“إلى أبنائي الشباب”.. رسالة من د.بنكيران إلى الشباب المحتج

هوية بريس – د.رشيد بن كيران
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أكتب إليكم هذه الكلمات من قلب أب محب يتألم لآلامكم، ويفرح بغيرتكم، ويأمل أن يرى فيكم جيل النهضة والإصلاح.
◆ إن المطالب التي خرجتم من أجلها في احتجاجاتكم مطالب مشروعة، تمس صميم كرامتكم وحقكم في العيش الكريم (وهي بالمناسبة مطالب الشعب المغربي بأكمله، وقد كتبت فيها تأييدا لكم في منشور سابق)، وها قد وصل صوتكم إلى الجهات المعنية، وهذا في حد ذاته نجاح يحسب لحركتكم؛ فالصوت الذي كان يُظن أنه سيظل حبيس الصدور، صار اليوم مسموعا ومطروحا على الطاولة.
◆ لكن ما رافق تلك الاحتجاجات من معاملة قاسية ومقاربة أمنية مشوبة بالغلظة “والحكرة“، أمر لا مبرر له، ولا يمكن قبوله شكلا ولا مضمونا. ومع ذلك فهو قد يحتمل تفسيرا أن السلطة شعرت بخطورة ما وبإمكانية استغلاله من قبل سماسرة الفتنة والمتربصين بالبلاد، الذين لا يريدون لكم ولوطنكم خيرا، بل يسعون إلى جر الوطن إلى مصير مجهول. ورغم هذا الاحتمال نقولها بصريح العبارة إن ما وقع من رجال الأمن من تعنيف شديد في بعض الحالات غاب عنه الحكمة والرحمة والقانون.
◆ وهنا، لابد أن أؤكد أن على الجهات المعنية المسؤولة أن تصغي بصدق إلى صوت الشباب، وألا ترى في المقاربة الأمنية حلا للأزمات، فإن الاكتفاء بالقمع دليل ضعف وسوء نظر، وقد جُرب في دول مجاورة إبان الربيع العربي، فكانت النتيجة كارثية ضاع فيها الوطن وضاعت المطالب معا. ولا نريد أن يكرر المسؤولون في وطننا الأخطاء التي دفع غيرنا ثمنها غاليا.
◆ أبنائي، إن الغاية الأساس من حراككم هي إيصال رسالتكم، وقد وصلت ولله الحمد. أما التغيير المنشود فلن يتحقق بالاعتصامات والمظاهرات، بل يحتاج إلى إرادة سياسية صادقة، ورجال دولة أوفياء ووطنيين بحق، ومحاسبة الفاسدين المفسدين، ووقت وفرصة جادة للعمل والإصلاح. ولهذا نلتمس من أعلى سلطة في البلاد أن تبعث برسالة واضحة وقاطعة تفيد بأن صوت الشباب قد بلغ مسامعها، وأن تُقدم لهم إشارات اطمئنان وأمل في مستقبل أفضل.
◆ أيها الشباب: لقد اشتكيتم -وعن حق- من تعليم كارثي، ومن تطبيب متدهور خطير وغيرهما من المطالب المشروعة، كما اشتكيتم من هدر المال العام في مهرجانات التفاهة ومشاريع لا تنفع الناس في حياتها الأساسية والضرورية. وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها. غير أن أقوى وسيلة لمواجهة هذه التفاهات ليست فقط في الاحتجاج عليها، بل أيضا في مقاطعتها، ورفض الانجرار خلفها، وتقديم البدائل الهادفة التي تربي الذوق وترفع الوعي.
وإني أحذركم مما وقع بالأمس حين أقدم بعض المراهقين على اقتحام الطريق السيار؛ فهذا تحول خطير ينذر بعواقب لا تحمد إن انفلت الوضع. إن مثل هذه التصرفات قد تفتح بابا للفوضى، ويضيع معها صوتكم العاقل ومطالبكم العادلة.
◆ فتذكروا أن الهدف من الاحتجاج هو أن يُسمع صوتكم، وقد سُمع بالفعل. أما التغيير والإصلاح فله مسلك آخر؛ وعي متواصل، وصبر طويل، وعمل جاد، ومقاطعة للتفاهة، ومطالبة سلمية بالحقوق بطريقة مبتكرة، وأنتم أهل لإبداعها، حتى يُكتب لجهادكم المدني هذا ثماره الحقيقية.
فكونوا على وعي، وكونوا على قدر الأمل المعلق بكم، واحذروا سماسرة الفتنة، والوقوع في فخ الأعداء.
◆ وختاما، اللهم احفظ وطننا من كل سوء، وصن شبابنا من الفتن، واملأ قلوبهم نورا وبصيرة.
اللهم ارزقهم مستقبلا زاهرا، تصان فيه الكرامة ويعلو فيه صوت الحق، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



