إمام تحت البيعة الصهيونية.. خيانة العمائم في زمن الاختراق الناعم

هوية بريس – إبراهيم سهيل

رأيت، كما رأى كثير من الكرام، ما وقع قبل أيام من زيارة عدد من منتحلي صفة الإمامة والتمثيل الديني في أوروبا، ومنهم مغاربة، لرئيس دولة الاحتلال. مشهد خيانة مفضوح، ظن أصحابه أنه سيمر في زحمة الإعلام، أو يَتزيّن برداء الحوار المخروم، أو يُغلف بعبارات التسامح والعيش المشترك. لكن الوقائع أفصحت، والمواقف كشفت، والوجوه التي سجدت لله بالأمس، خرّت اليوم أمام طاغوت العصر.
أخّرت الرد، لا إهمالًا، ولكن لأن الخيانة حين تُعلن تحتاج إلى بيان لا يكتفي بالرفض، بل يهتك الغطاء، ويكشف السياق، ويبيّن إلى أي جرف سحيق يسير هذا المسار. مسار بدأ قبل سنين طويلة تحت لافتة الوسطية، ثم انتهى إلى الجلوس مع قاتل الأطفال على مائدة واحدة، يتبادلون معه الابتسامات، كأن الدم ما زال دافئًا على جدران غزة.
ما حدث ليس حادثًا عابرًا، ولا اجتهادًا شخصيًا، بل هو حلقة جديدة في مسلسل الاختراق الناعم للدين. نموذج متكرر لنفس النغمة التي انطلقت من تريم، وتكررت في الإمارات، وتُرجم خطابها في أوروبا. حيث تُصنع العمائم الجديدة على أعين الممول، وتُنتج خطب الجمعة داخل غرف السفارات، وتُفصل الفتاوى على مقاس الرضا الأمني والسياسي.
هؤلاء ليسوا أئمة، بل سماسرة دين، يعملون في خدمة مشروع واحد: تحويل الإسلام من دين مقاومة إلى دين استسلام. من عقيدة تحرر إلى طقوس تهدئة. من كلمة الحق عند سلطان جائر إلى صورة مبتسمة مع سلطان غاصب.
الزيارة التي وقعت قبل أيام كانت إلى رئيس كيان لا يعترف بهم أصلًا، لكنه يستخدمهم لتجميل وجهه الدموي. أراد أن يُظهر للعالم أن الإسلام بدأ يُفهم، وأن بعضًا من أئمته نضجوا، وتحرروا من شعارات التحرير، وصاروا يتعقلون. وللأسف، وجد ضالته في عبيد المنصب، باعة العمامة، مروّجي الوهم، الذين جلسوا عنده كأنهم وفد مبارك، وهم في الحقيقة وفد ذلّ وخزي وعار، سيبقى في رقابهم إلى أن يلقوا الله.
وقد سبق هذا المسار خطوات ممهّدة كثيرة، من مؤتمرات باريس إلى لقاءات الأمم المتحدة، من مقولات التعايش مع الآخر إلى تحريم الدعاء على المعتدي، من حذف آيات الجهاد من مناهج المساجد الأوروبية إلى تجريم التذكير بقضية فلسطين علنًا. كل ذلك أعدّ الساحة لليوم الذي يجلس فيه من يُسمّى إمامًا في أوروبا أمام زعيم الاحتلال، ويقول له بلغة الجبن: نحن دعاة سلام.
وهنا لا بد من وقفات:
• هذا الفعل لا يُغتفر، لأنه اعتراف ضمني بشرعية كيان مغتصب، وبيع لقضية من آخر ما تبقى للأمة من شرف الموقف.
• هذا الفعل لا يُبرر، لا بالحوار، ولا بالتقريب، ولا بالتعايش. لأن الظالم لا يُهادن، والمجرم لا يُجالس، والمحتل لا يُبتسم له.
• هذا الفعل لا يُسكَت عنه، بل يجب تعريته وكشفه، فإن تُرك اليوم، صار غدًا سياسة عامة في مؤسسات الجاليات وخطب الجمعة ومدارس المسلمين في الغرب.
ولمن يريد الدليل، فليتأمل:
أين ذهبت خطب هؤلاء عن غزة؟
لماذا سُحبت كلمة “احتلال” من خطاباتهم؟
من يُموّل مؤسساتهم؟
من يمنحهم شرعية التمثيل في الإعلام والسفارات؟
لماذا يتم اختيارهم تحديدًا في المؤتمرات الكبرى؟
ومن يقف وراء تقنين وجودهم كممثلين عن الإسلام المعتدل؟
السؤال الحقيقي: ما الفرق بين إمام زار رئيس الاحتلال ليُباركه، وناطق عسكري صهيوني يُبرر المجازر؟ كلاهما يلبس لباسًا مختلفًا، لكن الوظيفة واحدة: نزع القداسة عن الحق، وتزيين الباطل باسم الدين.
وهنا، باسم الله، نُعلن البراءة.
نبرأ إلى الله من كل من زار كيان الاحتلال باسم الإسلام.
نبرأ من كل إمام يُجمّل الجلاد ويعذّب الضحية.
نبرأ من كل من وضع يده في يد من سرق القدس وقتل الأطفال وحرّف الدين.
نبرأ من كل من أراد أن يُغيّر دين محمد ليصير دينًا لطيفًا يُرضي سفارات الغرب، ويسكت عن ذبح المسلمين.
هذه ليست فتنة تُصمت، بل خيانة تُفضح.
وهؤلاء لا يُسكت عنهم تأدبًا، بل يُكشفون حماية للدين والأمة.
وليعلم من خان، أن ما فعله لن يُنسى، وأن للأمة ذاكرة، وأن القرآن علّمنا: “ومن يتولهم منكم فإنه منهم”.
هذا ليس وقت المجاملات، بل وقت المفاصلة.
دين يُهادن القاتل ليس ديننا.
وإسلام يُبارك الاحتلال ليس إسلامنا.
وإمام يُصافح من يقتلنا لا يمثلنا.
والله فوقهم قاهر، وعلى دينه ناصر،
وسَيُظهر دينه ولو كره المطبّعون.



