إلى أحمد عصيد… “المغرب ليس مدانا بما وقع في سبتة المحتلة”…

25 مايو 2021 15:32

هوية بريس – محمد زاوي

 خرج علينا أحمد عصيد، مجددا، بقول يدعي فيه حرصا على مصالح الوطن، يقدم النصائح ويعدّد المحاذير. ولا عيب في أن يفعل ذلك، وهو مغربي الجنسية، وابن لهذه الأرض، الأرض المغربية ذات التاريخ العريق والعتيد. لا عيب في ذلك، والعيب في المواقف الصادرة عن جهل بما يحدد “واقعنا الملموس” اليوم. وهذا بيان هذا الادعاء:

1-يسمي أحمد عصيد المهاجرين إلى سبتة ب”غير الشرعيين”، ويصف في نفس الوقت سبتة بأنها محتلة. وهذا من التناقض المنطقي الذي تحته غبش كبير. فمن هاجر منا إلى سبتة، فتلك أرضه وهو فيها صاحب الشرعية التاريخية. ليست له شرعية “التسويات الديبلوماسية”، ولا شرعية “كثير من القوانين الدولية الظالمة والفاسدة فساد واضعتها الإمبريالية الغربية”. وبالتالي فإما أن تكون سبتة مدينة مغربية محتلة، فتكون الهجرة إليها شرعية، مهما خضعت للتقديرات المؤقتة والتحولات المستجدة. وإما أن تكون مدينة إسبانية غير محتلة، فتكون الهجرة إليها غير شرعية.

2-يتوقع أحمد عصيد أن تكلف المناورة الأخيرة المغرب أكثر مما ينتظرن “سواء في جواره مع إسبانيا أو في علاقته بالاتحاد الأوروبي”، وذلك لأن “ردود الفعل حتى الآن سلبية بالنسبة لبلادنا”. وهذا يعني، في نظر عصيد، أن “من خطط لهذه العملية لا يبدو على دراية بقواعد تدبير السياسة الخارجية وفق وضعية المغرب ووزنه الإقليمي”. وفي هذا، يبدي عصيد جهلا كبيرا بما يلي:

– أن إدارة الدولة تعلم من معطيات الصراع وميزان القوى الدولي أكثر مما يعلمه عصيد، وذلك لأنها الأقرب إلى تلك المعطيات، نظرا لما يتوفر لها من أجهزة وعلاقات لا تتوفر للمحلل والمثقف خارج الدوائر العليا للقرار السيادي.

– فلا يحق، إذن، ل”من هو أقل فقها” أن ينقل الفقه إلى “من هو أفقه منه”. فكيف يجوز لعصيد أن يصف من دبّر “واقع سبتة الأخير” بعدم الدراية، وهو الأقدر على تصور المشكل أكثر من غير، وبالتالي بالتصرف بسداد أكثر من غيره.

3-يرى عصيد، ككثيرين، أن من حقه إبداء رأيه فيما يقع، ولا نجد في رأيه إلا: طموحا غير واقعي يقفز على ما هو كائن إلى ما ينبغي أن يكون (من مثالية عصيد غير العلمية)، أو حكما غير سديد لا يحسن “التحليل الملموس لواقعنا الملموس”. ومن ذلك نصحه إدارة الدولة المغربية ب”ربح حلفاء أقوياء أمام عداء الأشقاء الجزائريين وضغوط الجارة الشمالية”. ويجهل عصيد، أو ينسى، أن: الجزائر ليست واحدة، وأن إسبانيا ليست واحدة، وأن أمريكا ليست واحدة، وأن الاتحاد الأوروبي يتفكك ويضعف وهو في تناقض داخلي ومع قوى دولية أخرى، وأن المغرب يلعب منذ زمن بعيد (وليس اليوم فقط) على التناقض بين الإمبرياليات، كما يحاول أن يلعب اليوم على التناقض بين “اشتراكية السوق” و”رأسمالية السوق”، وأنه احترافي في هذه السياسة ومشهود له فيها بذلك، والقرائن على ذلك لا يسمح بها حيز هذا المقال. وإذ تأكد كل هذا، ففي أي سياق سنتقبل نصيحة أحمد عصيد بقبول حسن.

4-يشفق أحمد عصيد على صورتنا أمام المنتظم الدولي، والتي تؤكدها في نظره صورة الشباب والأطفال الفقراء المهاجرين إلى سبتة. ويعاتب السياسات المغربية على تلك الصورة، من وراء حجاب. والحقيقة أن نقد السياسات الرسمية واجب إذا كان مطلوبا، وإذا كان السياق يسمح به. وإلا فصانع التفاوت الاجتماعي داخل المغرب، هو الاستعمار. ومن شك في ذلك، فعليه أن يقرأ في كتب التاريخ الموضوعية كيف حوّل الاستعمار الفرنسي/ الاسباني “الفلاح المغربي إلى عامل قسرا” (ع. الموذن). والتناقض مع الاستعمار لم ينته إلا عند من يلهيه أمل “الاستقلال الذي لم يكتمل”. ولذلك، فالتوافق مع إدارة الدولة في مواجهة الاستعمار هو واجب الوقت والشرع والإنسانية، وهو واجب الوطنية قبل كل ذلك.

أما من يلعب على الحبلين: مواجهة الاستعمار، وتوجيه سهام النقد للدولة زمن احتدام الصراع؛ فهو أقرب إلى ما يصبو إليه الاستعمار: إضعاف الدولة بالمجتمع، وإضعاف هذا بتلك.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M