استراتيجية الإسلام (30).. الأسرة- التعريف والشرط
هوية بريس- محمد زاوي
7-الأسرة
-في تعريف الأسرة وشرطها
الأسرة نواة أو بنية اجتماعية بلغها الإنسان بجهد تاريخي كبير، وبعد زمن من فوضى الأنسال وتدبير المعاش. بتشكيلها وتنظيمها انتقل الإنسان من واقع إلى آخر، داخلها تطور إنتاجاه المادي والمعنوي، لما لها من أدوار تنظيمية وتعبوية، ولما لها من قدرة على تحرير وتجميع وتنظيم الطاقات الإبداعية والعملية لمكوناتها. إنها بهذا المعنى “بنية إنتاجية” بالمفهوم الشامل للإنتاج، بها الغنى والكفاف وتنمية القدرات. “إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم” (النور:32)/ “ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله والمكاتب الذي يريد الأداء والناكح الذي يريد العفاف” (حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه النسائي والترمذي).
أما مكوناتها فهي في الإسلام تتعدد أو ينحسر عددها حسب الحال، فلم يضع الإسلام عليها قيودا صارمة غير قابلة للتغير التاريخي. يعول فيها الزوج بيته بمن فيه وبمن اضطر إليه (“إن لأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه”/ رواه وهب بن عبد الله السوائي وأخرجه البخاري، “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”/ رواية عائشة رضي الله عنها في صحيح الترمذي)، ليس اختيارا وإنما وجوبا شرعيا تفرضه الضرورة الأصلية التي لا تقوم الأسرة إلا بها (أي: الزوج والزوجة والأبناء)، كما تفرضه الضرورة الطارئة التي لا تُحفظ “قداسة” وهيبة الأسرة إلا بها (الأصول والقرابة). (الوالدان: “وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا”، سورة الإسراء، الآيتان 23 و24/ القرابة من الأعمام والأخوال والإخوة والأخوات الخ: تختلف فيه المذاهب وله شروط ومراتب نص عليها الحديث “ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل عن أهلك شيء لذوي قرابتك فإن فضل شيء عن ذي قرابتك فهكذا وهكذا”، رواية جابر بن عبد الله في صحيح النسائي).
وعندما نقول إن الأسرة دولة مصغرة، أو هي النواة الأولى والجنينية للدولة، فإننا نتحدث من منطلقات في هذا الباب: من منطلق وضعاني يحدد وظيفة الأسرة في بنية المجتمع الذي هو أساس الدولة، ومن منطلق تاريخي يرصد سابقة الأسرة في التاريخ إذا ما قورنت بالدولة. وهذا المعطى الأخير أكده القرآن نفسه “وخلق منها زوجها” (سورة النساء، الآية 1)، وهذه واقعة سابقة على قول الله تعالى “وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات” (سورة الإسراء، الآية 70)، وهذه بدورها سابقة على قوله “وورث سليمان داود” (سورة النمل، الآية 16). أما الدولة فلا تخفى أهميتها في التنظيم والضبط وتوفير الظروف الملائمة بتدبير الإنتاج وتطويرها، مهما خضعت في بنائها وتوزيع مصالحها للتفاوت الاجتماعي. فقد عرفت في ذلك ما عرفته الأسرة في زمنها “الأبوي المِلكي”، وهو حال دون حال، دونيته لا تلغي ضرورته في شرط من الزمن. وهو نفس الشرط الذي تحتل فيه الأسرة الأبوية مكانتها التاريخية حفظا للخصوصيات والأنسال (“للدين والرحم” بتعبير فريد الانصاري في “الفطرية: بعثة التجديد المقبلة”).
… يتبع.