اتفاق “إبراهيم الخليل”… و”الخليل” منه براء… تقنين الاحتلال تحت قناع تسامح الديانات التوحيدية
هوية بريس – محمد زاوي
أي مصلحة هي تلك التي يخدمها الاتفاق بين الإمارات و”الكيان الصهيوني” بوساطة أمريكية؟
هل هو يخدم مصلحة الإمارات ومعها السعودية؟
أم أنه يخدم مصلحة “الكيان” وحده؟
هل سيجني دونالد ترامب من وراء هذا الاتفاق شيئا؟
هل سيستفيد منه الفلسطينيون ومعهم الوطن العربي؟
…
لا بد إذن من تحديد المصالح أولا، لنرى هل الاتفاق أعلاه إبراهيمي أم شيطاني. بنفس الطريقة التي ننزع بها أقنعة “الربّانية” واستدعاء الإسلام عن دعوات التفكيك والتجزئة وانتهاك حرمة الوطن العربي لصالح الطرف الأكثر رجعية في الداخل الأمريكي (المجمع الصناعي العسكري)؛ بنفس تلك الطريقة، سننزع عن “الاتفاق الثلاثي بين الإمارات والكيان الصهيوني وأمريكا” قناع التسامح بين الديانات الثلاث: الإسلام واليهودية والمسيحية.
****
لترامب مصلحتان من وراء هذا الاتفاق، وهما:
– مصلحة استراتيجية: العودة إلى الداخل الأمريكي دون الإضرار بمصالح “الكيان الصهيوني”.
– مصلحة تكتيكية: أخذ ورقة رابحة للانتخابات الأمريكية المقبلة ضد مرشح “المجمع الصناعي العسكري” (البنية التحتية للحزب الديمقراطي الأمريكي): جوزيفبايدن.
****
وللإمارات والسعودية مصلحة كذلك، وهي:
استمرار حليفهما “ترامب” رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك أسلم لهما من صعود “الرجعية الأمريكية” التي تهددهما وتهدد سلام واستقرار الوطن العربي. هذا، وتخدمهما استراتيجية “ترامب” كممثل للمجمع الصناعي المدني، حيث الاقتناع بضرورة الرجوع إلى الداخل الأمريكي وإصلاحه ومحاصرة المجمع الصناعي العسكري (مجزئ الوطن العربي بالحروب والصراعات بين المجتمعات وإداراتها).
****
وللكيان مصالح أخرى من وراء هذا الاتفاق:
– فبالتطبيع معه وتأمينه وحماية مصالحه من قِبَل الأنظمة العربية قبل غيرها، سيجد متنفسا آخر للتوسع والاختراق والابتزاز والاستغلال والتهديد أكثر من ذي قبل.
– وبالاعتراف به، سيظفر بالدولة التي كان يراها غير مستقرة بين يديه إلى عهد قريب.
– وبإبرام معاهدات السلام معه، ستفقد المقاومة الفلسطينية الجزء الأكبر من شرعية وجودها، كما ستفقد شرعيتها كاملة فيما يتعلق بدفاعها عن فلسطين دولةً للفلسطينيين وعاصمتها القدس الشريف، من غير أن يُنقص منها شبر واحد.
– كل هذا سيجعل المقاومة محرجة في الدفاع عن مطالبها التاريخية والمتعاهد عليها: فلسطين من البحر إلى النهر، القدس عاصمة فلسطين، إطلاق سراح الأسرى، عودة اللاجئين والأسرى إلى منازلهم… إلخ.
– وما أدرانا ألاّ يستمر هذا “الكيان” في خدمة مصالح الطرف الأكثر رجعية في أمريكا (المجمع الصناعي العسكري)، بعد أن يكون قد استغفل ترامب ومعه الأنظمة العربية المطبّعة. ما أدرانا أنه سيتراجع عن: استخباراته القذرة، الدعارة، المخدرات، الكازينوهات والقمار، ابتزاز السياسيين والمناضلين، خلق الفتن ونشر الفوضى والعبث في الوطن العربي، اختراق المجتمعات العربية وإداراتها… إلخ. ما أدرانا أن رهان ترامب سينجح، وأنه سيفوز بالانتخابات المقبلة، وأنه ستمكن من تنفيذ مخططه حيث: تقليل الحروب والتدخل في شؤون الدول الأخرى إلى أقصى حد والرجوع إلى الداخل الأمريكي بهدف إصلاحه. أليس من حقنا أن نتخوف من أن ينال “الكيان” ما يريده دون أن يحقق ترامب شيئا مما يريده في العالم وفي الداخل الأمركي؟
****
حدّدوا مصالحهم بعناية، وتوافقوا بعد أن تنازل بعضهم لبعض، واتفقوا على حماية “الكيان” دون اعتبار لحقوق الشعب الفلسطيني في أراضيه المحتلة، ثم همّوا باستدعاء “إبراهيم الخليل” لتبرير ما توافَق عليه رأسمالان (عسكري ومدني) في أرض فلسطين.
إبراهيم الذي كسر الأصنام ووجد الله بعد أسئلة وشك، هو الذي يراد له اليوم أن يبرر عبادة أفظع إله يعرفه العصر الحالي: الرأسمال الاحتكاري المتوحش.
إبراهيم الذي واجه النمرود بالتأمل في ملك الله من ظواهر الطبيعة (الإحياء والإماتة، الإتيان بالشمس من المشرق)، هو الذي يراد له اليوم أن يَعبد الرأسمال وأربابه في العالَم.
إبراهيم الذي تساءل في الوجود وبَحَث عن حقيقته في قلق وشغف، هو الذي يراد له اليوم أن يَطبَع باليقين أكبر تدليس في تاريخ الشعب الفلسطيني.
إبراهيم الذي نقل العالم أجمع من تعدد الآلهة إلى توحيدها، هو الذي يراد له اليوم أن يفرّقهاويجعلها متعددة من دون الله خدمة للرأسمالية في مرحلة توحشها واحتضارها وتصدير أزماتها.
إبراهيم الذي جعل منه القرآن رمزا للإنسانية بصفائها وعدلها ورحمتها وبحثها عن الحقيقة وعفوية رحلتها في الأرض، هو الذي يراد له اليوم أن يكون ضد الإنسانية ورمزا من رموز رجعيتها.
إبراهيم الذي كان أبًا ليهودية موسى ومسيحية عيسى وإسلام محمد، هو الذي يراد له اليوم أن يكون مَصدَرا لصهيونية “الكيان” ورأسمالية أمريكا الاحتكارية و”حداثوية” وتطبيع الإمارات العربية المتحدة.
… إلخ.
****
لقد دخلوا فلسطين واحتلوها بإيديولوجيات: حائط المبكى، هيكل سليمان، أرض الميعاد، معركة الهرمجدون، “أرض بلا شعب وشعب بلا الأرض”… إلخ. وقد تحالفت البروتستانتية الأمريكية والصهيونية “الإسرائيلية” في حلف “الصهيونية البروتستانتية”، تحت قناع “عقيدة البداء/ تصحيح خطأ الربّ”. واليوم، يودون تقنين وتأمين احتلال الدولة الفلسطينية تحت قناع “اتفاق إبراهيم الخليل”.