استهداف للقرآن من داخل المغرب: الأوقاف أمام اختبار مسؤوليتها!

05 نوفمبر 2025 10:01
التوفيق: أمير المؤمنين يسهر على حفظ دين الأمة وفق نموذج يستجيب لحاجيات المؤمنين

استهداف للقرآن من داخل المغرب: الأوقاف أمام اختبار مسؤوليتها!

هوية بريس – متابعات

في حلقة من برنامج “تمورت” الذي يقدمه عبد الخالق كلاب، استُضيف الباحث محمد المسيح في نقاش حول ما سماه البرنامج “قرآن بورغواطة.. حقيقة تاريخية”، ليتحول النقاش إلى مساحة مفتوحة للطعن في القرآن الكريم، وفي مفهوم النبوة والرسالة الخاتمة.

فقد قال كلاب في معرض كلامه إن للأمازيغ “قرآنهم الخاص المكوَّن من ثمانين سورة منها سورة الحنش”، ليردّ عليه ضيفه قائلا: “نعم، هناك قرآنات وأنبياء كثيرون بعد محمد”، وهي عبارات صادمة تمس جوهر العقيدة الإسلامية وتتناقض مع الإيمان بنسخ الشرائع السابقة وختم النبوة ببعثة النبي محمد ﷺ.

ما ورد في هذا اللقاء، الذي سبقه اجتماع موسَّع بمراكش ضمّ كلا من كلاب والمسيح وعصيد وأيلال، ليس بحثا تاريخيا ولا نقاشا علميا كما زعم مقدمه، بل هو انحراف خطير يمسّ الثوابت الكبرى للمغاربة في دينهم ومرجعيتهم الإسلامية الراسخة، إذ يسعى إلى تقديم القرآن الكريم على أنه نص بشري قابل للتعدد والمقارنة، وليس وحيا إلهيا منزلا بلفظه ومعناه. وهذه الأطروحات ليست جديدة، بل تعيد إنتاج ما روج له عدد من المستشرقين الغربيين منذ القرن التاسع عشر حين حاولوا، عبر دراسات ظاهرها أكاديمي وباطنها تشكيكي، زعزعة الإيمان بخصوصية القرآن ووحدته المعجزة. فمرة يشككون في جمع القرآن وتاريخه، ومرة في مصدره الإلهي، ومرة في معانيه وألفاظه، بحجة المقارنة مع نصوص دينية أخرى.

إن ما فعله كلاب والمسيح في هذه الحلقة يندرج ضمن هذا المسار نفسه، إذ يعيدان تدوير مقولات استشراقية قديمة حول وجود “قرآنيات متعددة”، وأن القرآن الإسلامي ليس إلا واحدا من نصوص دينية بشرية ظهرت في حقب مختلفة. وهو خطاب يسعى بوضوح إلى تفكيك المرجعية الإسلامية الجامعة للمغاربة، وإحلال فكرة (النصوص المتعددة) و(الأديان المتوازية) محل العقيدة التي توحد الأمة حول كتاب واحد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. كما أن الزعم بأن للأمازيغ قرآنهم الخاص يمثل استغلالا خطيرا للهوية الأمازيغية في سياق تقسيمي يُراد به ضرب وحدة الانتماء العقدي والحضاري للمغرب.

هذا الخطاب الممنهج يستهدف الأمن الروحي للمغاربة، ويضرب في الصميم ما أكد عليه الدستور من أن الإسلام دين الدولة، وأن إمارة المؤمنين هي الضامن لثوابت العقيدة ووحدة المرجعية. فحين يُبث في الإعلام الرقمي كلام يتحدث عن (قرآنات متعددة وأنبياء بعد محمد)، فإن الأمر يتجاوز حرية التعبير إلى المساس المباشر بالمقدسات، وهو ما يفتح الباب أمام فوضى فكرية تمهّد لتفكيك الوعي الديني، وتطبيع فكرة أن الدين نسبي ومتعدد المصادر، وأن الوحي مجرد تجربة بشرية قابلة للتكرار.

الذي يثير القلق أكثر هو أن هذا الطرح يتغذى من شبكات فكرية وإعلامية ترتبط، كما أشار الدكتور أحمد ويحمان، بجهات غربية وصهيونية لطالما سعت إلى زعزعة الثقة في الإسلام من الداخل. فمراكز الأبحاث الغربية، خاصة تلك المرتبطة بالدراسات التوراتية والشرق أوسطية، لم تتوقف منذ عقود عن إنتاج سرديات تزعم وجود “نصوص قرآنية” موازية، أو محاولة إعادة كتابة التاريخ الإسلامي خارج الإطار النبوي. وهكذا يُعاد استنساخ هذا المشروع في السياق المغربي عبر أصوات محلية تتحدث بلسان “الحرية الأكاديمية” أو “الهوية الأمازيغية”، بينما الهدف الحقيقي هو المس بالمقدس وضرب الرابط الروحي الذي يجمع المغاربة.

إنّ السماح لمثل هذه الأفكار أن تُبثّ دون مساءلة هو تفريط في الأمن الفكري والديني، وتهديد مباشر لوحدة الأمة وهويتها. فالمغاربة، عبر قرون، لم يعرفوا إلا القرآن الكريم كتابا منزلا، والنبي محمدا ﷺ خاتم الأنبياء والمرسلين، ومن خرج عن هذا الإيمان فقد خرج عن الجماعة وعن الثابت الذي قامت عليه الأمة والدولة. لذلك، فإن ما جرى في هذه الحلقة يشكل سابقة تستوجب وقفة حازمة من العلماء والهيئات الدينية والإعلامية على حد سواء، حماية لعقيدة المغاربة من محاولات التشويه والتزييف والتفكيك، وردا على من يسعون إلى جعل المقدسات مادة عبثية في برامج الإثارة الفكرية.

إنّ المغزى العميق لما قاله المسيح وكلاب هو محاولة إحياء منهج التشكيك في القرآن الكريم الذي سلكه المستشرقون وأعداء الإسلام منذ قرون، سواء عبر الادعاء بوجود كتب سماوية أخرى يمكن الرجوع إليها أو عبر الطعن في مصدر القرآن ومعناه. هذا المسار، إن لم يُواجه بالحجة العلمية والرد الشرعي الرصين، قد يفتح الباب أمام أجيال تتربى على الشك بدل اليقين، وعلى النسبية بدل الثبات، وعلى البحث في “قرآنات متخيلة” بدل التمسك بالكتاب الذي أنزله الله: “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون” (الحجر:9).

إنّ ما يجري ليس مجرد جدل فكري، بل هجوم مباشر على قلب الإيمان الإسلامي، ومحاولة لزرع الشك في نفوس الناس باسم البحث الحر. ومن واجب العلماء والمفكرين والإعلاميين أن يتصدوا لهذه الموجة الجديدة من التشكيك، وأن يوضحوا للرأي العام أن ما قُدّم في تلك الحلقة لا علاقة له بالعلم ولا بالحرية، بل هو انخراط في مشروع أكبر لضرب الإسلام في مصدر قوته: القرآن الكريم.

وفي هذا السياق، تبرز مسؤولية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في حماية العقيدة وصيانة الأمن الروحي للمغاربة، عبر متابعة هذه الظواهر ومساءلة من يتجرأ على ثوابت الدين تحت غطاء الثقافة أو الإعلام. فبدل الانشغال بخطباء المساجد ووصف بعضهم بأوصاف قاسية، كـ”الخوارج” أو “المجرمين”، الأولى أن تُوجَّه الجهود إلى من يعبثون علنا بالمقدسات ويهدمون أسس الإيمان باسم الحرية الأكاديمية.

إنّ صون الهوية الدينية للمغرب ليس ترفا فكريا ولا معركة جانبية، بل قضية وجودية، تتطلب من الدولة والعلماء والإعلام وكل الغيورين أن يقفوا صفا واحدا أمام هذا الانحراف الخطير الذي يهدد عقيدة الأمة واستقرارها الروحي والحضاري.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
8°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة