إلغاء عقوبة الإعدام في المغرب وحق القصاص للمظلومين والمكلومين
هوية بريس – عابد عبد المنعم
بخطاب المنتشي بالنصر؛ خرج وزير العدل عبد اللطيف وهبي ليعلن من تحت قبة البرلمان بأن المملكة المغربية تعتزم التصويت لأول مرة على قرار الأمم المتحدة العاشر بشأن وقف تنفيذ عقوبة الإعدام المزمع التصويت عليه خلال الجمع العام المقبل للأمم المتحدة في الخامس عشر من دجنبر الجاري، مبرزا أن هذه الخطوة المرتقبة تعتبر إيجابية نحو إيقاف أو إلغاء عقوبة الإعدام مستقبلا.
وخلال جوابه عن أربعة أسئلة لفرق من الأغلبية والمعارضة حول عقوبة الإعدام ومكانتها في السياسة الجنائية المغربية، ذكر وهبي بأن “المغرب خلال العشرين سنة الماضية امتنع عن التصويت على القرارات التسع السابقة للأمم المتحدة القاضية بإيقاف تنفيذ عقوبة الإعدام مؤقتا”، وأضاف أن “المملكة وتعزيزا لمسارها الحقوقي المتقدم ستتجاوب مع هذا الرهان، وستصوت في 15 دجنبر الجاري على القرار بالإيجاب”.
واستمر وزير العدل بقوله “سفيرنا بتوجيه من السيد وزير الخارجية سيصوت في 15 دجنبر بالإيجاب على هذا القرار، بغرض دعم موقف الجمعية للأمم المتحدة في هذا الموضوع (إيقاف تنفيذ عقوبة الإعدام مؤقتا)”، مخاطبا النواب والنائبات بأن “هذه الخطوة تعتبر جد إيجابية وتحتاج إلى دعمكم”.
كما أعلن وهبي بأنه يرجو “حينما يحال القانون الجنائي أن يتم إلغاء هذه العقوبة”، مبرزا كذلك تمنيه أن تكون للإعلان “دلالاته الحقوقية، ومعناه الحقوقي في اتجاه المغرب بقيادة الملك محمد السادس نحو مسار حقوقي يحمي الحريات وحقوق الإنسان”.
العدالة والتنمية: الإعدام والقصاص المنصوص عليه في القرآن الكريم
من جانبه، شدد حزب العدالة والتنمية على أن عقوبة الإعدام تبقى ضرورة في الجرائم المتعلقة بالقتل العمد والاعتداء على الحق في الحياة، معتبرًا أنها تُمثل القصاص المنصوص عليه في القرآن الكريم.
ويرى الحزب أن هذه العقوبة تلبي شعور الإنصاف للمجتمع وذوي الضحايا، وتسهم في تهدئة الرأي العام.
وأشار الحزب إلى المسار التراكمي لتعامل المغرب مع عقوبة الإعدام والذي تكرس سنة 2013 بالمصادقة على القانون رقم 108.13 المتعلق بالقضاء العسكري، الذي خفَّضَ حالات الحكم بالإعدام إلى خمس حالات بدل ستة عشر حالة، وما تضمنه مشروع قانون رقم 10.16 يقضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي من ضبط وتقليص كبير لعدد حالات الحكم بعقوبة الإعدام، واشتراط عدد من الشروط المتعلقة بظروف المحاكمة وحيثيات الحكم بعقوبة الإعدام من ضمنها إجماع هيئة الحكم، هو مسار راشد يعبر عن نضج المغرب في تعاطيه مع هذا الموضوع، ويمثل حالة توازن بين تحديد الحالات الموجبة للحكم بالإعدام وتوفير شروط تجاوز الخطأ أو الاستعمال المتعسف للقانون، وبين تطبيق القصاص المنصوص عليه في القرآن الكريم في حالة الاعتداء المتعمد على الحق في الحياة”.
المجلس العلمي الأعلى: الردة وعقوبة الإعدام
سبق للمجلس العلمي الأعلى أن أصدر فتوى بخصوص حكم المرتد أثارت كثيرا من الجدل، خاصة لدى التيار اللاديني، الذي شن هجوما شرسا على المجلس وحرض ضده بكل الوسائل.
وورد في نص المجلس العلمي العلى: “أما بالنسبة للمسلمين: في شأن حرية المعتقد والدين، فإن شرع الإسلام ينظر إليها بنظر آخر، ويدعو المسلم إلى الحفاظ على معتقده وتدينه، وإلى التمسك بدين الإسلام وشرعه الرباني الحكيم، ويعتبر كونه مسلما بالأصالة من حيث انتسابه إلى والدين مسلمين أو أب مسلم التزاما تعاقديا واجتماعيا مع الأمة، فلا يسمح له شرع الإسلام بعد ذلك بالخروج عن دينه وتعاقده الاجتماعي، ولا يقبله منه بحال، ويعتبر خروجه منه ارتدادا عن الإسلام وكفرا به، تترتب عليه أحكام شرعية خاصة، ويقتضي دعوته للرجوع إلى دينه والثبات عليه، وإلا حبط عمله الصالح، وخسر الدنيا والآخرة، ووجب إقامة الحد عليه”. (الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء -المغرب-، فتوى المجلس العلمي الأعلى، 2012).
ثم عاد ذات المجلس بعد ضغط وتحريض للتراجع عن هذه الفتوى بأخرى جاء فيها “لقد أثيرت قديما ولا تزال تثار قضية الردة والمرتد، ويبقى الفهم الأصح والأسلم لها المنسجم مع روح التشريع ونصوصه ومع السيرة العملية للنبي صلى الله عليه وسلم أن المقصود بقتل المرتد هو الخائن للجماعة، المفشي لأسرارها والمستقوي عليها بخصومها، أي ما يعادل الخيانة العظمى في القوانين الدولية، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: “من بدل دينه فاقتلوه”، المقيد بقوله صلى الله عليه وسلم: “التارك لدينه المفارق للجماعة.
… ترك الجماعة لم يكن حينها إلا التحاقا بجماعة المشركين خصومهم وأعدائهم في سياق الحروب الدائرة بينهم، فالردة هنا سياسية وليست فكرية.
… ثمة شواهد في السيرة النبوية، منها صلح الحديبية الذي كان من بنوده: “أن من أسلم ثم ارتد إلى قريش لا يطالب به المسلمون، وأن من التحق بالمسلمين من المشركين استردوه. وفي الرجل الأعرابي الذي أسلم ثم طلب إقالته من شهادته فلم يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم معه شيئا، فخرج من المدينة ولم يلحقه أذى، وإنما قال صلى الله عليه وسلم: “المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها”، بالإضافة إلى حالات أخرى ارتدت على العهد النبوي ولم تحد بهذا الحد”. (المجلس العلمي الأعلى –المغرب-، وثيقة “سبيل العلماء”، 2017).
هذا وقد جاءت الفتوى الأولى للمجلس موافقة لكل المراجع الفقهية المعتبرة في العالم الإسلامي؛ من ضمنها ما أفتى به المجلس العلمي الأعلى للشؤون الإسلامية في جامعة الأزهر.
حد الردة وحفظ مقاصد الدين والعقل في الإسلام
عد العلماء الردة أشد أشكال الإخلال بالنظام العام في مجاله الفكري؛ إذ المجال الفكري وما يصدر عن كل شخص من أفكار ونظريات نابع من مرجعيته العقدية بالأساس؛ والإسلام جاء لحفظ الضروريات الخمس؛ ومنها الدين والعقل؛ والاعتداء عليهما أو المس بهما؛ اعتداء على وحدة الأمة والنظام العام للدولة في المجال الاعتقادي والفكري.
فلا إكراه في الدين؛ كما هو مقرر ومعلوم؛ وليس من حق أحد أي كان -رغم أن الإسلام هو الدين الحق- أن يكره غيره على الدخول فيه عنوة؛ وحال أهل الذمة الذين كانوا يعيشون بين أظهر المسلمين وهم على دينهم الباطل خير دليل.
لكن من دخل في الإسلام فعليه أن يلتزم بما جاء فيه من أحكام؛ ومنها العقوبة الوارد في حالة الردة. وهذه ليست حالة شاذة في شريعة الإسلام؛ فالشرائع السابقة والقوانين الوضعية تحكم بقتل من ارتكب جريمة الخيانة العظمى، دون أن تلتفت إلى الحرية الشخصية وحرية المعتقد في هذا الباب، وقد أيد اتجاهها هذا عدد من الفلاسفة والمفكرين منهم روسو وفولتير ومونتسكيو وغيرهم.
بل بعض الدول الغربيّة التي ألغت عقوبة الإعدام عادت فأقرتها من جديد مثل إيطاليا والاتحاد السوفياتي سابقا؛ بحجّة أن من ارتكب جرمًا خطيرًا أو شديد الضرر فعليه أن يدفع حياته ثمنًا لإثمه الكبير، وكونها عقوبة ضرورية لتخليص المجتمع من الأشخاص الخطرين، وأنها تصرف عن الإقدام على الجريمة.
عقوبة الإعدام في الشريعة الإسلامية
نصّ علماء الشريعة الإسلامية على أن عقوبة الإعدام تثبت في حق الشخص إذا انطبقت عليه الأوصاف التالية:
1- المرتد، وهو من كفر بعد إسلامه.
2- الزاني المحصن: وعقوبته الرجم بالحجارة حتى الموت. (المحصن: المتزوج).
3- القاتل عمدا.
4- قاطع الطريق، وهو المحارب.
5- الجاسوس؛ وهو من يتجسس على المسلمين وينقل أخبارهم إلى أعدائهم.
عقوبة الإعدام في القانون الجنائي المغربي
رغم تعليق تنفيذ عقوبة الإعدام منذ سنة 1993، إلا أن مطالب إلغائها من القانون الجنائي، ظلت مثار نقاش، خاصة من لدن التيار اللاديني بالمغرب، وفيما يلي الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام في القانون المغربي:
أولا: جرائم ترتبط بالاعتداء على حياة الأسرة المالكة
فالاعتداء على حياة الملك أو شخصه يعاقب عليه بالإعدام (ف 163) والاعتداء على حياة ولي العهد يعاقب عليه بالإعدام (ف 165) والاعتداء على حياة أحد أعضاء الأسرة المالكة يعاقب عليه بالإعدام (ف167).
ثانيا: جرائم ترتبط بأمن الدولة وسلامتها ( الخيانة-التجسس…)
فالفصل 181 ينص على: “يؤاخذ بجناية الخيانة، ويعاقب بالإعدام، كل مغربي ارتكب، في وقت السلم أو في وقت الحرب، أحد الأفعال الآتية:
1 – حمل السلاح ضد المغرب.
2 – باشر اتصالات مع سلطة أجنبية بقصد حملها على القيام بعدوان ضد المغرب أو زودها بالوسائل اللازمة لذلك، إما بتسهيل دخول القوات الأجنبية إلى المغرب، وإما بزعزعة إخلاص القوات البرية أو البحرية أو الجوية وإما بأية وسيلة أخرى.
3 – سلم إلى سلطة أجنبية أو إلى عملائها إما قوات مغربية وإما أراضي أو مدنا أو حصونا أو منشآت أو مراكز أو مخازن أو مستودعات حربية أو عتادا أو ذخائر أو سُفنا حربية أو منشآت أو آلات للملاحة الجوية، مملوكة للدولة المغربية.
4 – سلم إلى سلطة أجنبية أو إلى عملائها، بأي شكل كان وبأية وسيلة كانت، سرا من أسرار الدفاع الوطني أو تمكن بأية وسيلة كانت، من الحصول على سر من هذا النوع، بقصد تسليمه إلى سلطة أجنبية أو إلى عملائها.
5 – أتلف أو أفسد عمدا سفنا أو آلات للملاحة الجوية أو أدوات أو مؤنا أو بنايات أو تجهيزات قابلة لأن تستعمل للدفاع الوطني، أو أحدث عمدا في هذه الأشياء تغييرا من شأنه أن يمنعها من العمل أو يسبب حادثة، سواء كان ذلك التغيير قبل تمام صنعها أو بعده”.
والفقرة 1 من الفصل 201 تنص على: “يؤاخذ بجناية المس بسلامة الدولة الداخلية، ويعاقب بالإعدام من ارتكب اعتداء الغرض منه إما إثارة حرب أهلية بتسليح فريق من السكان أو دفعهم إلى التسلح ضد فريق آخر وإما بإحداث التخريب والتقتيل والنهب في دوار أو منطقة أو أكثر”.
ثالثا: جرائم يرتكبها الموظفون ضد النظام العام
حيث ينص الفصل 235 على: “في الحالة التي تكون فيها الإجراءات المتفق عليها بين سلطات مدنية وهيئات عسكرية أو رؤسائها قد قصد منها أو نتج عنها مساس بالأمن الداخلي للدولة، فإن المحرضين يعاقبون بالإعدام، أما غيرهم من الجناة فيعاقبون بالسجن المؤبد”.
رابعا: جرائم مرتبطة بالإرهاب
حيث نص الفصل 3-218 على: “يعتبر أيضا فعلا إرهابيا، بالمفهوم الوارد في الفقرة الأولى من الفصل 1-218 أعلاه، إدخال أو وضع مادة تعرض صحة الإنسان أو الحيوان أو المجال البيئي للخطر، في الهواء أو في الأرض أو الماء، بما في ذلك المياه الإقليمية.
– يعاقب عن الأفعال المنصوص عليها في الفقرة الأولى أعلاه بالسجن من 10 إلى 20 سنة.
– تكون العقوبة هي السجن المؤبد إذا ترتب عن الفعل فقدُ عضو أو بتره أو الحرمان من منفعته أو عمى أو عور أو أي عاهة دائمة أخرى لشخص أو أكثر.
– تكون العقوبة هي الإعدام إذا ترتب عن الفعل موت شخص أو أكثر”.
خامسا: جرائم مرتبطة بالقتل العمد والتسميم والعنف
فقد نص القانون على أن القتل العمد حكمه الإعدام في الحالات التالية:
– إذا سبقته أو صحبته أو أعقبته جناية أخرى أو تم ارتكابه لإعداد أو تسهيل أو إتمام تنفيذ جناية أخرى، أو تم ارتكابه لتسهيل فرار مرتكبي الجريمة أو مشاركيهم أو لتخليصهم من العقاب ( ف 392).
– إذا كان مع سبق الإصرار أو الترصد (ف393).
– إذا استهدف القتل أحد الأصول (ف 396).
– إذا تم استعمال التعذيب أو تم ارتكاب عمل وحشي لتنفيذ فعل يعد جناية (ف399).
– في حالة جريمة التسميم (ف398).