إنهم إنسانيون
هوية بريس – هبة البغدادي البارزي
من الطبيعي أن يكون الإنسان إنسانيا، فالصفات والمشاعر الإنسانية هي صفات يشترك بها جميع البشر، وليس كل صفة إنسانية هي صفة خير بل الإنسان يحمل من الصفات ماهو خير وماهو شر، مثلما ذكر الله في كتابه الكريم، ومن صفات الإنسان ميله لحب الشهوات، واتباعه للهوى، وله نفس أمارة بالسوء، قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:14].
{وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا} [الإسراء:83]
{خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء:37]
{وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72]
{إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا*وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا* إِلَّا الْمُصَلِّينَ}[المعارج:22-19]
{يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا}[النساء:28]
{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[يوسف:53].
فلولا رحمة الله لبقي الإنسان على جهله وعجلته وهلعه ولاستكان لهمومه ولنفسه الأمارة بالسوء، فأرسل الله الدين للناس رحمة ليهذب أفعالهم، وإنسانيتهم، وينظم علاقاتهم ببعضهم، وعلمهم من أسمائه ماجعلهم يطمئنون بالإيمان بها وبالتوكل عليه جل وعلى، لأن الكمال له وحده، وعَرَّف الله الإنسان بصفات نفسه الإنسانية ليحذرها، وجعل القليل من الناس مؤمنين والكثير ضالين: ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾ [الأنعام:61].
ثم اختص الله المسلمين بصفات جعلتهم خير أمة أخرجت للناس، فمن أراد أن يهذب إنسانيته فليلزم صفات المؤمنين والمتقين في الكتاب العزيز وهدي النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾[المؤمنون:57 -60].
{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ۚ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ۖ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ}[النجم:32].
فالإنسانية هي الجبلة التي خلق الله الإنسان عليها، يقومها الدين فينبذ السيء منها كالجهل والضعف وقسوة القلب والغضب والحسد والسخرية، ويدعم الجميل منها كالتراحم والتعاضد والتآخي والعطف والاحترام والصدق ومغالبة الهوى والصبر.