إنصافا للريسوني
هوية بريس – سعيد زاوي
قدم الدكتور احمد الريسوني استقالته من رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يوم الأحد 30 محرم 1444هـ الموافق ل28/08/2022، تبعا لما خلفه كلامه من ردود فعل قوية من اطراف عدة لاسيما جزائرية و موريتانية ذهبت الى حد اتهامه بانه يعمل لتنفيذ اجندة النظام المغربي تحت عباءة العلم، و لم يكن معبرا فقط عن نظرته الشخصية للمسألة كعالم مستقل. و الأخطر في الامر، كما قالوا انه يحتل مركزا جد حساس و هو رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، و حري به في مقام كهذا، أن يكون كلامه جامعا لكلمة المسلمين لا مفرقا لهم بل و محرضا على الاقتتال بينهم كما صرح بذلك.
و رغم نفيه، لاحقا، لهذه الاتهامات بإعطائه تأويلا مغايرا لما فهموه من ظاهر ما قاله من قبل، إلا أن ذلك لم يشفع له . و مما أوصل الأمر إلى أوجه في الخصومة و ربما أوقع الاتحاد في حرج شديد، استقالة علماء الجزائر المنتمين للاتحاد من الاتحاد و مطالبتهم بضرورة إقالة الدكتور الريسوني .
ولعل استقالة الدكتور الريسوني، هذه، تؤدي إلى هدوء العاصفة و هدوء الأنفس، فنعرج بعقل، و دون توتر على فحص بعض ما تعلق بهذه القضية :
1- اتهام الريسوني بخدمة أجندة النظام في المغرب بعيد كل البعد عن الحق و الصواب. فالرجل معروف باستقلال آرائه منذ عرف بين الناس كعالم من العلماء و ليس اليوم او امس فقط. و صراحته و استقلالية رأيه هما من أديا به الى الاستقالة من قبل من رئاسة حركة التوحيد و الإصلاح . وحواره الذي أثار كل هذه المشاكل هو نفسه يدحض هذا الاتهام. فالوحدة مع موريتانيا [ بالحوار و التقارب و التواصل كما فسر ذلك من بعد] ليست من مطالب النظام في المغرب، فالمغرب يعتبر موريتانيا جارا كباقي الجيران، يعمل من أجل تحسين آفاق التعاون معه و حسن الجوار، لا أكثر. و الصحراء الشرقية [و منها تيندوف ]، ملفها موقوف منذ أمد، والجزائر لا يطلب منها المغرب اليوم غير فتح الحدود و فتح أبواب التعاون مع حسن الجوار و ترك مشكلة الصحراء بيد الأمم المتحدة. ولعل أهم ما خالف فيه الريسوني الحكومة في المغرب و بشكل مبدئي، هو تطبيعها مع الكيان الصهيوني لأجل مساعدته في قضية الصحراء. بل إن كلامه الحماسي الذي أتى على ذكر تيندوف و المسير إليها، ما دفعه إليه إلا الرغبة في بيان أن المغاربة مستغنون عن الكيان الصهيوني و التطبيع معه و باستطاعتهم القيام بمسيرة مليونية اذا طلب منهم ذلك و الذهاب الى غاية تيندوف.
من هنا يتضح تهافت تهم من اتهمه بذلك، فالرجل عبر عن رأيه بكل استقلالية و حرية و ليس مثله من يخضع لتوجيه الحكومات فيما نعلم عنه من مواقفه السابقة. و الغريب في الأمر أن بعض العلمانيين بالمغرب، أعداء الإسلام و الإسلاميين [ وليس جميعهم]، الذين يتحينون كل فرصة للإيقاع بالإسلاميين و التحريض على طردهم من الساحة، وجدوا في كلام الريسوني خروجا و تمردا عن نهج الدولة المغربية و إحراجا لها !
-لقد بدت الحملة المضادة في الجزائر من البعض و كأن الريسوني شر مجرم عرفه التاريخ المعاصر! فلم يكتفوا بالتطرق للموضوع فقط بل تجاوزوه الى شخصه و التحريض عليه، و بدا من بعضهم نوع من التنفيس عما كان يشتعل من نيران الحسد في داخله، إذ وجدها فرصة لمحاولة إزاحة الرجل من منصبه، و لو علم هؤلاء زهد الرجل في المناصب و هذه المسميات لخجلوا من أنفسهم! وإنك وأنت ترى ذلك التحامل المنظم و بتلك الصورة سواء في الجزائر أو موريتانيا، ليتبادر إلى ذهنك سؤال : من يحرك هؤلاء بهذا الشكل !؟ و عودا الى النقطة الأولى في الأعلى، أجدني أعلق مرددا للمثل القديم : رمتني بدائها و انسلت ! لكن أغرب ما في تلك الحملة الهوجاء هو رميه بتهم خطيرة، إن كان وقع في بعضها دون قصد، فهم قد وقعوا فيما هو أعظم منها دون أدنى تحرج! فقد اتهموا الرجل بزرع الفتنة بين الإخوة الأشقاء و التحريض على الاقتتال بين المسلمين، و تناسوا أن هذه الفرقة و هذه الفتنة موجودة منذ عقود طويلة بفعل حكام الجزائر . هؤلاء الحكام الذين قطعوا الأرحام و يسعون بإلحاح الى تمزيق بلد جار لهم ومسلم بكل الوسائل المادية و السياسية و الإعلامية، مهما غلت، ومهما كانت أوضاع الشعب الجزائري غير مرضية و تحتاج الى تركيز في العناية.
و لو أن هؤلاء المنتقدين للريسوني عرف عنهم لومهم لنظامهم على جرائمه تلك، لقلنا إنهم صادقون في نواياهم و أقوالهم، و هم حقا إنما يبتغون الإصلاح و لم الشمل و درأ كل فتنة ووأدها في مهدها، لكن و الحال أنهم مع نظامهم يتصرفون كشيطان أخرس، لا ينصحون و لا يأمرون بخير و لا ينهون عن شر فيما يتعلق بسوء جواره للمغرب، بل يرددون مقولاته أحيانا عن الصحراء، فلا يجوز لهم التحامل على الرجل كل هذا التحامل، و الآيات و الأحاديث التي يرددونها، كان الأولى بهم إسماعها لهؤلاء الحكام عندهم، قبل الاتيان بها تبجحا و رياء و تدليسا. ولكني فيما يتعلق بما قاله العلامة الفاضل و بكل تجرد و عدل أقول بأنه أخطأ في كلامه و لم يكن موفقا في بعض النقط، و كان عليه الحذر فيما قاله، ولكل جواد كبوة كما يقال . و للأمانة فإنه أعطى تأويلا آخر لكلامه، فيما بعد، يصرفه عن ظاهره الذي ألب عليه الخصوم، ولكن كان ينبغي عليه الحذر كما قلت . و لكني، مع ذلك، سأتطرق هنا لذلك الظاهر من كلامه على ما حمله عليه كثير من الناس، حتى أساهم في تصحيح بعض المفاهيم، عند المغاربة و الجزائريين على حد سواء، المتعلقة بنفس القضايا تلك :
-فقضية موريتانيا، ملف قد طوي و انتهى، و لا ينبغي النبش فيه، بل ما ينبغي العمل له اليوم هو الدفع نحو التعاون و حسن الجوار و الابتعاد عن الخلافات بين البلدين و توطيد روابط الاخوة بين الشعبين في أفق تحقيق الوحدة المنشودة بين القطرين المسلمين مستقبلا بل بين جميع المسلمين . نعم، لا بأس من التطرق لذلك من باب التأريخ، فالتاريخ لا يمكن طمسه أو تحريفه، أو التطرق لذلك أثناء رد مزاعم البوليساريو و حكام الجزائر. فإظهار حقيقة أن بلاد شنقيط [موريتانيا حاليا] كانت من ضمن الأراضي المغربية الى وقت غير بعيد يدحض حجة أن الصحراء كانت مستقلة عن المغرب طول الوقت!
-وأما تيندوف والصحراء الشرقية، فإن كانت قد فصلت عن المغرب المسلم فإنها قد ذهبت إلى الجزائر المسلمة، و لم تخلق دويلة جديدة تزيد في تقسيم ما هو مقسم أصلا. فلا حرج إذن، و ينبغي طي صفحتها أيضا، لا سيما أن المطالبة بها لن تحل المشكلة بل ستزيد في تعقيدها. فمعظم الشعب الجزائري قد لعبت الآلة الإعلامية لحكام الجزائر بمفاهيمه و معلوماته، فصار يعتقد جازما أن المغرب نظام توسعي يريد السيطرة على أراضيهم بعد ما خانهم في السابق أيام الثورة [!!!] فهو شر عدو للجزائر ! و إذا أضفنا إلى ذلك كون هؤلاء الحكام لا يتورعون في المسارعة في قطع الأرحام و الدخول في النزاعات و يدهم خفيفة على الزناد، و يجدون في ذلك تغطية عن فشلهم المستمر في إدارة بلادهم، فلنتصور كيف ستصير العلاقة بين البلدين ! لا أستبعد، إذاك، أن تشتعل حرب ضروس أعظم من تلك التي وقعت بين العراق و إيران! و عليه، فصونا لحرمة الدماء، و حفظا لحسن الجوار مع الجار المسلم و إن كان جاهلا، و حفاظا على الروابط التي تجمع بين الشعبين المسلمين و إن كدرتها الأكاذيب و الأكاذيب، فينبغي، من أجل الصلح [ و الصلح خير ] التنازل و طي هذا الملف نهائيا.
-أما الصحراء الغربية فهي مغربية وينبغي أن تظل مغربية. وأعتقد، جازما، أن من حسنات النظام المغربي رغم نقائصه الكثيرة في نواح أخرى، على عكس ما يروج له حكام الجزائر وأتباعهم، تشبثه بالصحراء و الإصرار على عدم التفريط فيها. و من أسباب ما يدعونا إلى هذا الموقف، سبب رئيس يسبق كل باقي الأسباب، ألا و هو المحافظة على وحدة الأراضي الإسلامية. فإن هذا أصل في ديننا ومعلوم من الدين بالضرورة، لا يتجاهله إلا مكابر عميت بصيرته عن رؤية الحق! فبغض الطرف عمن يحكم و كيف يحكم [من الرؤساء و الأمراء و الملوك ] فلا ينبغي التفريط في وحدة الأراضي الإسلامية أبدا. يضاف إلى هذا أن وجه الحق مع المغرب في هذه القضية، فالتاريخ و الجغرافيا و الثقافة و الاجتماع، كل ذلك يسند قضية مغربية الصحراء[ لتفادي الإطالة بالاتيان بالحجج أحيلك على كتاب : مغربية الصحراء لمصطفى الخلفي]، أما السبب الأخير، فهو سفه تلك الزمرة شيوعية المنبت التي تتزعم البوليساريو و انحرافها . فهم حتى في هذه الظروف التي تعتبرعندهم مرحلة نضال، لا يجسدون ما يدعونه من مبادئ وقيم. فلا حرية عندهم و لا ديموقراطية و لا شفافية و لا أمانة [حتى المعونات يطمعون في الاستحواذ على جزء كبير منها!] ولا حسن تسيير أو تدبير، هذا وهم لا يزالون في طور النضال الذي يخفى فيه، عادة، كل أنواع الانحرافات من جشع و سرقة و ظلم و غيره، فكيف بهم إذا تمكنوا من إنشاء دولة و سيطروا على مناصبها السياسية والمالية!؟ كيف سيكون حالهم يا ترى!؟
-أما مسألة التطبيع التي شجبها الدكتور الريسوني بشدة، فلا يستحق إلا الشكر وكبير الاحترام والتقدير على موقفه بشأنها. ورغم أن التصريح الرسمي للحكومة ينفي أن يكون التطبيع من أجل الصحراء لكن لا أحد يشك أنه وقع من أجلها، وإنما اضطرت الحكومة المغربية لقول ذلك لأنها تعلم ان النظام الجزائري سيستغل الأمر في دعايته ضد المملكة و لدعم البوليساريو، وهو ما وقع فعلا بل تعداه إلى الجرأة على قطع العلاقات كاملة مع المغرب وعدم قبول أي وساطة للصلح بين البلدين!
والتطبيع مع الصهاينة قضية محسوم في شأنها عند كل مسلم يفهم دينه! فلا يمكن بحال من الأحوال أن نتخذ وسائل للدفاع عن حقوقنا بتضييع حقوق غيرنا ولو كانوا غير مسلمين، فما بالك إذا كانوا مسلمين، وما بالك إذا تعلق الأمر بإخواننا الفلسطينيين وتعلق الأمر بفلسطين!؟