إنكار لفظ من القرآن.. “حور عين”.. ما هو المعلوم من الدين بالضرورة؟
هوية بريس – د.رشيد بنكيران
المعلوم من الدين بالضرورة هو ما استفاض علمه وانتشر في الناس حتى استوى فيه العالم والجاهل والخاص والعام، بحيث لا يستطيع المكلف أن يتجاهله، ولا يصح منه أن يدعي عدم معرفته به، إلا إذا كان حديث عهد بالإسلام أو نشأ في مكان بعيد عن الناس وعن تحصيل تعاليم الإسلام.
ومن الأمثلة التي ضربها العلماء للمعلوم من الدين بالضرورة الصلوات الخمس وصوم رمضان والحج والاذان وغيرها. ونقلوا الإجماع على أنه من أنكر معلوما من الدين بالضرورة فقد كفر.
هل كل ما جاء في القرآن معلوم من الدين بالضرورة ؟
ليس كل ما جاء في القرآن الكريم معلوما بالضرورة لدى جميع المسلمين، فإن منهم من لا يقرأ القرآن كاملا، ومنهم من يهجر قراءته بالكلية، ومنهم من لا يستوعبه لفظا وإن قرأه، ولهذا لا يصح إطلاق أنه من أنكر شيئا من القرآن فقد أنكر معلوما من الدين بالضرورة.
هل يمكن أن ينكر حافظ للقران بعض ما جاء فيه؟
في الواقع، يستبعد أن ينكر حافظ للقرآن بعض ما جاء فيه، فإن وصلنا خبر أن حافظا للقرآن وقع منه ذلك ، فهو أحد هؤلاء الثلاثة من الناس:
✓ ليس بحافظ للقرآن، إنما يدعي ذلك، فهذا الصنف يجب أن يؤدب ويعلم؛
✓ حافظ لكنه نسي واختلط عليه الأمر، فهذا الصنف يجب أن يذكر بلطف ولين؛
✓ حافظ لكنه لا ينكر اللفظ القرآني ، وانما ينكر معنى مشاعا بين الناس يراه خطأ وقد فسر به ذلك اللفظ، إلا أنه خانته العبارة، فأطلق كلاما يفهم منه أنه أنكر اللفظ القرآني، وانما كان يريد إنكار المعنى الخطأ في تصوره . وهذا الصنف يجب أن ينبه لكي يصحح ما صدر منه من كلام، وينزل منزلة من أخطأ في التعبير وليس كمن أنكر لفظا من القرآن.
وعليه: فمن الخطأ الكبير والتسرع المذموم الخطير أن يحكم بكفر من يدعي أنه حافظ للقران الكريم؛ لأنه نقل عنه مشهد يظهر فيه أنه أنكر لفظا من القرآن، كما وقع لمن أنكر الحور العين، مع وجود تلك الاحتمالات الآنفة الذكر.
تلك الاحتمالات وغيرها إن وجدت لا يمكن أن تدفع وترفع إلا بالتزام القواعد الشرعية المقررة التي تتمثل في #إثبات شروط الحكم بالتكفير وانتفاء موانعه.
ومن النصوص الشرعية التي نستحضرها في هذا المقام ما جاء في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: “لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ. أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ”.
قلت: لما كانت شدة الفرح مظنة لزوال العقل والوقوع في الخطأ عذر الشرع صاحبه ولم يحاسبه وإن نطق بالكفر؛ إذ جعل الرب عبدا والعبد ربا. ويقاس على شدة الفرح شدة الغضب وكل ما يذهب العقل.
أما إذا استحضرنا الأمراض النفسية المعقدة في هذا العصر ومدى سيطرتها على سلوك الإنسان، فهذا أمر آخر يدفعنا الى التريث وعدم الاستعجال في الحكم على الناس، وخصوصا إذا ظهرت بعض أماراته، واللبيب بالإشارة يفهم، وكفى من الأخطاء التي تضعف موقفنا ونحن أصحاب حق ونعيش غربة.