اعتقال شهادة العالمية مدة 26 سنة لثلاثة علماء من خريجي القرويين
هوية بريس – ذ. إدريس كرم
ترجع هذه القضية لسنة 1931 عندما انتهى الموسم الدراسي بجامعة القرويين حسب النظام الجديد، وتوجب تسليم شهادة العالمية للمتخرجين.
ولأن إدارة القرويين كانت تحت وصاية مصلحة الاستعلامات الفرنسية، وهي التي تبث في بريدها؛ فقد بقيت مراسلة المجلس العلمي الذي كان يشرف على التعليم بالقرويين الموجهة لوزارة العدل في شأن التصديق على الشهادات والمؤرخة في 27 ذي الحجة 1349 (1931/4/10)، رقم41، دون جواب لغاية فاتح جمادى الثانية 1351، حيث جاء الرد متضمنا شرطا غريبا، وهو مطالبة الخريجين بالاعتذار عن النشاط الذي قاموا به ضد الظهير البربري!
وفي 15 شعبان 1351 (1932/12/14)، قام المجلس العلمي ورئيسه إذ ذاك أحمد بن الجيلالي بناني الحاصل على وسام جوقة الشرف -لعدم مشاركته في حركة الظهير البربري-، وهو عبارة عن صليب يعلق في الرقبة، نكاية بالقائل: إن الفقيه يحمل القران في صدره.
تم استدعاء الخريجين لتسليمهم الشهادات، بعد إمضائهم على ما يلي:
(إنني مع أسفي عما كان قد صدر مني من الاشتغال الذي لا ينبغي لمثلي بمسألة الظهير الشريف المتعلق بتنظيم عوائد البربر، أعتذر عن ذلك، وألتزم أن لا أعود لمثله أبدا، وأن أسلك نحو المخزن مسلك الطاعة والامتثال).
لكن ثلاثة من العلماء الخريجين رفضوا التوقيع، ووجهوا رسالة لرئيس الحكومة الفرنسية يحتجون فيها على هذا الاعتداء السافر على حقهم في الحصول على شهادتهم، والعلماء هم:
– محمد علال الفاسي
– عبد العزيز بن ادريس
– محمد إبراهيم الكتاني
ونشرت تلك الرسالة في العدد العاشر من مجلة (مغرب)، الصادرة بباريس بالفرنسية، عدد أبريل 1933، وقد استعرضت الرسالة تاريخ القضية والهدف من انتزاع هذا الاعتراف من العلماء الشباب، (مما يفيد أن محرريه هيأوه ليكون صالحا للاستعمال ضد أي (متهم) بالعمل السياسي، وقد أبلغنا المجلس العلمي رفضنا التوقيع، معتبرين هذا تدخلا من جانب الاستعلامات في الشؤون الدينية التي التزمت فرنسا باحترامها، وزعم المجلس العلمي لكي يتهرب من اتخاذ أي قرار، أن السلطان هو الذي طلب التوقيع على الاعتراف).
فتقرر عدم تسليمهم الشهادات، واستمر ذلك الاعتقال لغاية 1957، حيث تم تسليمها لأصحابها من قبل وزير التهذيب الوطني والفنون الجميلة في حفل كبير، وقد أضيف للنص الرسمي بالشهادة:
(وفي ذي القعدة الحرام 1350 نجح حامل هذه الشهادة في امتحان العالمية، ومنع منها لأفكاره الوطنية إلى أن حق الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا، فسلمت له في 19 جمادى الثانية 1376 موافق 21 يناير1957.
إمضاء:
وزير التهذيب الوطني والفنون الجميلة: محمد الفاسي.
رئيس الجامعة محمد الجواد بن عبد السلام الصقلي الحسني لطف الله به).
للذكرى:
ليتأمل مدمرو التعليم بالمساجد، والمدرسة العمومية بعده، نوع التكوين الذي كان، ووطينة الخريجين، ومسارهم العلمي والنضالي، والنظرة المستقبلية لتكوين الأجيال من خلال تسمية الوزارة (وزارة التهذيب الوطني والفنون الجميلة).
فأين هو تهذيب متمدرسي اليوم؟
وأين وطنيتهم؟
وأين تحليهم بالجمال؟
كل ذلك صار من الماضي؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
رحمهم الله وجزاهم خيرا
ولعن الله الخونة والمنافقين