اختلاط في الطواف!!
هوية بريس – قاسم اكحيلات
أما الاختلاط في الطواف حول الكعبة، فليس هو الأصل كما تتوهم، وكون تلك الدولة لم تمَكن حلولا، لا يدل على الجواز، ولم تكن المرأة تزاحم الرجال عند الطواف كما تظن، والعجيب أن مصطلح الاختلاط قد ورد في حالتنا هذه، قال ابن جريج لعطاء: “كيف يخالطن الرجال؟. قال: لم يكن يخالطن، كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حجرة [ناحية منعزلة] من الرجال، لا تخالطهم، فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين، قالت:انطلقي عنك، وأبت، يخرجن متنكرات بالليل، فيطفن مع الرجال، ولكنهن كن إذا دخلن البيت، قمن حتى يدخلن، وأخرج الرجال”.(البخاري.1618).
وقالت امرأة لعائشة:” يا أم المؤمنين: طفت بالبيت سبعا، واستلمت الركن مرتين أو ثلاثا، فقالت لها عائشة: لا آجرك الله، لا آجرك الله، تدافعين الرجال، ألا كبرت الله ومررت”.(حسن رواه لشافعي في المسند.890).
وعن أم سلمة، قالت:”شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي قال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة. فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت يقرأ بالطور وكتاب مسطور”.(البخاري.464.مسلم.1276).
وفعلا قد منع الاختلاط في الطواف بعد ظهوره،عن ابن جريج قال :”أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال”.(البخاري.1618).
قال ابن حجر:”وظاهر هذا أن ابن هشام أول من منع ذلك ، لكن روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال: نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء ، قال فرأى رجلا معهن فضربه بالدِّرة ، وهذا إن صح لم يعارض الأول”.(الفتح.3/480).
قلت: ولم يصح عن عمر، رواه الفاكهي (أخبار مكة.448): “حدثنا إسماعيل بن محمود، عن حسين بن علي الجعفي، عن زائدة، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: نهى عمر رضي الله عنه أن يطوف الرجال مع النساء، قال: فرأى رجلا معهن فضربه بالدرة”.
وهذا إسناد ضعيف : مغيرة هو مغيرة بن مقسم الضبي، قال ابن العجمي:”مغيرة بن مقسم الضبي قال بن فضيل كان يدلس فلا يكتب الا ما قال حدثنا إبراهيم وقال أحمد بن حنبل عامة حديثه عن إبراهيم مدخول إنما سمعه من حماد ويزيد بن الوليد والحارث العكلي وجعل أحمد يضعف حديثه عن إبراهيم يعني النخعي”.(التبيين لأسماء المدلسين.76).
وإبراهيم النخعي لم يسمع من عمر، قال أبو حاتم:”قال أبو حاتم : لم يلق أحدا من الصحابة إلا عائشة ، و لم يسمع منها ، و أدرك أنسا ، و لم يسمع منه”.(رواة التهذيب.720).
وهكذا كان الامر في أزمنة، قال ابن جبير حاكيا ما شاهده سنة 578هـ ويصف فصل طواف النساء عن الرجال،:”وموضع الطواف مفروش بحجارة مبسوطة كأنها الرخام حسنا منها سود وسمر وبيض .. وطواف النساء في آخر الحجارة المفروشة”.(رحلة ابن جبير.ص:63).
لذا أنكر كثير من العلماء هذا، قال أشهب المالكي :”ولا ينبغي للقاضي أن يقدم الرجال والنساء مختلطين، ألا ترى النساء في الطواف وفي الصلاة خلف الرجال”.(النوادر والزيادات.35/8).
وقال الزرقاني المالكي:قوله (طوفي من وراء الناس)، لأن سنة النساء التباعد عن الرجال في الطواف”.(شرح الموطأ.466/2).
قال محدث المغرب التليدي:”ابتعاد النساء عن الرجال في الطواف واجب إسلامي كالصلاة، فما هو موجود اليوم من اختلاطهن بالرجال اختلاطا فظيعا منكر وجاهلية، لا يقره شرع ولا ذو عقل”.(بداية الوصول.637/2).
بل قد استحب بعضهم طواف للنساء ليلا، قال القرافي المالكي:”واستحب مالك للمرأة إذا قدمت نهارا أن تؤخر الطواف إلى الليل”.(الذخيرة.236/3).
مع العلم أن هذا لا يتعبر اختلاطا، كالمرور في الطريق والسوق ونحوه، فهوا عابر غير دائم، والعلماء لا يختلفون أن السنة موضع صفوف الرجال أمام النساء، وأن التباع هو الأفضل، ولكن يخفف في ذلك عند الزحام في المسجد الحرام”.(التفسير.651).
فعن ابن عمر قال:”بكة بكت بكا، الذكر فيها كالأنثى”.(صحيح رواه ابن أبي حاتم في التفسير.3831 ).
وعلى هذا القول لا يصح قياس الاختلاط في المدارس على الطواف، فهو قياس مع الفارق، فالزمن الطويل ليس كالزمن القصير، ألم تر أن الشارع أباح النظر اليسير إلى المخطوبة والجلوس معها زمناً يسيراً بلا خلوة؟. وبناء على قياس الاختلاطيين فإنه مادام الجلوس معها زمناً يسيراً جائز، فلامانع من أن يجلس معها أياماً وليالي، وينامون في غرفة واحدة بلا خلوة قياساً على ما سبق، لأنه لافرق عند الاختلاطيين بين الزمن اليسير والكثير في الأحكام.
وكذا المرأة تحتجب في الصلاة، فإذا انكشف منها شئ في زمن يسير ثم سترته فإنها لاتبطل صلاتها للعفو عن الزمن اليسير، فبناءً على قياس الاختلاطيين فإنه مادام يجوز لها انكشاف عورتها في الصلاة بزمن يسير فلامانع إذن أن تنكشف طوال الصلاة قياساً على ذلك، لأنه لافرق بين الزمن اليسير والكثير في الأحكام عند الاختلاطيين!. وكذا مرور الجنب بالمسجد مرورا يسيرا، {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا}. انكشاف العورة في زمن يسير لا يبطل الصلاة، والنوم اليسير لا ينقض الوضوء..(أنظر:أقيسة الاختلاطيين.إبراهيم بن عمر السكران).
ولا شك أن تزاحم النساء مع الرجال بهذا الشكل الذي نراه غير مرضي ولم يكن في عهد النبوة، وكذلك ليس مسوغا للاختلاط في المدارس والجماعات ففرق بينن العابر والدائم.
والله الموفق.