استراتيجية الإسلام (22).. العدل- شرط عيسى عليه السلام

هوية بريس- محمد زاوي
** شرط عيسى عليه السلام:
لم يكن عيسى عليه السلام رسول انسحاب من التاريخ، كما يروّج كثير من المتكلمين في سيرة المسيح؛ بل كان صاحب معركة في التاريخ، واجه فيها كبار قومه، وهم يهود خضعوا لعبودية الرومان وأخضعوا مَن تحتهم (اجتماعيا) من أكثرية يهود فلسطين. في سياق هذه المعركة كان التأييد الإلهي: “وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس” (سورة البقرة، الآية 253).
وقد كان عيسى عليه السلام في ذلك مجددا، “تجديد إحياء” يحيي به ما اندرس وبلي من التوراة قبل تحريفها (“ومصدقا لما بين يدي من التوراة”/ سورة آل عمران، الآية 50)، و”تجديد تطوير” يطور به التوراة في شرط جديد فيكون الإنجيل بمثابة نص جديد لشرط جديد.. “ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل” (سورة آل عمران، الآية 48). (“تجديد إحياء” و”تجديد تطوير”، بتعبير حسن الترابي في “تجديد الفكر الإسلامي”)
لم يكن عيسى لينتج انقساما جديدا، وعشوائيا من غير مقدمات، في مجتمع كالمجتمع الفلسطيني/ اليهودي آنذاك؛ وإنما عمِل على إبراز الانقسام القائم وإظهاره للناس، وعلى إخراجه للوجود السياسي والإيديولوجي/ العقدي بعدما كان مقتصرا على الوجود الاجتماعي. ولما دعا كبراء اليهود، عزت عليهم منازلهم وأحس منهم الكفر فبادر إلى جمع المستضعفين عليهم. وفي هؤلاء (المستضعفين) فئة تخاف كبراءها، فما كان من عيسى إلا أن طلب النصرة، ليميز أنصاره من أعدائه. “فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله، قال الحواريون نحن أنصار الله، آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون” (سورة آل عمران، الآية 52).
ولأن النص المحرف كان يعكس مصالح كبراء اليهود، فقد رفضوا الرجوع إلى الأصل وامتنعوا عن دعوة عيسى، فكفروا معجزاته واعتبروها سحرا (“إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا، وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني، فتنفخ فيها فتكون طائرا بإذني، وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني، وإذ تخرج الموتى بإذني، وإذ كففتُ بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين”/ سورة المائدة، الآية 110)، وهمّوا بصلبه من شدة ما كان يشكل على مصالحهم المنكرة من خطر. “وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله، وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم”. (سورة النساء، الآية 157)



