اتهامات بتسييس خطبة الجمعة وتحويلها إلى منصة للدفاع عن الحكومة

اتهامات بتسيير خطبة الجمعة وتحويلها إلى منصة للدفاع عن الحكومة
هوية بريس – عابد عبد المنعم
أثارت خطبة الجمعة التي عمّمتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على مساجد المملكة، والتي خُصّصت لموضوع الحضّ على “مراعاة المصلحة العليا للوطن”، موجة واسعة من الانتقادات بين علماء وخطباء سابقين وفاعلين في الشأن الديني، إلى جانب عدد كبير من المواطنين الذين باتوا يرون أن خطب الجمعة أصبحت أقرب إلى الخطب السياسية منها إلى المواعظ الدينية والرسائل التوجيهية.
الخطبة ركزت على ضرورة تغليب المصلحة العليا للوطن على المصالح الفردية والفئوية، وربطت بين الأمن والاستقرار والثوابت الدينية والوطنية، مستشهدة بآيات وأحاديث حول وحدة الصف وحماية الأمة والحفاظ على أسرارها.
ولم يمرّ على المتابعين مرور الكرام تركيز الخطبة على ضرورة “مراعاة المصلحة العليا للوطن في وسائل الإعلام وإشاعة الأخبار، والصحة والاقتصاد والتجارة وسائر الأمور المؤثرة”.
فقد اعتبر العديد أن هذا المقطع تحديدا يتجاوز الوعظ الديني المباشر نحو رسائل غير معلنة موجَّهة لمهنيي الإعلام والفاعلين الاقتصاديين والناشطين في الشأن العام، في سياق تفادي أي خطاب نعلرض للحكومة أو مواقف أو أخبار قد تُصنَّف بأنها تعارض الرواية الرسمية. ويرى المنتقدون أن تضمين خطبة الجمعة إشارات كهذه يُؤكّد توجها واضحا نحو تطويع المنبر الديني لتمرير رسائل رقابية أو تحذيرية مبطّنة، بدل التركيز على الهدي الشرعي الخالص أو معالجة قضايا المجتمع الروحية والأخلاقية كما ينتظرها المصلّون في يوم الجمعة.
غير أن هذا الطابع الموجَّه فجّر نقاشا حاد مباشرة بعد الصلاة. حيث كتب أحد المعلقين تفاعلا مع الخطبة “خطب الجمعة أصبحت درسا أسبوعيا في مادة التربية الوطنية”، فيما اعتبر ذ.إدريس إدريسي، العضو السابق للمجلس العلمي بخنيفرة، أن “الانتهازيين والمفسدين أكثر الناس تغنّياً بحب الوطن وإمارة المؤمنين”، وأضاف معلقا “لا لتسييس منبر الجمعة ولا لعلمنة الخطاب الديني”.
أما الشيخ الحسن بن علي الكتاني فتساءل بقوله: “ماذا فهمتم من خطبة الجمعة اليوم في المغرب؟ هل فهمتم تحريم موالاة الكفار والتعاون معهم ضد الأمة؟ هل فهمتم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حديث السفينة؟”.
ليعقب بعد ذلك بقوله “مشكلة الخطب هي أنها لا تشفي من علة ولا تنقع من غلة”…
وبموازاة هذه الانتقادات، يزداد عدد المواطنين الذين يعبرون علنا عن انزعاجهم من هذا التوجه، معتبرين أن خطبة الجمعة تحولت، على حد قولهم، إلى “منصة حكومية أسبوعية”، وأن الوزارة أصبحت “تستعمل السياسة في الدين أكثر بكثير مما تنتقده على من تصنفهم ضمن أعدائها ومخالفيها”. ويرى هؤلاء أن الخطاب الديني فقد كثيرا من عمقه الروحي والوعظي لصالح رسائل يصفونها بأنها تعليمات وتوجيهات سياسية لا تلبي حاجة الناس لسماع موعظة دينية خالصة كما كان الأمر في السابق.
ومع كل خطبة جديدة، يعود الجدل نفسه حول حدود العلاقة بين الدين والسياسة، ودور المسجد في التوجيه الأخلاقي مقابل الدور الذي تريده الدولة له. وبين الأصوات التي تدافع عن الخطب الموحدة باعتبارها وسيلة لحماية الثوابت وضمان الأمن الروحي، وأخرى ترى فيها محاولة لـ”قولبة” الخطاب الديني وتطويعه لخدمة السياسة الرسمية، يظل النقاش مفتوحا، ويتحول كل أسبوع إلى ساحة جدل جديدة بين منبر المسجد ومنصات التواصل الاجتماعي.



