إغارة الفرنسية وزحفها علينا كأننا لقطاء بلا حضارة ولا تاريخ
هوية بريس – هشام بن لامين
لا تملك إلا أن تأسف على زحف الفرنسية علينا كل يوم، كأننا لقطاء بلا حضارة ولا تاريخ، لا أب لنا ولا أم.
اتصلت قبل أسابيع بمدرسة أسأل عن البرنامج و البيداغوجيا و المصاريف، وقبل أن أسأل عن وجود تحفيظ القرآن و تدريس الإنجليزية، سابقتني ال assistante المحترمة بالقول أننا لا ندرس العربية و “كلشي بالفرنسية”، قالتها بسرعة ممزوجة بفخر وتصنع، لم أجد ما اقوله إلا أن أطلبها هل الانجليزية موجودة ما دمتم لا تدرسون العربية إلا ساعتين في الأسبوع ! أجابت أنها مثل العربية ساعتين، انهيت الإتصال متحسرا وقلت لها “الله يعاون واخا راكم تعديتو على العربية”.
قبل سنوات كنت في موروكو مول، دخلت لمتجر سامسونغ أنا وزوجتي، كنا نبحث عن هاتف نوت 8، التحق بنا مسؤول المبيعات و قد لمح اهتمامنا بالهاتف، بسرعة دخل في تعداد مزايا الهاتف بفرنسية جميلة، لكن لأنه استفزني دون سلام و لا مقدمات، تركته يكمل بعض الجمل الأولى وقلت له English please.
تمتم وتمتم وبدأ يجمع بعض الجمل شبه المفيدة بانجليزية صعبة، تركته يتعب ولم أساعده إلا بحركات عيوني أني أفهم ما يقول، استمر في تعبه حتى رميت بكلمة عربية لأساعده على الخروج من نفق لغوي انسد عليه فجأة، انفكت أساريره و فتح عينيه مبتسما ضاحكا ” وقولهانا أصاحبي، تاتفهم العربية و خليتينا..” أو هكذا قال..
أجبته يا صديقي أنت من بدأت بالإغارة علي بالفرنسية، لو تحدثت معي بالعربية لأجبتك، الشاهد ان استعمال الفرنسية بشكل عدواني لا يصلح معه إلا الإصرار على الحديث بالعربية أو الرد بالإنجليزية.
يمكن استعمال الفرنسية دون تشنج حين يكون الأمر باستئذان وأدب لمن لا يتقنها أو إذا تعلق بوسط مهني أو تقني يصعب على أصحابه التواصل بلغة أخرى، على علات الفرنسية وتأخرها.
الإشكال اليوم أن الفرنسية تغزو كل شيء، تغير علينا كل يوم في الشوارع و محطات القطار و في المحلات التجارية و غالب المراسلات والمايلات، ولأننا شعب مستكين ننساق ونخضع للضغط، و حتى في أوساط النخب المعربة والطبقة المتوسطة تلامس الإنبهار بالفرنسية و السعي الحثيث لتدريسها للأبناء، و تلاحظ تكلف الناس في المقاهي و المطاعم للحديث بها، لو كان الدعاة للعربية جادين لسعوا لتشكيل تيار مجتمعي يعتمد على العربية والأمازيغية، و يعوض بشجاعة الفرنسية بالإنجليزية.
لا حل في الأفق إلا الجرأة و اتخاذ القرار المناسب من الأسر و الآباء و الأمهات، العربية و الأمازيغية مع الإنجليزية كلغة ثانية، و الفرنسية طبعا تبقى لغة جميلة للأدب و العلوم الإنسانية و لسان لا يجب التفريط فيه، أما الإلتحاق الكلي فلن يصنع أمة و لن يبني جيلا قادرا على فهم دينه و حضارته، ولا قادرا على رفع تحديات عالم يتغير بسرعة رهيبة.