هذا الضيق والقدرة أن يظفر بمنهج حياته المنشودة على وفق ما أكمله الله من دين وأتمه من نعمة، وهذا هو حقيقة الابتلاء وواقع دخول أتون فتنته الأخاذة بالنواصي، فناج مسلم، وناج مخدوش، ومكبكب في النار…
وليست النجاة، وليست السلامة إلا ثمرة لشديد التسخط على الباطل، ورفع العقيرة في استنكار الظلم ومواجهة الظالمين الناهبين المغيّرين والمعادين لدين الله وجناب التوحيد وعظيم الاتباع، أينما كانوا وحلوا وارتحلوا…رجاء أن تخلو الأرض من ظلمهم، والدين من اعتسافهم، فتستكين الحياة ويطمئن الأحياء فلا يسترق العباد، ولا تستغل البلاد.
مع واجب التنبيه على حقيقة أن الإسلام لن يموت وأن أهله لن يبادوا، وتلك حقيقة لا تحتاج إلى مزيد أدلة تؤكد لدينا ولدى غيرنا هذا اليقين وهذا الاستشراف وهذه البشرى.
بارك الله فيك أخي محمد.مقال رائع جدا.. يا ليت قومي يعلمون بما فيه.