نشرت مجلة “إيكونوميست” تعليقا على مسلسل “الاختيار 3” قالت فيه إنه دراما باذخة تحاول أن تعبئ المصريين بالذكريات الحالكة.
وأشارت المجلة إلى أن المسلسل “فشل كتوثيق للتاريخ ودعاية”، فـ”عندما اجتمع المشاهدون الشهر الماضي لمتابعة المسلسل، كانوا يعرفون نهايته بالضبط. ففي الحلقة قبل الأخيرة، دخل ياسر جلال الذي يمثل دور عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع في حينه، غرفةً مليئة بالقادة الدينيين والسياسيين قائلا: علينا اتخاذ القرارالمصيري، والبلد بحاجة لواحد”. التاريخ هو 3 يوليوز 2013، وبعد ساعات، ظهرت مجموعة الرجال البارزين على شاشة التلفاز إلى جانب السيسي وهو يعلن نهاية التجربة الديمقراطية المصرية القصيرة.
وتعلق المجلة أن المشاهدين العرب، يجدون أنفسهم أمام خيارات عديدة في شهر رمضان. وتقدم محطات التلفزة العشرات من المسلسلات ذات الميزانيات الكبيرة، إلا أن مسلسل الاختيار في موسمه الثالث كان الأكثر ترويجا من بين مسلسلات هذا العام. واهتم الموسم الأخير بتقديم ما يقول المنتجون إنه معالجة درامية لـ”أخطر 96 ساعة في تاريخ مصر الحديث”، التظاهرات الجماهيرية الحاشدة، ومن ثم الانقلاب في صيف عام 2013 الذي أطاح بمحمد مرسي، عضو جماعة الإخوان المسلمين، والرجل الوحيد والأول الذي يفوز بانتخابات نزيهة في مصر.
وتقول المجلة إن ياسر جلال لعب دور الجنرال بطريقة متقنة، ونقل ولعه بنصف الابتسامات واليدين المشدودتين. ولو أغمضت عينيك، فستجد أن همساته وصوته الرخيم لا يختلف عن السيسي الحقيقي الحاكم منذ عام 2014.
ولم يكن هناك أي مجال للشك عمّن يجب دعمه عند مشاهدة المسلسل، فالسيسي رجل متواضع وتقي، وبار بأمه التي يتوقف للحديث معها وهو في طريقه للإعلان عن الانقلاب. وأما الرئيس مرسي وأتباعه، فقد ظهروا بطريقة ماكرة، ورافقت ظهورهم موسيقى تنذر بالشر. ويفخر المنتجون بالمسلسل، ويقولون إنه ليس مجرد ترفيه، ولكنه “كتاب تاريخ” لأجيال المستقبل.
وربما كان هذا هدفا جديرا بالثناء لو كانوا جادين بشأنه. فالأحداث في ذلك الصيف تظل ضبابية حتى بالنسبة للذين عاشوها. فما بدا وكأنه تظاهرة يوم، وفرصة للمعارضة بأن تنفس عن غضبها، تحول بسرعة محيرة إلى انقلاب دموي. ويأخذ المسلسل المشاهدين إلى داخل كواليس أجهزة الأمن المصرية، فقائمة الشكر للمتعاونين في إنتاجه ضمت الجيش ووزارة الداخلية، وظهرت قبل أسماء طاقم المسلسل.
ويقوم المسلسل بدمج تسجيلات حقيقية لمسؤولي الإخوان سجلتها لهم الأجهزة الأمنية سرا، ولم تبث من قبل. وتقدم اللقطات الإخوان المسلمين بصورة العاجز والعنيد، وهي حقيقة يتفق معها الكثير من المشاهدين، ولكن المسلسل لا يسلط أي ضوء على الطريقة التي تآمرت فيها الدولة العميقة لرمي الديمقراطية في “الزبالة”. فالمسلسل هو تاريخ يكتبه المنتصر.
وقالت المجلة إن الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات اهتم بهما مخرجون خلدوا حياتهما، ولكن ظهورهما حصل بعد فترة طويلة من وفاتهما. وربما لن يجد حسني مبارك الذي أطيح به من يعالج حياته دراميا في السينما.
لكن تحول الرئيس السيسي للشاشة الصغيرة يأتي في ذروة سلطته، فقد دفع عام 2019 لتعديلات دستورية تضمن له الحكم حتى عام 2030. وما قدم في رمضان هو مجرد دعاية باذخة قصد منها تعبئة المصريين، في وقت يشعر الكثيرون منهم بالخيبة من النظام والرئيس. فبعد ستة أعوام من توقيع مصر صفقة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بـ12 مليار دولار، عادت لطلب قرض آخر وهي تشعر بما سيتركه ارتفاع أسعار الطعام والطاقة على الميزانية. وزادت معدلات الفقر منذ وصول السيسي إلى الحكم، وكذا المشاكل المزمنة مثل التعليم والرعاية الصحية الرديئة والفوضى الحضرية وعدم المساواة المستشرية والفساد، وهي كلها مشاكل لم يتم حلها.
ويقول داعمو الرئيس إنه أنقذ مصر من “النفق المظلم” الذي قاد الإسلاميون البلد إليه، لكن البلد لم يخرج بعد إلى ضوء الشمس.
ولا يعرف عدد المشاهدين الذي شاهدوا المسلسل في القنوات التي عرضته. وربما تابعه المصريون من مختلف التوجهات السياسية بأعداد كبيرة، كنوع من الواجب الوطني أو الرغبة للسخرية من البروباغندا، لكن قلة تابعت المسلسل حتى نهايته. وتم حث الصحافيين على كتابة مراجعات تبالغ في المديح. وربما أراد بعض المصريين التخلص من أحداث ذلك الصيف، فلديهم الآن مشاكل أكبر.