استراتيجية الإسلام (13).. الأخلاق-أربع مدارس في الأخلاق
هوية بريس- محمد زاوي
4- الأخلاق
– أربع مدارس في الإخلاق
في قضايا الأخلاق أربع مدارس، مدرسة مثالية، ومدرسة سيكولوجية، واجتماعية، وتاريخية. الأولى تحدد المثل الأخلاقية وتحث على التحلي بها، لا تهتم هذه المدرسة لا بالجذور الاجتماعية والتاريخية للسلوك، ولا بالكيفيات السيكولوجية لتحققه. السيكولوجية تعتبر الخُلق جزءا من البنية اللاشعورية للفرد، يتكرر في ممارسته حتى يصير عملية لا شعورية في الذهن، كما قد يكون نتاجا لأعماق نفسية قديمة. أما المدرسة الاجتماعية فتبحث عن جذور الأخلاق في بنية المجتمع، وما ينقصها هو المحدد الجوهري لتلك البنية. فيما تبحث المدرسة التاريخية عن تلك الجذور في تطور التاريخ، بما هو تطور “للإنتاج المادي للإنسان” (عبد الله العروي، مفهوم التاريخ). كتاب “سؤال الأخلاق” لطه عبد الرحمان نموذج للمدرسة الأولى، كتاب “الإنسان من أجل ذاته: بحث في سيكولوجية الأخلاق” لإيريك فروم نموذج للثانية، كتاب “الأخلاق” لعلي الوردي نموذج للثالثة، وكتاب “الأخلاق الماركسية” لروجي غارودي نموذج للرابعة.
الأخلاق مسألة فردية، لكنها متأثرة بالاجتماع. هناك فضائل يحفظها الضمير، وهذا نفسه متأثر بشرط المجتمع. الأخلاق مُثل عامة يحث عليها النظام العام، لكنها تخاطب الفرد كجزء من هذا النظام، كشخصية خاصة تقهرها ضرورة التكيف. مثل الفضيلة متقاربة، تدعو إليها كل المرجعيات، يمنحها النظام شكلها الخاص، فتصبح ذات معنى في واقع الناس. لا يؤثر النظام العام في فراغ بل في نماذج من الشخصيات والنفسانيات، يكيفها وفق مصلحة ما. المثل العامة يحددها النظام العام، الضمير متأثر بالمجتمع وهذا خاضع لسيطرة النظام العام، النفسانيات يضبطها النظام العام.. فما النظام العام؟ نظام من التوازن أو السيطرة، توافق مصالح أو مصلحة خاصة مسيطرة، يستمد وجودَه من “وجوده الاجتماعي” وخطابَه الإيديولوجي من ذهنية المجتمع، من تراثه وتقاليده ولا وعيه الجمعي ورصيده الأخلاقي.
الأخلاق إذن موضوع للمدارس الأربع كلها، موضوع للدعوات المثالية بما هي تذكير بالفضيلة ومقاومة للنوازع السيئة في الإنسان، وموضوع للبحث السيكولوجي بما هو بحث في “الهيأة النفسية” للأخلاق، وموضوع للدراسة السوسيولجية بما هي دراسة لسلوك الفرد متأثرا أو مؤثرا في بنية اجتماعية معينة، وموضوع للبحث التاريخي بما هو تفسير للظاهرة الأخلاقية بقواعد التاريخ.. التفسير تاريخي، وباقي التفاسير “في حاجة إلى تفسير”. ولا تفقد بذلك وظيفتها في الدربة أو العلاج أو التدخل لحل بعض المشاكل الاجتماعية.. الدربة مثالية، العلاج نفسي، والتدخل اجتماعي.
يحفظ الإسلام لكل مدرسة من هذه المدارس مبرّر وجودها، في صيغة تكاملية تجمع بين الدعوة إلى المثُل واعتبار النفس والنظر في شروط التاريخ والمجتمع. القرآن، أو الحديث النبوي نفسه، ليسا نصّين للتفسير العلمي الخاص بالظواهر الطبيعية أو الإنسانية.. إلا أن ذلك لا ينفي عنهما إشارات، هنا وهناك، لما يحكم بعض الظواهر من تفسيرات عامة. وكذلك أمرهما في قضية الأخلاق، يدعوان إلى فضائلها كالصبر والوفاء بالعهد والعفو والصدق والأمانة (أيضا ينهى عن رذائلها).. وينبهان إلى أساسها الداخلي أي النفس، ويراعيان حدودها التاريخية والاجتماعية.
(يتبع)