إقصاء صانع الأمجاد بالمختبرات وتكريم صاحب الفضائح على المنصات؟

إقصاء صانع الأمجاد بالمختبرات وتكريم صاحب الفضائح على المنصات؟
هوية بريس – متابعات
في الوقت الذي تصر فيه وزارة الثقافة على الاحتفاء بمغني الراب “طوطو”، وتنصب له المنصات الضخمة في الرباط والدار البيضاء والقنيطرة وغيرها، ليطل على آلاف الشباب بكلمات نابية ومظاهر الانحلال وتعاطي المخدرات والخمور، يمر إنجاز علمي غير مسبوق لطبيب مغربي بصمتٍ مثير، دون أن يحظى بما يستحق من تقدير واعتراف.
الدكتور يوسف العزوزي، الذي يشق مساره العلمي في الولايات المتحدة، أعلن عن اختراعه جهازا ثوريا لتصفية الدم من داخل الأوعية الدموية، وهو الأول من نوعه عالميا. هذا الابتكار العلمي سيساهم، كما أوضح صاحبه، في إنقاذ عشرات الملايين من المرضى الذين يعانون من ضعف المناعة والعدوى المزمنة، كما سيفتح آفاقا جديدة في عمليات زراعة الأعضاء، ويختصر مسافات طويلة من معاناة المرضى مع المضادات الحيوية التي تفقد فعاليتها في وحدات الإنعاش.
مقارنة بسيطة تكفي لإدراك المفارقة الصادمة:
ماذا يقدم طوطو للمغرب؟ غير نشر ثقافة “التسلكيط” والتطبيع مع الانحراف وإغراق الذوق العام في الانحطاط، في حين يحصد دعما رسميا واحتفاء إعلاميا وحظوة لدى الوزير بن سعيد وجمعية مغرب الثقافات وغيرهما؟
في المقابل، طبيب شاب ينحت اسمه بجهده وعلمه، لا يجد مكانا على القنوات الوطنية والمنابر الإعلامية، بل إن جريدة “هسبريس” لما أرادت أن تتحدث عن الاختراع نشرت مادة محتشمة دون أن تنشر صور صاحبها، في ما اعتبره البعض موقفا مرتبطا بكونه شابا ملتحيا.
والمفارقة الأكبر أن المعلقين على خبر الإنجاز تساءلوا بمرارة: لماذا لا تُربط اللحية بالاختراع والعلم كما تُربط فورا بالجرائم والفضائح والإرهاب؟
ولماذا تُغيّب الرموز الحقيقية التي ترفع رأس المغرب عاليا في المحافل الدولية، بينما يُحتفى بمغنين يسهمون في هدم القيم وتسليع الانحراف تحت ذريعة “حرية الإبداع”؟
هل نفعنا المغنون خلال أزمة كورونا والحجر الصحي، ممن كنا ننتظر الأخبار حينها: من المختبرات أم من منصات اللهو والمجون وسيولة القيم؟
الجواب يجرنا إلى إشكال أعمق، وهو غياب سياسة ثقافية واضحة تراهن على العقول لا على الغرائز، وعلى بناء نموذج شبابي يقتدي بالعلماء والأطباء لا بمغنيي الراب المثيرين للجدل. فالشباب الذين تفتح لهم المنصات اليوم على وقع الموسيقى الصاخبة يحتاجون إلى نماذج حقيقية تلهمهم، وتؤكد أن طريق النجاح يمر عبر الجد والاجتهاد والعلم والمثابرة.
بين طوطو والعزوزي، يختزل المشهد المغربي أزمة القيم والتوجهات، فالأول صناعة إعلامية رسمية تُغدق عليها الملايين، والثاني ثمرة اجتهاد فردي تُحاصر صورته لأنه فقط صاحب لحية.
وبين الاثنين يظل السؤال مطروحا: أي نموذج يريد المغرب أن يقدمه لأبنائه وللعالم أجمع؟



