من المنتظر أين يبحث أول اجتماع مباشر بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، في العاصمة الروسية موسكو، سحب القوات الأجنبية وعلى رأسها الأمريكية من البلاد، لكن ذلك يطرح تساؤلات حول مدى إمكانية التوصل إلى اتفاق في هذا الشأن في ظل رفض واشنطن المشاركة في الاجتماع.
وتسضيف روسيا، الجمعة، الجولة الثانية من مؤتمر موسكو للسلام حول أفغانستان، والذي تعدّه وزارة خارجيتها، كأول محادثات مباشرة رفيعة المستوى بين طالبان والحكومة الأفغانية.
وتعقد جلسة المشاورات على مستوى نواب وزراء الخارجية، حيث تمت دعوة 11 دولة بينها الولايات المتحدة.
وأرسل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، دعوات إلى ممثلي أحد عشر دولة للمشاركة في المؤتمر، وهي: أفغانستان، وباكستان، وإيران، والصين وطاجكستان، وتركمانستان، وأوزباكستان (دول جوار أفغانستان)، بالإضافة إلى الهند وكازخستان، قرغيستان، فضلا عن الولايات المتحدة.
لكن بيان الخارجية الروسية، أشار إلى أن جميع الدول المدعوّة، عدا واحدة؛ هي الولايات المتحدة، أكّدوا أنهم سيشاركون في المؤتمر.
إلا أن دبلوماسيين روس، قالوا في تصريحات غير رسمية إنه سيتم إبلاغ الولايات المتحدة، وإطلاعها بشكل غير مباشر.
وفي وقت سابق، برّرت الخارجية الأمريكية رفضها المشاركة نظرًا لـ”عدم وجود نتائج هامة للاجتماع الأول في موسكو بشأن عملية السلام الأفغانية”.
وتبدو الأهمية التي تعلقها روسيا على هذه الجلسة واضحة من حقيقة أن هذا الحدث سيفتتحه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي لم يحضر اجتماعات مشابهة بشأن سوريا، حتى في أشد الأوقات على ذلك البلد.
وكان أرسل وزير الخارجية الروسي دعوات إلى ممثلي أحد عشر دولة، هي: أفغانستان، والولايات المتحدة، وباكستان، والهند، وإيران، والصين، وطاجكستان، وتركمانستان، وأوزباكستان، وكازخستان، قرغيستان.
وسبق أن أكدت الحكومة الأفغانية، أن وفدًا من المجلس الأعلى للسلام في البلد، سيكون حاضرًا في الجلسة، كما أعلنت حركة طالبان أيضًا أنها سترسل ممثلين عنها إلى موسكو.
وقالت الحركة، في بيان، أنه سيشارك وفد رفيع المستوى من مكتبها السياسي، في المؤتمر.
وأضافت أنه “مؤتمر حول إجراء مباحثات شاملة لإيجاد حل سلمي للمأزق الأفغاني، وإنهاء الاحتلال الأمريكي”.
وأضاف البيان، أن الحركة ستقدم أيضًا خطابًا مفصلًا، وستوضح وجهات نظرها وسياستها حول جميع جوانب القضية، بما في ذلك إعادة السلام والأمن.
من جانبه، أعلن الرئيس الأفغاني السابق، حامد كرزاي، عزمه أيضًا حضور المؤتمر، قائلًا إنه “يجب عدم تجاهل أي فرصة لعقد محادثات السلام مع طالبان”.
ومن المتوقع أيضًا مشاركة عطا نور، الحاكم السابق لولاية بلخ (شمالي أفغانستان) في المؤتمر.
وبحسب بيان الخارجية الروسية، فإن “الرئيس الأفغاني (أشرف) غني، قرر إرسال وفد من المجلس الأعلى للسلام في البلاد إلى المؤتمر. ولأول مرة، سيشارك وفد من المكتب السياسي لطالبان بالدوحة، في اجتماع دولي بهذا المستوى”.
وأضاف “الجانب الروسي يؤكد موقفه بأنّ لا بديل عن تسوية سياسية في أفغانستان، وأن هناك حاجة لعمل فعّال ومنسّق من الدول الجارة لأفغانستان، والشركاء الإقليميين في هذه المنطقة”.
وقال عمر نصار، مدير مركز الدرسات الأفغانية المعاصرة، للأناضول، “رغم أن كل دولة من الدول المدعوّة للمشاركة في المؤتمر ضالعة بعمق في الصراع الأفغاني، إلا أن دورهم في المؤتمر هو إضفاء الشرعية على عملية المحادثات بين طالبان، والحكومة الأفغانية”.
وتوقّع نصّار، أن “تكون إحدى القضايا الرئيسية التي ستبحثها طالبان مع الحكومة الأفغانية في المؤتمر هو سحب جميع القوات الأجنبية من البلاد، وبشكل أساسي القوات الأمريكية”.
وتابع قائلًا: “يبدو ذلك في الوهلة الأولى أن هذا أمر غير قابل للحل. من جهة أخرى، الموقف تجاه الوجود الأمريكي في أفغانستان يتجه للتغير حتى بالنسبة لأولئك الذين دعموه”.
ويشير إلى أن “القوات الأمريكية موجودة في أفغانستان بموجب الاتفاقية الأمنية. على أية حال، بعد مرور 17 عامًا، لم تحقق الولايات المتحدة أيًا من التزاماتها بموجب تلك الاتفاقية. فلماذا هم هناك إذن؟”
ورفض نصّار، توقعات حدوث انقلاب فوري عقب رحيل الجيش الأمريكي.
وقال: “هناك فكرة نمطية شائعة تقول إن الحكومة الأفغانية لن تدوم ليوم واحد بدون القوات الأمريكية. لكن ذلك يكون في حال قامت طالبان بأي تحرك. لكن من قال إنها ستفعل ذلك؟”.
ويضيف “علينا أن نتذكر أن طالبان لن تدوم طويلًا كذلك بدون الدعم الخارجي لها. وإذا ما اتفق أنصار كلا الطرفين على تجنب حرب فورية، عند نقطة البداية هذه، يمكننا العمل” على حل.
ورأى نصّار، أنه في حال رفضت الولايات المتحدة رفضًا قاطعًا سحب قواتها، فإنه بإمكانها الحفاظ على وجودها العسكري في البلاد، لكن تحت شروط أخرى. يمكن للولايات المتحدة أن تستأجر قواعد عسكرية من أفغانستان. هذا الخيار سيكون مناسبًا أكثر.
أليكسي مورافييف، رئيس كلية الدراسات الآسيوية، في المدرسة العليا للاقتصاد، بجامعة البحوث الوطنية، بموسكو، بدوره قال للأناضول إن انسحاب القوات الأجنبية من البلاد (أفغانستان) يجب أن يكون مصحوبًا بدعم اقتصادي.
وتابع “في هذه اللحظة، يشكل إنتاج المخدرات أساس اقتصاد الظل (الاقتصاد الخفي) للبلاد، ولو فكرنا بصدق بشأن عملية السلام، فمن الضروري البحث عن الأمر الذي سيكون بديلًا عنه”.
ورأى مورافييف، أن القوة الاقتصادية للصين يمكن أن تصبح أحد الداعمين الأساسيين للاقتصاد الأفغاني، وذلك يتماشى مع سياسة البلاد التي تسعى في المقام الأول إلى تحقيق مصالح تجارية.
وأوضح في السياق ذاته، إن “الصعوبات التي يواجهها الصينيون في البلاد مرتبطة بعدم فهم التفاصيل الخاصة بالأفغان، وعدم الاهتمام بالمكون الثقافي”.
من جانبه، قال الخبير السياسي دينيس كوركودينوف، إنه “من الضروري، في نهاية المطاف، وقف فرض الزعماء على البلاد. يجب أن يكون هناك زعيمًا وطنيًا مقبولًا لجميع شرائح الشعب”.
وأشار كوركودينوف، “أفغانستان تحتاج زعيمًا نشأ، وتعلم، وعمل في أفغانستان، زعيمًا يعرف الأرض، ليس سوفياتيًا أو أمريكيًا آخرين، أو تابعًا لأي دولة أخرى”.
تحتاج فقط لشخص يأتي من أفغانستان ويستطيع فهم سبب دعم الناس لطالبان، ماذا يجعل الناس يبحثون عن الدعم من الراديكاليين، بدلًا من محاولة بناء مجتمع يسعى لتحقيق المساواة الاجتماعية والعدالة”.
ولفت كوركودينوف، إلى أنه منذ القرن التاسع عشر، كان جميع القادة الأفغان تحت رعاية قوى أجنبية.
وأضاف أنه في الهند، كان الأمر سيكون كذلك، ما لم يظهر مهاتما غاندي، الذي كان مقبولًا للجميع.
وتابع: “لكن الأشخاص الشبيهين بمهاتما غاندي، نادرين جدًا. الهند حالفها الحظ. أما باكستان فهي أقل حظًا. وأفغانستان فاشلة في هذا السياق”.
واستطرد بالقول: “إنها منطقة متعددة الأعراق ومتعددة الثقافات، لذا كان من الصعب دائما إيجاد توازن. الآن من الصعب تخيل ظهور زعيم وطني مقبول للجميع، يقوم بتوحيد البلاد. لكن على الأقل علينا محاولة إيجاده. من الضروري العمل في هذه الاتجاه على أي حال”، وفقا للأناضول.