استجواب الأستاذ نبيل غزال حول موضوع الحريات الفردية
إعداد وحوار عبد الله المصمودي
هوية بريس – الأربعاء 23 أكتوبر 2013م
في إطار التدافع القيمي الذي تشهده الساحة الإعلامية والحقوقية والقانونية في المغرب بين كثرة مستضعفة متمسكة بهويتها وقيم دينها الإسلامي الحنيف؛ وبين قلة مستقوية متمكنة من مراكز التغيير والتأثير متمسكة وخاضعة للقيم الغربية القائمة على مبدأ الحريات الفردية المتسيبة؛ تطفوا على السطح بين الفينة والأخرى خرجة من خرجات أبناء فرنسا، كان آخرها محاولة فرض التعايش مع القبل بين الذكور والإناث في الفضاء العام..
وحول المبادئ التي ينطلق منها المدافعون عن الحريات الفردية وحقيقة توجههم العلماني أجرينا هذا الحوار مع الأستاذ نبيل غزال الصحفي في أسبوعية السبيل:
1- كيف تقيمون مطالب بعض الجمعيات الحقوقية فيما يخص موضوع الحريات الفردية؟
– المتتبع لمطالب كثير من الجمعيات الحقوقية ذات التوجه العلماني يجد أن مطالبهم تركز على حرية الردة والشذوذ والزنا والقبل ومعاقرة الخمور والمخدرات وإباحة الإجهاض والإفطار العلني في رمضان.. فهم يطالبون بكل وضوح بمنظومة أخلاق لا تتقيد بقيد شرعي إطلاقا؛ وجل الزوابع الإعلامية والحقوقية التي يحدثونها تدور حول المواضيع التي ذكرتها؛ ولا تولي اهتماما كبيرا لمواضيع حساسة تهم الشأن العام والخاص للمواطنين، كحق العمل والسكن والتطبيب والعيش الكريم.. خاصة في العالم القروي.
فالمشروع الذي يؤمنون به ويسعون إلى ترسيمه في واقعنا يقوم على مرجعية مادية لا دينية؛ ومنه فإنهم وفي إطار حركتهم ونشاطهم يعملون على استنساخ التجربة الغربية، ويديرون ظهورهم للآثار السلبية التي تنجم عن مطالبهم تلك، وما تتحمله الدولة والمجتمع المدني من نفقات ضخمة لمعالجة ما يجرّه علينا التسيب الأخلاقي والانحراف السلوكي الذي يهدد وحدة المجتمع وبقاءه.
2- هل نفهم من كلامكم أن متزعمي نداء الحريات الفردية بالمفهوم العلماني متأثرون بالمرجعية الغربية؟
إننا حين نمعن النظر وندقق في فحوى ومضمون مطالب هذه الجمعيات وبعض المتدخلين في هذا الموضوع؛ ندرك دون عناء أن هذه الفئة أصحاب عقول مستعمرة لم يستطيعوا حتى الساعة التخلص من الاحتلال الغربي لعقولهم؛ وأنهم حين يعبرون أو يصرحون فهم لا يصدرون إلا عن الحقوق الكونية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ الذي وَضعَ مواده الثلاثين الإنسانُ الغربي سنة 1948م؛ وسطرها بالضبط حين كان يحتل بلادنا ويقتل أجدادنا ويستنزف ثرواتنا وينهب خيراتنا؛ ولم يستشر الإنسان الغربي حين وضعه لبنود هذا الإعلان -الذي يدافع عنه العلمانيون باستماتة غريبة- أحدا ممن كان يعتبرهم بربرا وهمجا وإرهابيين!!
فرغم تشدق العلمانيين بالتحرر من كل أيديولوجية ومؤثرات خارجية أو مسبقة؛ فحقيقة أمرهم أنهم أصحاب تبعية عمياء وتقليد جامد للتراث الغربي؛ ولا علاقة لهم البتة بتراث الأمة اللهم إلا في الأسماء التي يحملونها ونسبهم العائلي.
ومشروعهم الحداثي المقنع بالدفاع عن الحقوق هدفه التمكين لدول الاستبداد وصبغ مجتمعاتنا بقيم الدول الإمبريالية التي تعمل على فتح أسواق جديدة تروِّج فيها بضائعها، وذلك بتغيير عادات الاستهلاك، وتغيير العقليات وقطع صلة المجتمع بثقافته وهويته؛ وفصل السماء عن الأرض؛ وعولمة نموذج وحيد وفريد وهو النموذج الغربي.
وأؤكد هنا أننا مع الاستفادة من النموذج الغربي فيما يخص مجالات الصناعة والبحث العلمي والتطور التكنولوجي وفنون الإدارة والتسيير وغيرها من المجالات؛ لكننا ضد أن نستورد قيمه الاجتماعية ومنظومة أخلاقه المنحطة التي أثبتت فشلها؛ وشهد بذلك مفكرو ومنظرو الغرب أنفسهم.
3- قد يتساءل بعضنا فيقول: ما الذي يريده منا العلمانيون؟ ولماذا تكابد هذه الجمعيات كل هذا العناء وتعرض نفسها لمواجهة المجتمع؟
إن الذي دلت عليه تصريحاتهم ومواقفهم وكتاباتهم.. وباختصار مشاريعهم -وأنا أقصد كل المنتمين إلى التيار العلماني- أنهم يريدون تكرار التجربة الأوربية وما صنعته العلمانية في القارة العجوز؛ حين قتلت الدين وعزلته عن الحياة.
فلا اهتمام للفئة العلمانية بنقل المفيد والإيجابي من المجتمعات والدول الغربية؛ من بحث علمي وتطور تكنولوجي وتقنيات ومهارات وتنظيم وإدارة؛ تعود بالنفع على الأمة ولا تمس قيمها وهويتها.
فشغلهم الشاغل هو محاصرة القيم والدين وعزلهما عن الحياة؛ والإجهاز على ما تبقى من تشريعات تستمد من الوحي؛ وفك أي ارتباط يصل الشعب بدينه وقيمه.
يجب أن نعلم أن الدول الامبريالية الغربية لم تغادر بلادنا إلا بعد أن ثبتت ترسانة قانونية تضمن إقصاء الدين من العديد مجالات الحياة (السياسية والاقتصاد والاجتماعية والتشريعية..)؛ وخلفت وراءها رعايا أوفياء تسلحوا باللادينية وحملوا فأس نقض التراث ليهدموا وينسفوا ما تبقى من قيم وسلوك اجتماعي مستمد من الشريعة الإسلامية.
وهم عازمون على المضي قدما في ترسيم هذا المشروع؛ وموضوع “القبل” الذي أثير مؤخرا لا يمثل إلا محطة صغير في مشروع كبير، وهو ما يستلزم من المصلحين والغيورين وعيا عميقا بأهداف العلمانيين وخططهم، وتركيز الجهود وتكاثف القوى للوقوف في وجه هذا المد المدعوم من الخارج؛ الذي يريد بنا العودة إلى الوراء وإلى مجتمع الغاب.